سلاح الأنفاق
الضغط يولّد الانفجار والكرامة لا يتنازل عنها إلا الخسيس الناقص، فالإنسان الحر لا يقبل الاستغلال والسيطرة، لكنه يقاوم ويضحّي بالنفس والمال وبما يملكه كله.
ولدينا مثالان للمقاومة والكفاح وعدم الخنوع للعدو: فيتنام، وفلسطين المحتلة وبالأخص قطاع غزة، ويشترك المثالان في سلاح الأنفاق وما يترتب عليها من نصب الفخاخ للإيقاع بالمعتدي في شرك الكمائن وسومه سوء العذاب جرّاء ما أقدم عليه من احتلال الأرض وهتك العِرض واستعباد الخلق.
إن النفس البشرية تحب الراحة والدّعة والركون إلى الدنيا وملذاتها، وتستصعب طريق المواجهة الشائك مع العدو الذي ينتهي إما بالنصر والظفر أو الأسْر المُذِل أو القتل ونيل الكرامة، وهنا يظهر المثبطون المرجفون والمتشككون على مدار التاريخ.
أنفاق المقاومة
إن التاريخ لا يمنح دروس الحرية بالمجان لكن لا بد من التضحيات وبذل المُهج والوقت والمال في سبيل ذلك.
والتاريخ يعيد نفسه، فالحرب بالوكالة سِمة رئيسة لدى أوروبا وأمريكا والعرب والاتحاد السوفيتي، وكل دولة لها شراكة أو تدخّل مباشر مع دولة أخرى.
ودائمًا تتدخل الدول ذات اليد الطولى، فمثلًا، أرسلت الولايات المتحدة إلى فيتنام خبراء عسكريين أخذوا في التزايد بالآلاف مع نقل العتاد العسكري، وبالطبع تزداد المؤن والجنود والهيمنة.
إن أصحاب الأرض دائمًا أكثر وعيًا وفهمًا لمناخهم وكما يقال: أهل مكة أدرى بشعابها، فالمقاومة دائمًا أكثر حرية في الحركة وفهمًا للتضاريس وتنوعًا في الأسلحة المناسبة المستخدمة للدفاع عن النفس.
بين فيتنام وغزة صورة لم تتغير
وما أشبه بارحة فيتنام بليلة غزة، فمن الواضح منذ دخول إسرائيل لقطاع غزة استخدام القصف العنيف وسياسة الأرض المحروقة والأحزمة النارية لشل حركة وقدرة المقاومة والفصائل المختلفة، ومن ثم السيطرة والقضاء تمامًا عليها.
سيناريو الحرب الأمريكية في فيتنام نفسه واستراتيجية الحصار الخانق والتضييق المُفضي إلى الموت البطيء، فلا عمل ولا طعام ولا شراب ولا دواء ولا حياة، فمن الواضح تمامًا إخلاص المستشارين العسكريين الأمريكيين الذين يقبعون في إسرائيل منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى)، والعمل بكل حزم على إنهاك إسرائيل وهزيمتها كما تلقّت راعيتها وأمها الروحية –أمريكا– دروسًا قاسية بغرقها في أنفاق فيتنام.
إن الضرب والاختفاء يفقد العدو صوابه ويهزه هزًا، وكما جاء في فيلم المقاوم الليبي الكبير عمر المختار عندما وصفه الجنرال الإيطالي هو ورفاقه بالفئران، نعم يبدو أنهم فئران لكن قضيتهم عادلة، فئران في أعين الفئران صغار العقول الذين ألِفوا الذُّل والهوان والعيش تحت الأحذية، لكنهم كبار في أعين الأسوياء الذين لا يقبلون الضيْم والانبطاح.
أوجه التشابه بين احتجاجات الجامعة الأمريكية والمسيرات المناهضة لحرب فيتنام
كما يوجد تشابه كبير بين الحِراك الحالي للطلاب في الجامعات الأمريكية ومراكز الأبحاث استنكارًا واستياءً لما يحدث من الإبادة الجماعية الممنهجة في قطاع غزة والخناق المطبق عليهم، وتأثير ذلك على فوز الرئيس الأمريكي بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر 2024م، والاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام سنة 1968م التي تسببت في خسارة الديمقراطيين لمنصب الرئاسة.
إذا كان العدو المحتل يمتلك ترسانة عسكرية برية وبحرية وجوية متفوقة، وتضخ له الدول الصديقة الأسلحة وتزوده بالاستشارات مع استخدام التكنولوجيا الحديثة وكثرة عدد الجنود، فإن أصحاب الأرض يفكرون تفكيرًا عكسيًا من شق أنفاق في باطن الأرض بمعايير هندسية معينة مع مراعاة البرودة والحرارة والغمر بالمياه، إلخ، فواهِم الذي يظن أنها عشوائية، إن تصميم الأنفاق يخلق بيئة عالَم آخر متكامل وحياة أخرى مزودة بالأسلحة ولوازم الحياة الضرورية، يوازي العالَم الآخر على سطح الأرض.
أخيرًا، فإن أصحاب الأرض يمتلكون الصوت العالي، فهم أصحاب الحق، ضد المعتدي الجبان الذي يشعر بالقِلَّة والنقص، فالقوة لا تقاس بكثرة العدد والعدّة وإنما بالثقة بالنفس وقوة القلب والعزيمة في دحر المغتصب.
مقالات ذات صلة:
الفلسطينيون حتى لا يكونوا هنودًا حمرًا
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا