فلسطين عربية محتدًا وواقعًا
منذ عام سبعة عشر وتسعمائة وألف للميلاد والفلسطينيون يعانون من آثام وعد بلفور اللعين، الذي قدم أرضهم وطنًا لليهود يعيشون فيه تخلصًا من إزعاجهم للدول الأوروبية التي فاض بها الكيل من ويلاتهم وإفسادهم، وأضحت فلسطين منذ ذلك العهد مرتعًا لليهود ينتقلون إليه ويعيثون فيه فسادًا، ولا يزال الفلسطينيون يقاومون بكل ما أوتوا من قوة وبأس هذا الزحف اليهودي.
إذا كان اليهود يروجون أكاذيبهم بأنهم الذين بنوا مدينة القدس منذ ثلاثة آلاف عام، فإن المصادر التاريخية تحدثنا بأنه اكتُشفت نقوش وآثار عربية في هذه المدينة يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، مما يؤكد أصالة وعروبية تلك المدينة المقدسة، فقد بناها اليبوسيون العرب من بطون العرب الكنعانيين من جزيرة العرب وهم أول من سكن القدس، وكان ذلك قبل 3500 سنة قبل الميلاد، أي قبل مجيء اليهود إلى هذه المدينة المباركة أصلًا، ولذا كان أقدم اسم سميت به فلسطين كنعان نسبة للكنعانيين العرب الذين قطنوها إبان ذاك، ثم أطلق عليها بعد ذلك اسم: “يبوس”.
حينما قصد اليهود الاستيلاء على القدس تصدى اليبوسيون لهجماتهم الشرسة منذ ذلك الوقت، لكن باءت محاولاتهم بالفشل، فسكن العرب وهم سكان فلسطين الأصليون مع قبيلتي بنيامين ويهوذا من أسباط بني إسرائيل في القدس، ثم توالت المحاولات من اليهود لإخراج العرب من بلادهم والسيطرة عليها لكنها فشلت كسابقاتها، فبقيت السلطة للعرب حقبة من الزمن، يناضلون عن ديارهم، ويدافعون عن مقدساتهم، وبقيت القدس تحت السيطرة العربية إلى عهد نبي الله داود عليه السلام، إذ فتح بيت المقدس، ثم بعد موته جاء ولده سيدنا سليمان عليه السلام ليكمل الهيكل الذي بدأه أبوه، وبعد ذلك اندثر ذلك الهيكل وانهدم وزالت معالمه تمامًا، إلا أنه لا يزال وجوده مسيطرًا على أفكار اليهود ومعتقداتهم الدينية.
ما هو أدب المقاومة؟
ما زال العرب من يومها يقاومون اليهود في الدفاع عن حقهم المشروع في امتلاك المدينة التي بناها أجدادهم الأقدمون، ولا توجد مقاومة مشروعة في مكان ما أو زمان ما إلا وسار الأدب في ركابها داعمًا ومباركًا خطواتها، فالوطنية الصادقة والعقيدة الراسخة مادة خصبة للشعراء والأدباء العرب على مختلف توجهاتهم وعقائدهم، ولذا لا نجد شاعرًا أو أديبًا جاء في عصر ما بعد نكبة فلسطين إلا وأسهم بمادته الأدبية في تلك القضية وقدم أنبل مشاعره وأنفس أعماله غناء بمجدها وبكاء على حالها، مؤمنين بأن توظيف الأدب في الدفاع عن حقوق الإنسان أسمى وظائفه، وأنفذ خصائصه.
يعد أول من أطلق مصطلح “أدب المقاومة” الأديب الفلسطيني “غسان كنفاني” صاحب رواية “عائد إلى حيفا”، الذي اغتالته يد فجور من أيادي المحتل الغاشم، ويهتم هذا النوع من الأدب بالكتابة عن أوضاع فلسطين السياسية تحت الاحتلال، كما يهتم بأحوال الفلسطينيين المعذبين الذين يعانون الجوع والمرض والتهجير القسري من لدن العدو الإسرائيلي، وبهذا يندرج تحت أدب المقاومة كل نص أدبي يتناول حال الإنسان في معركته مع الآخر المعتدي، من حيث بيان جهاد المعتدى عليهم ووصف حياتهم أو رثاء الشهداء منهم، أو من حيث بيان طريق النجاة من يد هذا المحتل، أو من حيث بيان جرائم المعتدي وفضح أفعاله.
أدب المقاومة كان وما زال
إن فلسطين المباركة المكان الوحيد على ظهر الأرض الذي اجتمع أتباع الديانات السماوية الثلاث على تعظيمه، فقد أُسرِي إليه نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإليه اتجه بداءة في صلاته، وفي بيت لحم ولد سيدنا عيسى المسيح عليه السلام وعلى أرضه نشأ، وإليه هاجر سيدنا موسى الكليم عليه السلام، ومن هنا شغلت فلسطين عاطفة الشعراء وعقولهم، ولم لا؟! وهي مهوى الأفئدة ومحط الأنظار وبوصلة الأرواح وموطن الفداء والتضحية، فها هو “أحمد محرم” يشكو من ظلم اليهود ومن الذين فرطوا في القدس:
إيه فلسطين اصبري أو فاجزعي وكفى بصبرك في الحوادث مغنما
ظلم اليهود بنيك حين تحكموا وأرى الألى باعوك كانوا أظلما
وها هو “أبو القاسم الشابي” يسمع أنينها ويرثى لها:
فلسطين الحبيبة كيف أحيا بعيدًا عن سهولك والهضاب
تناديني الشواطئ باكيات وفي سمع الأنام صدى انتحاب
وها هو “إبراهيم طوقان” يعلن حبها دينًا:
ديننا حُبك يا هذا الوطن سرُّنا فيه سواء والعلن
وها هو “صالح الشرنوبي” يقسم بالفداء:
لك المجد في الأرض منذ القدم فمدّي جناحيك صوب القمم
فقد أقسم العرب أن يفتدوك فإما وجود وإما عدم
وها هو “الجواهري” يدعو ألا تكون فلسطين اليوم هي أندلس الأمس:
ناشدتُ جندكَ جندَ الشعبِ والحرسا أن لا تَعودَ فلسطينٌ كأندلُسا
ناشدْتُك الله أن تسقي الدماءُ غدًا غَرْسًا لجَدِك في أرجائِها غُرسا
دور أدب المقاومة
على نهج الشعراء جاء الكتّاب ليتناولوا القضية في أدبهم فنجد من هذا الأدب الروائي، رواية “رأيت رام الله” لمريد البرغوثي، ورواية “باب الشمس” للكاتب “إلياس خوري”، ورواية “الطنطورية” للكاتبة “رضوى عاشور”، ورواية “الخرز الملون” للكاتب “محمد سلماوي”، ورواية “زمن الخيول البيضاء” للكاتب “إبراهيم نصر الله”.
لا يستطيع الإحصاء أن يقدم لنا تقريرًا عن إسهامات الشعراء والكتاب في دعم القضية الفلسطينية، ففي كل يوم بل في كل ساعة ينظم الشعراء ويكتب الأدباء دعمًا ومشاركة للمقاومة الفلسطينية.
وبعد، فلا شك أن جهاد الكلمة له يد عليا تفوق أحيانًا يد السلاح، وتكون آلامها أدوم أيجاعًا وأبقى أثرًا، فآلام السلاح تُداوى وتُضمَّد أما آلام الكلمة فلا علاج لها ولا ضِمادة، وهي عسية بأن تكون محركة للشعوب وللضمائر الإنسانية لمؤازرة الفلسطينيين في قضيتهم ومقاومتهم المشروعة.
مقالات ذات صلة:
جدل المكان والتاريخ في قصيدة: “في القدس”
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا