هذا هو المحك
هناك آيات في القرآن تستوقفك بعظمة الصياغة، ودقيق المعنى وإنسانيته، ولو قدر لي أن أختار عشرين آية تقدم القرآن لعموم البشر لكانت هذه الآية على رأس اختياراتي، يقول ربنا:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”، (المائدة).
تخاطب الآية عموم المؤمنين، وتطلب منهم أن تكون حركتهم لله: أن يقوموا به وأن تكون مرضاته غايتهم، فهم به، وهم منه، وهم إليه، وهذا التوجيه الكريم ليس فقط شعار يمكن للمؤمن أن يردده بلسانه، لكنه سلوك وإجراء حقيقي وفعل معيش.
القائمون بالله يذكرونه في قلوبهم، ويذكرونه بأفعالهم أيضًا، هؤلاء هم الشهداء بالقسط (أي بالعدل)، فعليك دائمًا أن تكون عادلًا مع نفسك: أن تنصف نفسك من نفسك أولًا، وأن تنصف سواك منك ثانيًا، وأن تنصف من تكره ممن تحبّ أخيرًا.
العدل الغاية التي يرجوها الإنسان في الحياة سواء أكان مؤمنًا أم لم يكن، بالعدل قامت الدول والممالك وازدهرت الحضارات، وحين يغيب العدل تتهاوى الدول وتتداعى الحضارات.
بالعدل تزدهر المواهب، وتتحقق الذوات الإنسانية وتستقر على المعيار القويم، وبالعدل يدخل الإنسان ملكوت الله، وبه يعبر وينجو، العدل غاية الدنيا وباب الآخرة.
لا تتركك الآية حتى تضرب لك المثال في شكله الراسخ، فالجميع يطنطن بالعدل، لكننا قد ندور به حيث دارت مصلحتنا ومصلحة من نحب، بمعنى أننا نحب العدل ما دام في صالحنا، لكن الآية هنا تلزمك بالعدل مع الذين تبغضهم، فأنت من القوامين بالله حين تنصف من تكره ممن تحب، وتنصف من تكره من نفسك، هذا هو المحك، وذلك هو المعيار.
القائم بالله لا تشغله نفسه ولا يشغله كرهه وحبه، القائم بالله لا تشغله الشخوص وإنما يدور مع العدل حيث كان، ويشهد به ولو على نفسه.
“فاتقوا الله ما استطعتم”.
مقالات ذات صلة:
إنسان يحب العدل ولا يكره الظلم!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا