مقالات

حاكم المدينة المنورة الأسكتلندي

سنة ١٧٩٠م في أسكتلندا، اتولد طفل إنجليزي اسمه توماس كيث، هو اسمه كده، تحديدا في إدنبرة، وزي معظم أبناء الطبقة دي في اسكتلندا الإنجليزية كان قدامه طريقين ملهومش تالت، يا مزارع، يا ينضم للجيش الإنجليزي الكبير ويضمن حياة كريمة ليه ولأسرته، فاختار توماس الطريق التاني وانضم للجيش.

انضمام توماس كيث لكتيبة المشاة البريطانية

توماس كان شاب شجاع جدا من وهو صغير، بيعرف يتخانق ويقاتل ويدافع عن نفسه، ولفت النظر ليه بدري بدري، فالجيش ضمه على طول وهو صغير كده لكتيبة المشاة البريطانية رقم ٧٨ “هايلاندرز”، وقاموا مسفرينه على طول على صقلية في قوات جون ستيوارت عشان يحارب هناك.

في الحرب دي أظهر شجاعة وأظهر فهم لآلية المدفعية التابعة للجيش، فالقائد بتاعه وصى بيه بسرعة إنه ينضم للحملة الجديدة اللي رايحة على مصر سنة ١٨٠٧م، وفعلا بيروح ضمن جزء من كتيبته كفني للمدفعية في حملة فريزر وبيدخل مع الجيش الإسكندرية بسهولة في الأول، لحد ما الحرب بتقوم بين محمد علي باشا وبين الإنجليز، بيتكتب فيها النصر لمحمد علي باشا، وبينهزم الإنجليز.

توماس كيث يعلن إسلامه

download - حاكم المدينة المنورة الأسكتلندي

اضغط على الاعلان لو أعجبك

توماس على الرغم من شجاعته دي، إلا إنه اتأسر على إيد واحد مملوكي من جيش محمد علي باشا، وكان قدامه يا يتقتل أو يفدي نفسه بفلوس يا يعلن إسلامه، فاختار إنه يعلن إسلامه وسمى نفسه إبراهيم أغا، بس اللي حصل على طول إن الجندي المملوكي ده أخده وأخد كل اللي معاه، ونزل بيه على سوق النخاسة عشان يبيعه ويستفيد منه.

وهو معروض في السوق، عدى على السوق ده قائد عسكري مشهور اسمه “أحمد بونابرت”، وده قائد مشهور جدا وكان من رجالة محمد علي باشا ومساعد الأمير طوسون، واتسمى باسم بونابرت عشان انتصاراته الكتير اللي عملها في الحروب، فعجبه توماس واشتراه وقرر إنه يضمه للعبد اللي عنده بالفعل ويخدموه مع بعض.

العبد الأسكتلندي يقتل الصقلي

روح معاه، وبدأ يخدم فيه هو والتاني، المشكلة إن التاني ده كان المفضل لأحمد بونابرت، وكان من صقلية، وتوماس كان بيحارب ضد صقلية مع الإنجليز قبل ما ييجي مصر، فمكانوش طايقين بعض، في مرة وهما شغالين رموا كلام على بعض، اتعصبوا، مسكوا في خناق بعض، لُكاميات من هنا وهناك لحد ما راحوا رافعين السيوف في وش بعض وتبارزوا، راح توماس تهور، وجرحه جرح مميت.

توماس لما فاق وشاف المنظر، وهو عارف إن الصقلي ده المفضل عند أحمد بونابرت الخازندار، فعرف إنه لو اتمسك هيتقتل، راح ناطط من الشباك وجري، فضل يجري لحد ما وصل للحرملك، عند أول بيت واتحامى فيه، وكان بيت زوجة محمد علي باشا نفسه، فلما عرف اتحامى فيها وحكالها حكايته وقعد يعيط وبتاع، فصعب عليها، وقررت إنها تحميه.

تعيين توماس رئيسا لمماليك طوسون

خدته من إيده وراحت على ابنها طوسون، وطلبت منه إنه يشغله معاه أي حاجة بس يحميه من صاحبه أحمد بونابرت، وافق طوسون عشان ست الكل، وراح باعت لأحمد وقاله أنا اشتريته منك، وافق أحمد وحس توماس بالأمان، أما طوسون فأخده وحطه في الخدمة عنده مع باقي مماليكه، وبتعدي الأيام.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في يوم بقى، توماس اتطلب منه يعمل حاجة، فعملها غلط، ووصل الخبر ده لطوسون باشا اللي كان وقتها بالذات متعصب شوية لأمر ما، ففي لحظة غضب كده أمر بقتل توماس وبعتله فرقة من المماليك تقبض عليه وتعدمه،

راحت الفرقة عشان تقبض عليه، راح توماس رافع سيفه، وبدأ يقاتل المماليك دي ويبارزها، كان عددهم كبير فعلا لكنه وقعهم كلهم لوحده ونط من الشباك وجري على مرات محمد علي باشا تاني عشان تحميه منهم، للمرة التانية.

شوف هيا أم طوسون توسطتله فعلا إن طوسون يسامحه وطوسون وافق، لكن طوسون كان عرف اللي عمله توماس في المماليك، فأعجب بيه من قبل ما أمه تتوسط أساسا، وكان في نيته يسامحه، ولما سامحه وبسبب اللي أظهره من شجاعة راح معينه رئيس مماليكه كلها، أصل لما واحد لوحده يعمل كده، دا يتعلموا منه ميقتلهوش.

اقرأ أيضاً:

الاستعمار الفرنسي ومعركة الوعي في إفريقيا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حملة يعقوب على الصعيد

فاسكو دي جاما مستكشف رأس الرجاء الصالح

معركة وادي الصفراء

معركة وادي الصفراء - حاكم المدينة المنورة الأسكتلندي

سنة ١٨١١م طوسون أخد مماليكه وجنوده بأمر من أبوه عشان يحارب الوهابية في الحجاز، وأخد معاه توماس كيث اللي بقا دراعه اليمين ورئيس المماليك دي كلها، وفي معركة من المعارك اللي هيا معركة وادي الصفراء، هجم جيش الدولة السعودية الأولى هجوم مباغت على القوات المصرية، وهزموهم فعلا واتحاصر طوسون، لكن توماس دافع عنه بشجاعة رهيبة وأنقذه من الموت بمعجزة وهربوا.

معركة التربة

بعد كدة دخلوا معركة تانية اسمها التربة، انتصر فيها جيش طوسون وكان الفضل فيها لتوماس نفسه، فرقاه طوسون باشا وعينه خازندار (مسؤول على الخزينة يعني)، وبقا باشا وتحت طوسون على طول، وخدوا بعض وراحوا يحاربوا في المدينة المنورة، في حرب انتصر فيها طوسون على قوات الأمير محمد بن سعود وأمن ممر الجديدة، وضم المدينة المنورة لجيشه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أول أجنبي يحكم المدينة المنورة

ومكافأة على نجاح توماس في الحروب دي ولأنه كان أول الداخلين للمدينة، عينه طوسون باشا حاكم على المدينة المنورة، عشان يكون أول وآخر “أجنبي غير مسلم الأصل” يحكم المدينة المنورة في تاريخها كله سنة ١٨١٥م، سابه حاكم عليها وراح عشان يكمل بقية حروبه ضد الوهابية وضد محمد بن سعود.

قعد حاكم عليها شهرين بس، كان بيأمن فيها الدنيا هناك وبيقاوم حركات الثوريين اللي مبطلوش حرب، وقدر إنه يطرد الوهابيين من المدينة في وقت قصير، واستسلم أكتر من ١٥٠٠ وهابي لقواته اللي بعد كده بعتهم لنجد،

وقدر إنه يلغي تسمية الإمارة للمدينة وحولها عشان تكون محافظة، وعمل مجلس شورى للمحافظة يضم شيخ الحرم والقاضي والمفتي، والمحافظة كلها تبقى تبع ولاية الحجاز.

مقتل توماس كيث على يد جيش الأمير محمد بن سعود

المهم، إن بعد شهرين، طوسون كان مخيّم في منطقة القصيم، وكان في نفس الوقت فيه أخبار إن فرنسا بتحارب إنجلترا في أوروبا “معركة واترلو الشهيرة”، والدنيا مش أمان، فجمع توماس ٢٥٠ فارس من فرسانه في المدينة،

وقرر إنه يروح عشان ينضم لطوسون في القصيم ويدافع عنه، بس اللي حصل إنه وهوا في الطريق هجم عليه جيش الأمير محمد بن سعود وكانوا فوق الـ٢٠٠٠ فارس، عدد أضعافهم يعني.

حاول توماس إنه يقاوم، رفع سيفه ودافع عن نفسه ووقع منهم كتير، لدرجة إن شاهد قال إنه قتل بإيديه من غير سيفه حتى أربعة وهابيين بنفسه، بس العدد دايما بيغلب الشجاعة، والـ٢٥٠ فارس كلهم اتقتلوا وعلى رأسهم هو توماس كيث،

عشان تنتهي حكايته الصغيرة وهو عنده حاجة وعشرين سنة بس، اللي بدأت من إنه أسكتلندي إنجليزي أحمر مولود بعيد في أوروبا، لحاكم لمدينة الرسول (ص) نفسها، أول وآخر أجنبي يحكمها.

ودي قصة الأسكتلندي توماس كيث الشهير بإبراهيم أغا حاكم المدينة المنورة الأسكتلندي.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد أمير

كاتب ومؤرخ وصانع محتوى

مقالات ذات صلة