العقل ومدارس الفلسفة الإسلامية – الجزء الثالث عشر
المدرسة المشَّائية: (11) ابن سينا: الشيخ الرئيس وكتابه الشفاء
فلسفة الوجود السينوية: (1) المقدمة
تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشات السابقة (ج 7، ج 8، ج 9، ج 10، ج 11، ج 12) عن المعلم الثاني وفيلسوف المسلمين: الفارابي. ولأننا لا نقرأ مدارس الفلسفة الإسلامية الخمس باعتبارها تاريخًا مضى وانقضى، بل لوصل ما انقطع منها، فقد انتهتْ قراءتُنا التأويليةُ للفارابي إلى وجوب الانطلاق منه باعتباره الفيلسوف الذي يجب أن نبدأ من عنده تطوير الفكر الفلسفي العربي المعاصر: الباحث عن دولة العقل والعدل والسعادة، لنصل تفكيرَنا الفلسفيَ المعاصر بتراثنا، ولنتجه نحو بناء منظومتنا الفكرية العالمية الخاصة بنا.
لنبدأ –في هذه الدردشة– بالنموذج الثالث لفلاسفة المدرسة المشَّائية في المشرق العربي: الشيخ الرئيس ابن سينا، لننظر –في نهايةِ رحلتِنا الفكريةِ التأويليةِ معه– ماذا يمكن أن نأخذ منه، وما يصلح أنْ نؤسسَ عليه من أفكارهِ وفلسفته في الوجود.
ابن سينا والإلهيات من كتابه “الشفاء”
ابن سينا أبو علي الحسين بن عبد الله (370 هــ/980م– 427ه/1027م). المعروف في الغرب اللاتيني بأفيسين (Avicenne)، وأهم كتبه: “الشفاء – قسم الإلهيات في مجلدين: الإلهيات (1) راجعه وقدم له الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، تحقيق الأستاذين، الأب قنواتي وسعيد زايد، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1960م. الإلهيات (2) راجعه وقدم له الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، تحقيق الأساتذة، محمد يوسف موسى، سليمان دنيا، سعيد زايد، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1960م.
إن أوسع نتاج في الفكر الفلسفي في الإسلام نتاج ابن سينا، وإن أكبر موسوعة في هذا النتاج كتاب الشفاء: الدُّرة المشائية الفذة، أطول موسوعة كتبها إنسان بمفرده، وذات التأثير الهائل في المشرق والمغرب الإسلامي، وفي العالم اللاتيني الغربي، ولا يزال هذا العمل مؤثرًا حتى اليوم. وقد اختصر ابن سينا هذه الموسوعة في كتابه “النجاة”.
سوف أتناول فقط “موضوعات مختارة”، من قسم الإلهيات من هذه الموسوعة، والتي تضمنت أربعةَ أقسام: المنطق، الرياضيات، الطبيعيات، الإلهيات.
الموضوع الأول للفلسفة: علم ما قبل الطبيعة: فلسفة الوجود
يعرّف ابن سينا العلمَ الإلهي بأنه علم الوجود المطلق وأحواله، أي “الوجود بما هو موجود”. ويُؤْثرُ تسميتَه بعلم “ما قبل الطبيعة”، لا “ما بعد الطبيعة”، كما عُرف بعد أرسطو. أي أننا نبدأ دراستنا من وجود الله واجب الوجود، قبل أن نبدأ من وجود الطبيعة والعالم. يقول ابن سينا: “وأما الذي يستحق أن يسمى به هذا العلم إذا اعتبر بذاته، فهو أن يقال له علمُ “ما قبل الطبيعة”، لأن المعرفة بالله تعالى هي غاية هذا العلم، وهو العلم بأول الأمور في الوجود، وهو العلة الأولى، وأول الأمور في العموم، وهو الوجود والوحدة. وهو أيضًا الحكمة التي هي أفضل علم بأفضل معلوم، فإنها أفضل علم، أي اليقين، بأفضل معلوم، أي بالله تعالى وبالأسباب من بعده”.
