العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية .. الجزء الستون.. ميتافيزيقا الجغرافيا

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة، (ج 59) عن إخوان الصفا: وكتابهم “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم [13]: ميتافيزيقا الموسيقى: سرورُ عالمِ الأرواح.

ولنواصل –في هذه الدردشة– مقاربتَنا التأويليةَ: إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”.

كان موضوع الرسالة الرابعة من رسائل إخوان الصفا هو: في جغرافيا، يعني صورة الأرض والأقاليم.

1.  الجغرافيا: علمٌ شريف: على الأرض نقف.. ومنها تنشأ أجسامُنا وتتغذى.. وإليها تعودُ

يقول إخوان الصفا بشرف علم الجغرافيا وأنه من الضروري أن يعرفه قارئ رسائلهم، وأن يلم به إلمامًا، وفي ذلك يقررون: “من أجل أن مذهب إخواننا، أيدهم الله وإيانا بروحٍ منه، هو النظر في جميع الموجودات والبحثُ عن مبادئها وعن علة وجدانها، وعن مراتب نِظامها، والكشف عن كيفية ارتباط معلولاته بعللها بإذن باريها، جلَّ ثناؤه، احتجنا إلى أن نذكرَ حال الأرض وكيفية صورتها، وسبب وقوفها، في مركز العالم، وذلك أن المعرفة بحالها وبكيفية وقوفها في الهواء، من العلوم الشريفة، لأن عليها وقوف أجسامِنا، ومنها بدأ كون أجسادنا ونُشوؤها ومادةُ بقائها، وإليها عودها عند مفارقتها نفوسِها. وأيضًا فإن النظر في هذا العالم يكون سببًا لترقي هِمَم نفوسنا إلى عالم الأفلاك مَسكنِ العليّين، ويكثر جولانُ أفكارنا في محل الروحانيّين”.

2.  الجغرافيا: موضوعات مهمة لمعرفة ملكوت السموات والأرض

ويبين إخوان الصفا موضوعات علم الجغرافيا وأهميتها قائلين: “وقد ذكرنا في هذه الرسالة (الرابعة) طرفًا من كيفية صورة الأرض وصِفة الرُّبعِ المسكون منها، وما فيه من الأقاليم السبعة، ومن البحار والجبال والبراري والأنهار والمدن، ليكون طريقًا للمبتدئين بالنظر في علم الهيئة وتركيب الأفلاك، وطوالِع البروج، ودوران الكواكب، ويقرُب تصوُّرها في أفكار المتعلمين، ويسهل تأملُّها للمتفكرين في ملكوت السموات والأرض الذين يقولون: “ربنا ما خلقت هذا باطلًا، سبحانك فقِنا عذابَ النار”. وقال تعالى: “وفي الأرض آياتٌ للموقنين”. وقال: “وكذلك نُري إبراهيمَ ملكوتَ السمواتِ والأرضِ وليكونَ من المُوقِنين”.

3.  الجغرافيا: وصفُ الأرضِ: من أسفل سافلين إلى أعلى عليين

وصف أخوان الصفا الأرض من أسفل سافلين (مركز الأرض) إلى أعلى عليين (الفلك التاسع)، وفي ذلك يقولون: “أما الجهات فهي الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق والأسفل، والأرض جسمٌ مدورٌ مثل الكرة وهي واقفة في الهواء، والهواء محيطٌ بها من جميع جهاتها، ومركزها هي نقطة متوهمة في عُمقها على نِصف القُطُر، وبُعدُها من ظاهرِ سطح الأرض ومن سطح البحر من جميع الجهات متَساوٍ، وأسفل الأرض هو بالحقيقة نقطة وهمية في عمق الأرض، على نصف قطرها وهو الذي يُسمَّى مركزَ العالم، وهو عمق باطِنها مما يلي مركزها من أي جانب كان من الأرض، لأن مركز الأرض هو أسفلُ السافلين، وأما سطحها الظاهر المُماسُّ للهواء، وسطحُ البحار من جميع الجهات فهو فوق، والهواء المحيط أيضًا من جميع الجهات. وفلك القمر هو فوق فلك الهواء، وفلك عطارد فوق الآخر إلى الفلك التاسع الذي هو فوق كل فوقٍ وهو أعلى عليين، ومقابله مركز الأرض أسفلُ سافلين”.

4.  الجغرافيا: صفة الربع المسكون من الأرض: الأقاليم السبعة المسكونة

يصف إخوان الصفا الربع المسكون من الأرض بقولهم: “الربع المسكون من الأرض هو الربع الشمالي المكون من الأرض سبعةُ أبحر كبار، وفي كل بحر منها عدة جزائر، وفي هذا الرُّبع سبعةُ أقاليم تحتوي على سبعة عشر ألف مدينة كبيرةٍ، يملكها نحو من ألف ملك، كل هذا في ربع واحد من بسيط الأرض، وأما ثلاثة أرباعها الباقية فحكمها غير هذا”.

“والأقاليمُ هي سبعةُ أقسامٍ، خُطَّت في الرُّبع المسكون من الأرض، فإذا تأملت وجدت الناس محصورين في الرُّبع المسكون من الأرض، وليس لهم علم بالثلاثة أرباع الباقية”.

5.  الجغرافيا: الأرض: كالنقطةِ في دائرةٍ شاسعةِ الاتساع

الهدف من دراسة جغرافيا يحدده إخوان الصفا في قولهم: “واعلم أن الأرض بجميع ما عليها من الجبال والبحار بالنسبة إلى سَعةِ الأفلاك ما هي إلا كالنُّقطة في الدائرة، فلشدة البُعدِ وسَعة الأفلاك تراها كأنها الدُّرُّ المنثور على بساطٍ أخضر”.

خلاصة تأويلية

الأرض نقطة في دائرة، لكنها خُلقتْ لأمرٍ عظيم: يقرر إخوان الصفا أنه: “إذا فكر الإنسان في هذه العظمة تبين له حِكمةُ الصانعِ وجلالة عَظَمته، فينتبه من نَوم الغفلة ورِقدة الجهالة، ويعلم أن ما خلق الله تعالى هذه الأشياء إلا لأمرٍ عظيم، وذلك قوله تعالى: “وما خلقنا السماواتِ والأرضَ وما بينهما إلا بالحق”.

في الدردشة القادمة –بإذن الله– نواصل رحلتنا التأويلية مع إخوان الصفا وكتابهم: “رسائل إخوان الصفا”: ميتافيزيقا العلوم: ميتافيزيقا الجغرافيا: فلسفة للجغرافيا الحضارية.

 

مقالات ذات صلة:

الجزء السادس والخمسون من المقال

الجزء السابع والخمسون من المقال

الجزء الثامن والخمسون من المقال

الجزء التاسع والخمسون من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا