مقالات

دقق لنفسك في المرآة وقل لي من رأيت؟

هل نظرت لنفسك يوما في المرآة؟! سؤال تقليدي وإجابته بالتأكيد نعم، لكن السؤال المهم والمحير: هل من رأيته هو أنت؟!

قبل أن تداهمك الحيرة دعني أقول لك:

“لست أنت نفسك من رأيته عندما دققت في المرآة، إنما هو “الآخر” الذي تخشاه، لا يراه الناس لكن تراه أنت وحدك وتعلم علم اليقين من هو بقسماته وحركاته وسكناته وتفاصيله الدقيقة”.

مكنونات النفس

دعني أعرفك به عن قرب وأنت تعلم وتعي ما سأقول:

  • إنه “الآخر الصامت” دائمًا الذي فقد متعة الكلام، إذ يراقب في صمت ويشاهد في صمت ويحلل في صمت ويتألم وحده في صمت!
  • إنه “الآخر الجميل” الذي تفر إليه كل ليلة لتنصت إلى عتابه لك على ذنب أذنبته أو مسكين ظلمته أو حق اغتصبته وأنت تعلم يقينًا أنه ليس لك.
  • هو ذلك “الرابض في أعماقك” يسخر منك كل يوم وليلة، إذ تخالف توجهاته وتكسر ثوابته وتستحل حرماته، عندما تجهر بالقيم وقرين مرآتك عار منها، وتعلن ودك وحبك وقرين مرآتك معبأ قلبه بالحقد والكراهية، وتعلن النقاء وتدعيه وقرين مرآتك ملطخة يداه بدماء الغدر، وتجهر بحب الناس وقرين مرآتك غارق في بحار الكراهية على الذات والكون والبشر!
  • هو ذلك “الهارب من مواجهة الحقيقة”، المستتر خائفًا مرتجفًا مستكينًا عاجزًا يصدرك أنت للمواجهة، فتبدو ممزقًا بين ظاهرك الخادع وباطنك المستكين العاجز الواهن الجبان، وتلك أزمة “الازدواجية” التي تراها دائمًا قرينة الحيارى العاجزين عن اتخاذ قراراتهم المصيرية، إذ لا يمتلكون إرادة اتخاذ القرار.
  • هو ذلك “الذئب” المكشر عن أنياب غدره منتظرًا لحظة الانقضاض على فرائسه الغافلة، التي وثقت في ظاهره ومنحته ودها وهي لا تدري أنها باعت لباطنه المستتر بالمجان حياتها، فافترسها الذئب الكامن في أعماقه!
  • هو ذلك “الهارب من المواجهة”، تراه فاقدًا للهوية يبدل جلده وفق مصالحه وتطلعاته ورغباته، فتارة تراه يمينًا مع عشاق اليمين وتارة تراه يسارًا مع عشاق اليسار وتارة تراه وسطًا بين هذا وذاك –إن دعت الضرورة– وهو في كل حالاته لا علاقة له بيمين أو وسط أو يسار!

الإزدواجية بين الظاهر والباطن

الظاهر والباطن

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتسألني: علام هذا السواد الذي كسوت به ملامح الآخر في المرآة ذلك الرابض في أعماقنا؟!

وأقول لك: “ليس سوادًا يا صديقي بقدر ما هو تحليل دقيق لفلسفة تناقض الظاهر والباطن عند عموم البشر وليس كلهم، فالآخر في المرآة غالبًا ليس هو الحقيقة!

إنما الحقيقة أن يتطابق الظاهر والباطن في النقاء والصفاء والحب والود والتعايش، ويرى الناس ذلك الكائن الملائكي الذي عشقته المرآة وخجلت من صدقه واكتمال جماله، فهل تظن أن تلك الحقيقة موجودة يا صديقي في عموم البشر؟!

ليتنا نشعر بالأمان عندما ندقق لأنفسنا في المرايا وليتنا نستمتع بتطابق الظاهر والباطن، وليتنا وليتنا وليتنا…”.

مقالات ذات صلة:

هومي بابا والقراءة النفسية بين الأنا والآخر

السلام مع النفس

النفس في الفلسفة والعلم والدين

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د/ محمد جمعة

أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية جامعة دمياط لشئون التعليم والطلاب