منظومة فلسفة الوجود السينوية من كتابه “الشفاء”
إنَّ مهمةَ الفلسفةِ الرئيسة عند ابن سينا معرفةُ الوجود، ومرتبة كل موجود فيه، وكذلك معرفة “مبادئ الموجودات”، فيقول: “نثبتُ المبدأَ الأولَ وأنه واحدٌ حقٌ في غاية الجلالة، وكيف يعلم كلَ شيءٍ، وكيف هو قادرٌ على كل شيء، وأنه جوادٌ، وأنه سلامٌ، أي خيرٌ محض، معشوق لذاته، وهو اللذيذ الحق، وعنده الجمال الحق، ونَفْسَخُ (نبطل) ما قِيلَ وظُنَّ فيه من الآراء المضادة للحق، (فلسفة الوجود: الواجب الوجود والممكن الوجود).
ثم نبين كيف نسبته إلى الموجودات عنه، وما أول الأشياء التي توجد عنه، ثم كيف تترتبُ عنه الموجوداتُ مبتدئةً من الجواهر الملكية العقلية، ثم الجواهر الملكية النفسانية، ثم الجواهر الفلكية السماوية، ثم عدة العناصر ثم المكونات عنها. ثم الإنسان وكيف تعود إليه هذه الأشياء، وكيف هو مبدأ لها فاعل، وكيف هو مبدأ لها كمالي (وجود العالم: نظرية الفيض)، وماذا تكون حال النفس الإنسانية إذا تنقطع العلاقةُ بينها وبين الطبيعة، وأي مرتبة تكون مرتبة وجودها (وجود النفس: لا ماديتها وخلودها).
ندلُ فيما بين ذلك على جلالة قدر النبوة، ووجوب طاعتها، وأنها واجبةٌ من عند الله (وجود النبوة)، وعلى الأخلاق والأعمال التي تحتاج إليها النفوس الإنسانية، مع الحكمة في أن يكون لها السعادة الأخروية (الأخلاق والعبادات في الوجود). ونعرفُ أصنافَ السعادات (وجود المعاد). فإذا بلغنا هذا المبلغ ختمنا كتابَنا هذا (كتاب الشفاء)، والله المستعان به على ذلك”.
وعليه، يمكننا مقاربةَ الرؤيةِ الفلسفيةِ السينوية إلى الوجود، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: فلسفة الوجود:
- الوجود والماهية.
- الواجب الوجود والممكن الوجود.
- خواص الواجب الوجود.
- خواص الممكن الوجود.
- وجود العالم: نظرية الفيض.
- وجود العناية الإلهية في العالم.
- وجود الشر في العالم.
ثانيًا: وجود النفس: لا ماديتها وخلودها:
- علم النفس الفلسفي.
- لا مادية النفس وخلودها.
- خلود النفس.
- تطهير النفس.
ثالثًا: وجود النبوة: إثباتها ودورها الحضاري:
- إثبات النبوة.
- مكانة النبي في درجات الوجود.
- ضرورة الاجتماع المدني.
- النبوة ضرورة مدنية.
- ما يبلّغه النبي وكيفية دعوته إلى الله تعالى.
- مراعاة النبي لأحوال الناس في الدعوة إلى الله تعالى.
- الفارق بين النبي والحكيم الفيلسوف.
رابعًا: وجود المعاد: البعث الجسماني والروحاني:
- المعاد الجسماني.
- المعاد الروحاني.
- مراتب سعادة النفس.
- مصير النفوس.
- العقوبات السماوية.
خامسًا: العبادات والأخلاق في الوجود:
- الدعوات المستجابة.
- العبادات ومنفعتها في الدنيا والآخرة.
- العبادات مدخلًا إلى التذكير المستمر بالمعاد.
- العبادات للعامة والخاصة معًا.
- الأخلاق المدنية والفردية.
ثم نختتم رحلتنا التأويلية مع الشيخ الرئيس بخاتمة: خلاصة تأويلية عامة لفلسفة الوجود السينوية.
في كلٍ من المحاور السابقة سأبذل وُسْعي –صديقي القارئ صديقتي القارئة– لتقرأَ معي لغةَ ابن سينا نفسها مبسطةً واضحةً.
في الدردشة القادمة –بإذن الله– نبدأ رحلتنا التأويلية مع فلسفة الوجود السينوية: فلسفة الوجود: الإلهيات.
مقالات ذات صلة:
الجزء الأول من المقال، الجزء الثاني من المقال، الجزء الثالث من المقال
الجزء الرابع من المقال، الجزء الخامس من المقال، الجزء السادس من المقال
الجزء السابع من المقال، الجزء الثامن من المقال، الجزء التاسع من المقال
الجزء العاشر من المقال، الجزء الحادي عشر، الجزء الثاني عشر من المقال
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا