“حسين عبد الرسول” ولا “هوارد كارتر” .. من المكتشف
بص يا سيدي، سنة ١٨٧٤م اتولد طفل في مقاطعة كينسينجتون في لندن، الطفل ده أبوه سماه هوارد، عاش هوارد طفولة قاسية من غير أبوين مع عماته اللي عاملوه بطريقة غير آدمية، لحد ما انفصل عنهم وقرر إنه يسيبهم ويسافر على مصر وهو عنده ١٧ سنة بس.
هوارد كارتر يكتشف بقايا آثار للملكة حتشبسوت
جه مصر وعاش وتعلم النقش والرسم سنة ١٨٩١م، ومنها دخل مجال الكشوف الأثرية والترميم وخلافه، وفي وسط ما كان ضمن فريق أثريين بينقبوا في منطقة بني حسن، الفريق اكتشف آثار أمراء الأسرة الوسطى، وحس هوارد إن مكانه مش الترميم والرسم، مكانه إنه يكتشف مقبرة وتبقى باسمه في التاريخ.
في الفترة دي كانت كل المقابر الملكية يا بتبقى منهوبة يا ناقصة، مفيش كشف أثري عظيم اتكشف عنه النقاب لسة وكلها كانت مجرد أحلام وخيالات، الكل بيدور يمكن باب الحظ يتفتح ويلاقوا مقبرة مليانة كنوز، وعليه فضل كارتر يحاول يدور على كشف أثري، وفعلًا نجح إنه يلاقي بقايا آثار للملكة حتشبسوت لكنه مكنش لسة الكشف الكافي ليه ولطموحاته.
اقرأ أيضاً: مصر التي في خاطري
هوارد كارتر يتفرغ للتنقيب
سنة ١٨٩٩م اتعرضت عليه وظيفة في المجلس الأعلى المصري للآثار وقبل بيها، لكن نتيجة خلاف مع حراس المقابر وشوية سياح فرنسيين قرر إنه يستقيل ويبدأ في العمل الحر، وقرر يتفرغ للتنقيب، بس كان ناقصه حاجة واحدة.. التمويل.
لحد سنة ١٩٠٧م محدش كان عايز يصدق حلمه، والممولين بيتهربوا منه وهو مش قادر يقنع حد بتمويل مشروع تنقيبه عن الآثار، لأنه مكنش فيه دليل إنهم ممكن يلاقوا حاجة عدلة من الأساس، يا شوية حجارة يا أوض فاضية، لحد ما تعرف كارتر على “جامع تحف وهاوٍ” على قدر من الثراء اسمه اللورد “كارنافون”، اللي بدوره تحمس لمشروع البحث عن الملك المجهول وقرر إنه يمول المشروع بالكامل.
بدأت الرحلة، من سنة ١٩٠٧م لحد سنة ١٩٢٢م كان هوارد كارتر عمال يصرف في فلوس اللورد كارنافون يمين وشمال، ويحفر هنا وهناك ويسأل الأهالي ويروح وييجي ومفيش فايدة، عمال يكتشف في مقابر فاضية ومسروقة وحاجة مخيبة للآمال، ١٥ سنة كاملين عمال يدور هنا وهناك ويوعد في اللورد إنه هيعوضله فلوسه ومفيش فايدة.
لحد ما حس اللورد كارنافون إنه بيحفر في ميّة وإنه لا هيطول أبيض ولا أسود، وحصلت الخناقة بينه وبين كارتر، وقرر اللورد إنه السنة دي هي آخر سنة هيشتغل معاه في الحوار ده، وقدامه الموسم ده بس، يا يلاقي له حاجة يا مفيش فلوس تاني، ويتشقلب ويرجعله فلوسه بأي شكل، وبيقرر هوارد إنه يكثف البحث لأنه لو رجع وإيديه فاضية هيتحبس، أو على الأقل هيتفضح ويعيش باقي حياته في بؤس، وبشكل بائس وفقدان أمل بيحفر، ومصيره المظلم مرسوم قدامه.
من مكتشف المقبرة الحقيقي؟
يوم 4 نوفمبر سنة 1922م، زي النهاردة من ١٠٠ سنة بالظبط، هوارد كارتر والبعثة والعمال اللي معاه كانوا واقفين قدام مدخل مقبرة “رمسيس السادس”، بيحفروا وقاعدين خلاص مفيش أمل يلاقوا حاجة، وكان معاهم طفل مصري صغير من أهل البلد اسمه “حسين عبد الرسول”، كان طالع معاهم وظيفته إنه شايل زير ميّة بيسقيهم في الطريق، سقّا يعني.
المهم حسين كان وراهم بشوية كدة، سامع أصوات الحفر والعصبية مالية الأجواء ومفيش أمل يلاقوا ربع مومياء حتى، نزل حسين من القافلة وراهم وقرر إنه ينزّل الزير عشان يثبته في الأرض ويرحم وجع كتفه شوية، ومسك العصاية بتاعته عشان يحفر حفرة صغيرة يحط فيها زير الميّة ويثبتها في الأرض.
وهوا بيحفر وبيلعب بعصايته كدة لقى حجر بيظهر ملامحه تحت العصاية، ولأن حسين من عيلة “عبد الرسول” وشاربين الصنعة وعارف إن الحجر ده غالبًا بيبقى الحجر اللي في أول كل مقبرة فرعونية، فساب الزير والعصاية وجري بسرعة على الخواجة هوارد، الخواجة اللي كان مشغول مع البعثة لقى حسين الطفل ده متحمس أوي وبينادي عليه، فبصله كدة وسأله عايز إيه يا حبيبي؟ حسين قاله إنه شكله كدة لقى مقبرة وتعالى بص!
هوارد جري ناحية الزير ومعاه البعثة وكانت المفاجأة، مدخل مقبرة جديدة وواضح إنها متبرشمة، مفيش حد لا قديم ولا جديد قرب منها!
الطفل حسين عبد الرسول المكتشف الحقيقي لمقبرة توت عنخ آمون
بعت هوارد للورد كارنافون في لندن إنه ييجي بسرعة عشان شكلهم لقوا مقبرة حلوة ولازم يحضر فورًا، يوم ٢٢ نوفمبر وصل اللورد كارنافون وكان العمال نضفوا مدخل المقبرة ووصلوا للمدخل ودخلوا المقبرة مع بعض، وكانت النتيجة هي أكبر وأحسن مقبرة تم اكتشافها في التاريخ المعاصر، الوحيدة من نوعها اللي كانت كاملة بكل حاجة فيها مفيش إيد نبّاش قربتلها.
مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون، لمكتشفها الحقيقي الطفل “حسين”، مش هوارد كارتر اللي نسب الكشف كله لنفسه، إنما الطفل حسين، اللي بدوره وبسبب الكشف ده كان بيحظى باحترام كبير وسط البعثة اللي عارفة دوره الحقيقي في عملية البحث، ومن فرحة هوارد كارتر بالكشف اللي خلاه أشهر عالم آثار في العالم، دخل المقبرة وأخد عُقد الملك توت عنخ آمون الذهبي المشهور ولبّسه لحسين وأمر مصوّر البعثة إنه يصوره بيه تذكار، وكتب عنه كارتر نفسه في مذكراته تحت اسمه the water boy، وشكرًا.
الصورة دي لحد النهاردة بتفتخر بيها عيلته، وكانت فاتحة خير على حسين عبد الرسول، اللي عاش حياته كلها ميشتغلش وبياخد فلوس من السياح الوافدين على المنطقة على حس الصورة والقصة دي، أو أي حد من المهتمين بالبحث ورا القصة، واللي كانوا بيسعوا إنهم يقابلوه لحد آخر يوم في حياته.
اقرأ أيضاً: تزوير التاريخ لا يكون فقط في كتب التاريخ
هل هوارد كارتر أثري ولا مجرد حرامي؟
الحقيقة إن هوارد كارتر مجرد إنسان طموح باحث عن كنوز لأغراض شخصية بحتة، لا هو عالم أثري ولا غيره، وكان ناوي يحتفظ بنص المقبرة لنفسه لكن حظه السيئ إنه اكتشف المقبرة دي في فترة كان الوضع المصري فيها مشتعل، ثورة ١٩١٩ كانت قامت وخلصت ومصر بقى ليها السيادة، والسلطان فؤاد بقى ملك له سيادة في مصر، وحزب الوفد ليه زعيم اسمه “سعد زغلول”.
قبل التاريخ ده كان العادي إن المنقب عن الآثار يقسّم الكشف بينه وبين الحكومة المصرية، يعني هوارد كان هياخد نص المقبرة لحسابه الشخصي وكان هيبقى من أغنى أغنياء العالم، وعلى أثر الموضوع ده فهوارد كارتر “على حكم العادة” قفل المقبرة وبدأ يحصر القطع الأثرية وشكرًا بقى ناخد اللي ناخده، ونسيب الفتافيت للمصريين، زي أي إنجليزي في عصر الاستعمار.
لكن سنة ١٩٢٤م وبعد سقوط الدولة العثمانية واستقلال مصر الرسمي والبحث عن الهوية الفرعونية وأحقية إدارة الآثار، خرج سعد زغلول ومعاه أحمد لطفي السيد ومرقص حنّا في فندق سميراميس، وطلع سعد باشا زغلول في خطاب حماسي للأمّة وأعلن فيه إن مصر بترفض قفل المقبرة وبترفض خروج آثارها برة مصر، وإن هوارد كارتر ملوش إنه يطلع حتة واحدة برة القطر المصري.
كيف مات هوارد كارتر؟
تحولت قضية مقبرة توت عنخ آمون من مجرد مقبرة أثرية لقضية سياسية باحثة عن هوية وسيادة مصرية خالصة، لدرجة خروج شعارات وصحف بتصور سعد زغلول أيقونة وحواليه نقوش فرعونية رمزًا للهوية المصرية وقتها، ومعاه محمد حسين هيكل ومحمد زكي عبد القادر في جريدة السياسة الأسبوعية.
مع كل الضغط ده، الحكومة المصرية لغت التصريح اللي كان أخده هوارد كارتر من مصر باسم مراته “إلمينا”، ووجوده في مصر بقى غير مرغوب فيه واتمنع من مباشرة أعماله، حاول كارتر إنه يثير القنصلية الإنجليزية ضد سعد زغلول، وإن الحكومة سرقت جهده ومدتلوش حاجة، وحتى مع الحملة الصحفية الإنجليزية وقتها اللي هاجمت الزعيم إلا إنه فشل في النهاية إنه يكسب الحق ده.
مع إن هوارد كارتر تعامل مع الآثار بإهمال، وكان السبب في سوء حالة المومياء وتقطيعها، وعلى الرغم إن هوارد كارتر رجع للمقبرة بشكل صوري لمدة ٧ سنين وظيفته إحصاء القطع الأثرية، فالمقبرة اتقفلت نهائيًا على الإنجليز سنة ١٩٣٢م في انتصار كبير لمصر وقتها، ورجع هوارد كارتر لبريطانيا بعد ما قرر التقاعد عن التنقيب، واشتغل وكيل للمتاحف ومقتني التحف والآثار، وأصابه الاكتئاب وقعد يندب حظه ومات بسرطان الغدد الليمفاوية بعد ٧ سنين بس من رجوعه سنة ١٩٣٩م.
هوارد كارتر سرق من كنوز مقبرة توت عتخ آمون
بس قبل ما يسيب مصر، وقبل الافتتاح الرسمي للمقبرة أصلا، فتح هوارد باب المقبرة في السر، ولم اللي قدر يلمه وأخفاهم قبل الإحصاء الرسمي، منهم مجوهرات قلادة توت عنخ آمون، و١٩ قطعة راحوا لمتحف متروبوليتان الأمريكي في الأربعينات، ومجموعة من التمائم الخاصة بالملك، وأختام وتماثيل صغيرة انتشرت في متاحف العالم بعد كدة، وهو نفسه اتقفش مرة بتمثال نصفي لتوت عنخ آمون وقت الجرد، كان مخبيه في صندوق “نبيذ” وأنكر صلته وقتها بيه.
خلاصة الرغي ده كله في ٣ نقاط..
- هوارد كارتر حرامي مش عالم آثار.
- مكتشف المقبرة الحقيقي هو الحاج حسين عبد الرسول.
- بطل القصة دي كلها هم مثقفي ثورة ١٩١٩، على رأسهم الزعيم سعد زغلول.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا