مسلسل رسالة الإمام
بمناسبة مسلسل رسالة الإمام والأحداث غير الحقيقية اللي طالت المسلسل، تعالوا أحكيلكم عن الإمام الشافعي الحقيقي، ووصوله إلى مصر.
في يوم من الأيام، بييجي شيخ من الحجاز لمصر عشان يبدأ يدرس هنا، بس هو كان نابغة زيادة شوية عن باقي شيوخ عصره، لدرجة إنه مع الوقت ألف كتاب، كسب من القداسة إنه بقى يتحط تحت القرآن والسنة على طول، الراجل ده رغم إنه اتسجن، اتهان، اتضرب، فهو أصبح واحد من ضمن أربعة لهم مذاهب في السنة الإسلامية، يعني مش مجرد عالم أو مدرس بس، ده صاحب مذهب كامل.
عايز تعرف مين الراجل ده؟ هقولك..
مولد الإمام الشافعي ونشأته
سنة 767م اتولد طفل في غزة اسمه محمد بن إدريس الشافعي، لعيلة فقيرة جدًا، مات أبوه وهو عنده سنتين، فأخدته أمه ورجعت إلى مكة وسط أهله الهاشميين، لأنه عربي قرشي من نسل بني هاشم.
الإمام من صغره أظهر كرامة وعبقرية كبيرة، حفظ القرآن وهو عنده ٧ سنين بس، وبعدها حفظ كتاب الموطأ الكبير بتاع الإمام مالك بن أنس وهو عنده عشر سنين، ورغم إنه كان فقير جدًا وعاش في فقر مدقع، فده ممنعوش يبقى نابغة ويحفظ القرآن ويبقى عنده رأي خاص بيه وهو لسه مبلغش سن يسمحله بده، الراجل من فقره مكنش عنده ورق يكتب فيه، كان بيكتب الحديث اللي بيسمعه ويحفظه على الجلود، سعف النخل، أو بيجيب الورق المستعمل اللي مكتوب على وشه ويكتب على ظهره.
رحلة الشافعي في طلب العلم
لما كبر شوية صغيرين خرج إلى الصحرا يشوف أفقه القبائل في اللغة العربية عشان يتقنها، فخرج إلى قبيلة هذيل ودي من القبائل المرتحلة اللي بتسكن الصحرا واللغة العربية عندهم قوية، وصلهم ولازمهم، عاش وسطهم يسمع منهم العربي ويحفظه، كان يسمع منهم الشعر والأدب ويحفظه.
من ذكائه إنه كان كمان يسمع ويعدل عليهم، وكان بيحب الشعر والأدب جدًا ويردده، لكن في مرة كان ماشي بيقول بيت شعر ووراه كاتب لعبد الله الزبيري فسمعه بيقول شعر، راح ملسوعه بالكرباج لسوعة خفيفة كده وقاله: “اللي بتحفظه ده بيشيل مروءة الشباب، ابحث عن الفقه”، ومن هنا بدأ يدور عن الدين والفقه والعلم.
خلصت رحلته ورجع إلى مكة، قعد مع مفتي مكة “الزنجي بن خالد”، تعلم على إيده لحد ما بقى عنده ١٥ سنة، وكان وصل إلى مكانة كبيرة أوي في العلم خلى الزنجي يطلب منه إنه يفتي في الدين، مع إنه كان ١٥ سنة بس، كان ذكي جدًا، بس كان في الوقت ده الإمام الأول والأكبر “أبو حنيفة النعمان” مات، والإمام الأكبر والأكثر شهرة “مالك بن أنس” صاحب كتاب الموطأ عايش والناس بتجيله من كل حتة عشان تتعلم منه، وكان في المدينة المنورة، هنا قرر الإمام الشافعي اللي كان ١٥ سنة إنه يخرج للمدينة عشان يقابل أستاذه الإمام مالك يتعلم منه.
راح المدينة، وقابل الإمام مالك اللي انبهر من المراهق اللي حافظ الموطأ حفظ وبيسمعه، وقال إنه هيكون ليه شأن عظيم في الدنيا، ولازمه يتعلم منه وبكده بقى الإمام مالك أستاذه الأول، فضل معاه كام سنة لحد ما الإمام مالك مات، وكان الشافعي فقير جدًا، فقرر يدور على شغل عشان يأمن أكله ورزقه.
محنة الإمام الشافعي في عهد الرشيد
سافر إلى اليمن بعد ما رهن بيت قديم كان ملك أمه، وهناك اشتغل شغل بسيط كده، وفي نفس الوقت كان بيكلم الناس عن الدين والفقه وبدأ اسمه يلمع، خصوصًا إن الفترة دي غالبية الشيوخ كانوا شيوخ طبلة، بمعنى إنهم منافقين للوالي والخليفة، وهو كان عكس كل ده مكنش بينافق حد، وده خلى الناس تدور عليه وتسمع له.
لما كان في نجران في اليمن، كان الوالي فيها التابع للدولة العباسية كان فاسد وبيكره الشافعي، ليه بيكرهه؟ لأنه مبينافقوش، وعشان تجاوز في حقه لما الشافعي راحله مخصوص ونصحه يبطل اللي بيعمله من فساد، وكمان تجاوز وقال في حقه كلام للناس مش كويس.
في الفترة دي كان العباسيين بيكرهو العلويين جدًا، لأن العلويين ثوريين بطبعهم، ونسبهم إلى سيدنا علي أقوى للرسول من نسب العباسيين، فكانوا خايفين إنهم يسرقوا الخلافة منهم، وكانت تهمة جاهزة إن فلان علوي فيتقبض عليه ويتعدم أو يتعاقب.
الوالي ده بعت لهارون الرشيد وقاله إن فيه علويين ظهروا عنده، فيه ٩ منهم بيتكلموا للناس، وراح قايل اسم الإمام الشافعي معاهم، عشان يتخلص من وجوده يعني، وقال إنه بيقوم الناس على العباسيين وكلامه أقوى من ألف سيف، فهارون الرشيد مكدبش خبر، وبعت يجيب التسعة دول ومنهم الشافعي اللي في حاله، اتقبض عليه وراح على بغداد مع الـ٩ العلويين.
أمر هارون الرشيد بقتلهم كلهم، وفعلًا الـ٩ اتقتلوا، والدور كان على الشافعي اللي قال لهارون الرشيد والسيف على رقبته إنها مكيدة وأثبت إنه مش منهم، لما أقنعه عفى عنه.
اقرأ أيضاً: أنصح كلاكما بعدم متابعة مسلسلات لهذا السبب
مناظرة الشافعي ومحمد بن الحسن
خرج الشافعي، وقعد في بغداد يتعلم من علمائها، ويدرس علوم جديدة ووجهات نظر جديدة في العلم وكان عمره ٣٤ سنة، تعلم من الشيخ محمد بن الحسن ومن الشيباني فقه العراق المختلف عن فقه الحجاز، واللي بينتسب للإمام أبي حنيفة النعمان، وكان في نفس الوقت بيعلم العراقيين أصول الفقه المالكي اللي تعلمه على إيد الإمام مالك بن أنس بنفسه وبشحمه ولحمه.
شوية بشوية اتشهر في العراق جدًا، أصل المذهبين في إيده، والعلم عنده غزير، فاتشهر والناس لفت حواليه وبدأ يعلمهم من علمه، وكبر أمره جدًا بين الناس، ولأن محمد بن الحسن كان حنفي، ومختلف مع فقه المدينة التابع للمالكية، ولأن وقتها الإمام الشافعي كان مالكي، فكان في كل قاعدة بيناظر الحنفيين ويرد عليهم بالفقه.
الشافعي بيقول إنه اشترى كتب محمد بن الحسن بـ٦٠ دينار، وقراها كلها ورد فيها على نقطة نقطة مدافع عن مذهب المالكيين، وكان بيناظر أصحاب محمد بن الحسن في كتبهم، لكن مناظرش محمد بن الحسن لأنه كان أستاذه، لكن لما الموضوع كبر شوية اضطر إنه يناظره، والشافعي في المناظرة المشهورة دي انتصر واتشهر أكتر في بغداد والعراق.
انتقال الإمام الشافعي إلى مكة
رجع بعد كده الشافعي إلى مكة وهو محمل جمل كبير بالكتب بتاعت أهل العراق، هو رغم كل حاجة كان تلميذ لمحمد بن الحسن اللي كان فقيه كبير هناك، ولما رجع مكة بقى كان في إيده علم أهل العراق وعلم الحجاز اللي متناقضين شوية عن بعض، فالتناقض ده اتقابل جوة الإمام الشافعي وخرج بيه بعلم جديد خالص، خرج منه بتأسيس علم الفقه الشافعي نسبة إليه.
في مكة كان دايمًا عند الكعبة، بيدرس للناس هناك والحجاج، ويخطب في المصلين، وهناك قابل أحمد بن حنبل –الشافعي كده قابل بن حنبل ومالك– بين الحجاج، وكان الشافعي خارج بفقه جديد نابع من جواه ومن اللي تعلمه، مختلف تمامًا عن المالكية والحنفية، مكنش مجرد واحد بيردد، إنما كان مبتدع وصاحب كلمة، والناس كانوا شايفينه عالم مش مجرد ملقن يعني، وبقى مشهور كمان في مكة.
قعد الشافعي في مكة ٩ سنين، خرج منهم بعلم الاستنباط واللي فيه حط قواعد للاجتهاد في النص، وأخد من المالكية والحنفية نقط من هنا ومن هنا، ورفض من هنا ومن هنا وخرج بالخلاصة، وبقى صاحب علم لوحده بعيد عن الاتنين.
اقرأ أيضاً: نبوة سقراط
موقف الإمام الشافعي من قضية خلق القرآن
لأن بغداد كانت قبلة العلم وقتها، فقرر إنه يرجع لها تاني عشان يبدأ ينشر العلم بتاعه الجديد، ما هو كان لازم ينشر العلم الجديد اللي خرج بيه حتى لو الناس كانت متمسكة بعلومها القديمة، المرة دي الشافعي بقى يجيله العلماء الكبار يتعلموا منه ويسألوه بعكس ما كان تلميذ، زي ما جاله مثلًا عبد الرحمن بن مهدي، وطلب منه يألف كتاب عن الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص، فكتبله الشافعي كتاب الرسالة اللي هيكون أعظم كتب الشافعي بعدها وبعتهوله.
سنة ١٩٨هـ ورغم إن بغداد كانت قبلة العلم وقتها، حصل موقف كده مع الشافعي خلاه ميكملش سنتين ويسيب بغداد ويمشي، وهي فتنة مخلوقية القرآن، بمعنى إن المعتزلة فاكرة إن القرآن مخلوق بذاته، مش كلام اتقال لأ ده اتخلق زي الإنسان كده.
الشافعي بقى كان بيكرههم، ومعترض معاهم جهرًا ومن اللي بيعملوه، حتى بعد ما عرف إن الخليفة بقى معتزلة، وكان بيفرض عقوبات وحدود على اللي ينتهج مناهجهم ومكنش بيخاف من بطشهم.
المأمون لما كان بيشوف حد معترض على فكرة خلق القرآن، كان بيعمل حاجة من اتنين، يا يقربه منه عشان يضمن ولاءه، يا يعذبه ويضيق حياته عليه.
لما المأمون عرف بأمر الشافعي، راح له وعرض عليه يبقى القاضي الخاص ليه واللي يشرع له اللي بيقوله، هيمسك القضاء يعني، فالشافعي اللي مكنش على وفاق مع مذهبه رفض بشياكة كده، بس من جواه عرف إن رفضه ده هو نهاية وجوده في بغداد، لأنه لو مش معاه يبقى عليه.
الاختلاف بين المذاهب الفقهية
لما الموضوع شد عليه، بعتله والي مصر وقتها وكان اسمه عباس بن عبد الله إنه ييجي يقعد في مصر بعيد عن اللي بيحصل في بغداد.
الإمام الشافعي قرر إنه يزور مصر، لم حاجته وودع تلاميذه، وشد الرحال، بعد كل رحلة العلم والترحال بقى والتدريس والظلم اللي شافه في اليمن وفي بغداد، هيروح لمصر اللي دايمًا كان بيسمع عنها سمع خير، ووصل مصر سنة ١٩٩هـ.
القصة بقى عشان نفهمها صح، لازم نفهم التكوين المذهبي لمصر أيامها، لازم نعرف إن مسلمي مصر وقتها كانوا مقسومين اتنين، فريق مقتنع بمذهب ابن مالك وبيدافع عنه ويحبه ومؤمن بيه، وفريق مقتنع بمذهب أبي حنيفة ومقتنع بيه وبيدافع عنه، والاتنين مقسومين على بعض.
على عادة أهل مصر تاريخيًا لما بيؤمنوا بحد، يا بيعلوه لدرجة الألوهية، يا بيجيبوه الأرض، وعشان كده كان أصحاب المذهبين مبهدلين بعض، والشافعي جي مصر بمذهب تالت خالص فلك أن تتخيل! مع ذلك الإمام الشافعي كان كبير وهيبة، اللي هو لما سألوه إنت مالكي ولا حنفي، قالهم أنا اللي جي أجمعكم مع بعض.
اقرأ أيضاً: حاكم المدينة المنورة الأسكتلندي
الشافعي يختلف مع الإمام مالك
لأن الإمام الشافعي كان صاحب رأي ومن تلاميذ مالك، وبيقول رأيه حتى ولو مخالف لرأي الإمام مالك، فده سببله مشاكل كتير في مصر.
نزل القاهرة وقعد فيها، وصيته كان مشهور هناك والمالكيين كانوا مستنيينه على إنه “القرشي المالكي صاحب العلم”، ولما وصل وصلى والناس استقبلته وبدأ يدرسلهم، لاحظ حاجة مهمة جدًا…
إن الإمام مالك مبجل عندهم وعند المالكية بوجه عام بشكل مبالغ فيه، الشافعي مع إنه كان تلميذه وبيحبه إلا إنه كان شايف التبجيل ده بيضر تاريخه مش بيعليه.
إزاي؟ بمعنى إن المالكية بقوا يقدسوه، بيقولوا مثلًا “قال رسول الله” ووراها أقوال لمالك على إن مالك هو النبي يعني، أو إنهم ميقبلوش كلام عليه، حتى إن لبسه وشعيراته بيقدسوهم في بعض الولايات، في الأندلس مثلًا واخدين عبايته وبيستسقوا بيها، يعني بيتبركوا بيها ويدعو ربنا بيها ينزل المطر.
في مصر، كان فيه علماء وشيوخ يعارضوا حديث للرسول مثلًا بمقولة عن مالك، اللي هو لا الحديث غلط ورأي مالك كذا وكذا، وده اللي خلى الشافعي يغير من طريقة كلامه ويبدأ ينتقد مالك نفسه، لأنه كان شايف إن مالك بشر عادي ممكن أوي يغلط، مجرد بشر، وعشان كده اهتم إنه ينتقده عشان يخلي الناس تعرف إنه بشر بس، مجرد عالم مش نبي ولا إله.
تأليف كتاب خلاف مالك
هنا قرر الشافعي إنه يألف كتاب سماه “خلاف مالك”، وفيه كان بينتقد مالك في كل نقطة من فقهه، وفيه تحامل كبير على المذهب المالكي، وبعد ما خلصه مرضيش الشافعي إنه ينشره تقديرًا لأستاذه مالك ووفاءً ليه، وفضل سنة مخبيه عن النشر، لكن لما الموضوع زاد والمالكية بقوا يعدلوا على كلام الرسول نفسه استخار ربنا وقرر أنه ينشره.
المجتهدين والمصريين أصحاب الانحياز للمالكية، بعد ما قرأوا وسمعوا من الشافعي الانتقاد، قلبوا عليه، وبدل ما كانوا بيناصروه بقوا يشتموا فيه علانية، يرموا عليه كلام، يقاطعوا مجالسه ويقولوا عليه مهرطق وجاهل ومش عارف إيه، ويطردوه من المجالس، وتطور الأمر إنهم أخدوا بعضهم وراحوا للوالي وطلبوا منه إنه يطرد الشافعي من مصر نهائي، مش عايزينه وسطنا، ده واحد جي يقول إن مالك بيغلط.
الموضوع بقى بيكبر، بقوا يشتموه بالأب والأم، شتايم قبيحة خصوصًا من العوام، يتفوا عليه، يرشوا مياه، حتى الشيوخ في الجوامع بقوا يدعوا عليه في دعوات الجمعة اللي بتبقى في آخر الخطبة: “اللهم أهلِك الشافعي”، وحاجة كده غريبة على راجل علم زي الشافعي.
شيخ مثلًا زي ابن المنكدر كان يمشي وراه في الشارع ويقول بصوت عالي: “دخلت مصر وكنا واحد، وفرقت بينا وبين بعض، يا أهل الشر فرّق الله بين روحك وجسمك”.
اقرأ أيضاً: عجينة الدكتور المسيري.. وفضيلة المرونة الذهنية
وفاة الإمام الشافعي
المحنة زادت على الشافعي، الراجل اللي حب إنه ينشر العلم بقى مكروه في مصر، الناس بقت تكرهه وتتمنى موته بس عشان انتقد مالك بن أنس، يرموه بالطماطم والبيض، يقولوا عليه كافر وزنديق، أربع سنين عاشهم الشافعي في مصر على الحال ده لما زعل واكتأب.
المهم، جه الشيخ أشهب بن عبد العزيز اللي كان واحد من اللي نشروا مذهب مالك في مصر، وكان بيدعي على الشافعي في سجوده ويقول: “اللهم أمت الشافعي”، كذا مرة ورا بعض.
في مرة وهو بيدعي، وكان المالكية المصريين قاعدين بيصلوا وراه، وخطب فيهم أشهب إنهم لازم يوقفوا الشافعي ده عند حده، كفاية كده.
وسط المشاعر الملتهبة، والتكبير، خرج المالكيين من المسجد وجابوا عصيان وراحوا على الشافعي اللي كان بيصلي، خرجوه بره، ونزلوا عليه بالعصيان، ضربوه كتير أوي لحد ما نزف كتير.
لحد ما مات لوحده، بعد أربع سنين من المعاناة، والضرب
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا