الدورة الثالثة لمعجل سيرن واكتشاف 3 جسيمات ذرية جديدة على علم الفيزياء!
يوم 5 يوليو اللي فات، بدأ مفاعل سيرن التصادمي الهائل عمله من جديد رسميًا، بعد توقف دام أكتر من 3 سنين قضاها في الصيانة والتطوير، وبدأت معاه واحدة من أكبر وأضخم التجارب الفيزيائية في التاريخ البشري المعاصر، تجربة هدفها الأكبر هو البحث عن أكبر أسرار الفيزياء الحديثة، وأعظم لغز غامض بيواجهنا لحد وقتنا هذا.
مباشرة بعد ما بدأ سيرن عمله من جديد، طلع أول بيان صحفي من الفريق العلمي للمعجل، بيقول أنهم اكتشفوا 3 جسيمات ذرية جديدة، وغير معروفة، وطلع بعديها ناس تانيين بيقولوا إن المفاعل ده خطير وإنه هيكون سبب في نهاية الأرض كلها كما نعرفها!
بس عشان منتوهش من بعض، هات كوباية شايك الحلوة ونعناعك في إيدك، وتعالى نفهم القصة كلها من البداية، ونعرف إيه هو معجل سيرن ده، وإيه اللي اكتشفوه بالظبط، وليه في ناس بيقولوا إنه هيتسبب في دمار العالم.
ما هو حقل هيغز؟
بص يا سيدي من تقريبًا 50 سنة كده أو أكتر شوية، كان في عالم بريطاني مشهور اسمه بيتر هيجز (Peter Higgs)، العالم ده كان بيبحث في موضوع مهم، وكان بيسأل إزاي الأجسام اللي بنشوفها في الكون دي، سواء أنت أو أنا أو الكوكب كله، بنكتسب الكتلة بتاعتنا، يعني إيه التأثير الذري المسؤول عن إنه يكسبنا الكتلة بتاعتنا، واللي بيحدد الثقل بتاعنا مقارنة بالأجسام التانية؟
السؤال كان مهم وغامض ومحدش لاقيله تفسير، لحد ما افترض بيتر هيجز بمساعدة صديقه البروفيسور فرانسوا إنجلير (François Englert) إن في حقل وهمي غير مرئي موجود في كل حتة من الكون بأكمله، بدأ بعد جزء من مليارات الأجزاء من الثانية، اسمه حقل هيجز (Higgs Field)، والحقل الافتراضي ده بتسبح فيه كل الأجسام الموجودة في الكون كله، من أصغر ذرة لحد أكبر مجرة.
من خلال تفاعل الأجسام اللي موجودة في الكون مع الحقل غير المرئي ده، بتتولد الكتلة بتاعتهم، لو التفاعل مع الحقل كان كبير شوية، بيكون الكتلة كبيرة، وهكذا، والجسيم الذري الافتراضي اللي كان مسؤول عن نقل قوة التفاعلات دي ما بين الأجسام سموه بوزون هيجز (Higgs Particle).
متى تم اكتشاف بوزون هيغز؟
لمدة أكتر من 50 سنة بعدها محدش كان يحلم حتى إنه يرصد الجسيم الذري الصغير جدًا ده، عشان يأكد النظرية بتاعت بيتر هيجز، وده لإن الجسيم صغير جدًا وتفاعلاته بتحصل عند مقدار من الطاقة مستحيل الوصول له بمقاييس العصر وقتها.
عشان كده كانوا بيسموا الجسيم ده باسم أسطوري وملهم، العالم كله كان يعرفه بيه، الاسم ده هو جسيم الرب (The God Particle).
طوال سنين طويلة جدًا اتعملت تجارب كتير عشان تثبت وجود الجسيم وترصده، بس كلها فشلت ومقدرتش توصل لحاجة، لحد ما من تقريبًا 10 سنين كده، جه مُعَجِّل سيرن التصادمي الهائل أو الـ(LHC) زي ما بيسموه، ومع بداية عمل الدورة الأولى من التجارب والتصادمات فيه اكتشف أخيرًا بوزون هيجز ورصده، وكان ده بمثابة أهم وأكبر اكتشاف فيزيائي في العقد الأخير، وطبعًا فاز بيتر هيجز بجايزة نوبل بعدها، والعالم كله اتقلب حرفيًا على الحدث الأسطوري اللي حصل وقتها.
تشغيل مفاعل سيرن
كل ده يا صديقي حصل في أول دورة للمفاعل بتاع سيرن، واللي هي كانت شغالة بأقل طاقة له، وبعدها المفاعل توقف عمله لفترة واتعمله صيانات، واشتغل مرة تانية بطاقة أكبر شوية، وفي سنة 2018 قدر يلقي نظرة جديدة وغير مسبوقة على شكل التشكيلات بتاعت البروتونات (Structures of protons)، وإزاي بوزون هيجز بيتفاعل معاها وبينهار وبيتحلل بعد التفاعلات دي.
ساعتها كان كشف هائل بردو ونال حفاوة علمية كبيرة، بس كل ده كان يعتبر ولا حاجة بالنسبة للي جاي، عشان كل اللي هما عملوه ده كان يعتبر تقريبًا 10% فقط من إجمالي الداتا أو المعلومات اللي المفروض هيحصل عليها المفاعل.
لما جت سنة 2019، خلصت الدورة التانية وتم إيقاف عمل المفاعل مرة تانية، وبدأت تتعمل عليه تطويرات وإصلاحات وصيانات عشان تزيد كفاءته ومقدار الطاقة اللي بيقدر يستعملها ويرصدها، لحد ما النهارده أخيرًا تم بدء الدورة الثالثة من عمله، وتم تشغيله مرة تالتة، بطاقة مقدارها أكتر من 13.6 تيرا إلكترون فولت أو (TeV)، ولو أنت مش مدرك مدى ضخامة الطاقة دي، فيكفي إني أقولك إنها أضخم من الدورتين اللي فاتوا مع بعض!
ده غير إنه متوقع في الدورة دي إن المستشعرات بتاعت المفاعل اللي اسمهم (ATLAS) و(CMS)، هيقدروا يرصدوا قدر من التفاعلات الذرية أكتر من إجمالي قدر التفاعلات اللي تم رصدها في المرتين اللي فاتوا معًا، وغير ده، مقدار المعلومات اللي هيتم جمعها هيكون أزيد بأكتر من 10 أضعاف المرتين اللي فاتوا!
هل اقترب العلماء من حل لغز المادة المظلمة؟
كل ده بقى جزء كبير منه موجه ناحية اكتشاف إيه؟! بالضبط زي ما أنت خمنت، أكبر لغز من ألغاز الفيزياء الحديثة، واللي لسه لحد النهارده مفيش عالم قدر يفهمه أو يكشفه، المادة المظلمة أو الـ(Dark Matter).
دي –لو أنت متعرفهاش– هي نوع من المادة الخفية وغير المرئية بالنسبة لينا، برغم إنها بيتكون منها أكتر من 27% من حجم الكون بالكامل!! ده غير كمان الطاقة المظلمة (Dark Energy) اللي بيتكون منها أكتر من 68% من إجمالي حجم الكون!
يعني كل الكون اللي إحنا نعرفه وبنشوفه بعيوننا، بكل النجوم والكواكب والمجرات والثقوب السوداء اللي فيه، هو مش أكتر من مجرد 5% فقط من إجمالي اللي موجود فعلًا!! ومحدش قادر يرصد المادة والطاقة الخفية الغامضة دي لحد دلوقتي، بقالنا عقود طويلة من الزمن، وهو ده بالضبط هدف سيرن المرة دي!
اقرأ أيضاً: محرك MEGA الفضائي
اقرأ أيضاً: علماء الفيزياء يصنعون المادة من حق جديد
اكتشاف ثلاث جسيمات جديدة من مسرع الجسيمات سيرن
المبهر بقى إن يوم 6 يوليو، يعني بعد يوم واحد بس من بداية رجوع سيرن للعمل، الفريق العلمي بتاعه عملوا مؤتمر صحفي كبير، وأعلنوا فيه عن اكتشافهم لـ3 جسيمات ذرية جديدة أول مرة يتم رصدها في تاريخ الفيزياء الجسيمية.
الجسيمات الجديدة دي هي أنواع مختلفة من الكواركات (Quarks)، اللي هي في الأساس عبارة عن جسيمات أولية بيتكون منها جسيمات أكبر منها اسمها الهيدرونات (Hadrons)، الهيدرونات دي اللي هي منها البروتونات والنيوترونات وهكذا.
الكواركات عمومًا بتبقى متكونة من حاجة اسمها النكهات (Flavours)، والنكهات دي عددها ستة، وهما بالترتيب (up – down – charm – strange – top- bottom).
“النكهات” دي بقى بتتجمع مع بعضها في مجموعات من نكهتين أو تلاتة بالكتير عشان تكون “الكواركات”، وده الطبيعي والموجود في كل الكواركات اللي في الكون كله، بس الجديد بقى إن الجسيمات الجديدة اللي اكتشفوها دي بقى هي نوع من الكواركات اسمه (Pentaquark) ونوعين اسمهم (Tetraquarks)، ودول لقوهم متكونين من مجموعات من 4 و5 كواركات كاملين!
حاجة جديدة تمامًا على علم الفيزياء الجسيمية (Particle Phyiscs) كله، ولسه محدش كان قادر يرصدها بشكل مباشر، من ساعة ما تم افتراض وجودها من أكتر من 60 سنة فاتوا! وأول مرة يتم رصدها ورؤية دلائل على وجودها بالشكل ده، كانت بسبب مشروع سيرن!
نتائج تجربة مشروع سيرن
برغم إن دي مش أول مرة يشوف فيها المعجل الأنواع دي من الكواركات، إلا إنها المرة الأولى اللي تكون فيها الكواركات الغريبة دي متكونة من مجموعات غير مألوفة من النكهات، مختلفة عن الطبيعي اللي كان بيتشاف قبل كده.
اكتشاف وجود الجسيمات دي أخيرًا هيساعدنا على تصميم موديل أو نموذج لكيفية تكون الجسيمات الأولية دي، وطريقة تكوينها، وده مع الوقت هيساعد في تطوير علم فيزياء الجسيمات كله بشكل لا تتخيله، وهيدينا القدرة على تصميم ابتكارات تكنولوجية جديدة مختلفة عن كل اللي كنا نعرفه قبل كده.
كل علماء وخبراء الفيزياء في العالم كله حاليًا بيتفرجوا على التجارب والنتايج المبهرة دي، وهما متحمسين وحاطين إيديهم على قلوبهم، عشان لو قدر المفاعل يوصل لهدفه للمرة التالتة على التوالي، فهو المرة دي هيكون حرفيًا صنع تاريخ الفيزياء بالكامل، وفتح قدامنا الباب لفروع كاملة جديدة من دراسات الكون، مفيش بشري في التاريخ قدر يفترضها أو يثبت وجودها لحد اللحظة اللي أنت بتقرأ فيها السطور دي.
اقرأ أيضاً: أول صورة حقيقية للمادة المظلمة
تعرف على: المعرفة الحدسية المباشرة:
خطورة مفاعل سيرن
بس المشكلة بقى، واللي ناس كتير جدًا بتقوله وبتروجله دلوقتي في مواقع صحفية وإخبارية وأماكن كتير، هو إنه مع بداية عمله ده، والطاقة الهائلة اللي هيشتغل بيها المرة دي، فهو على وشك صنع فجوات حقيقية في الواقع نفسه، هتغير شكل العالم والتاريخ نفسه، زي ما حصل قبل كده وكان –حسب كلامهم– بداية ما يعرف باسم تأثير مانديلا (The Mandela Effect).
ده باختصار عبارة عن ظاهرة غريبة بتخليك تفتكر ذكريات كتير وتبقى متأكد إنك شفتها وعشتها، برغم إنها محصلتش في الواقع أصلًا، والأمثلة على ده كتيرة، وأشهرها هو كمية الناس اللي كانوا فاكرين الزعيم الجنوب الإفريقي العظيم نيلسون مانديلا مات في السجن في التمانينات، وإنهم شافوا جنازته، برغم إنه في الواقع مات سنة 2013.
ناس كتير بيقولوا إنهم عندهم ذكريات لأشياء كتير شافوها ومتأكدين إنها حصلت لهم، برغم إنها في الواقع مش حقيقية، وبيقولوا في واحد من تفسيراتهم للظاهرة العجيبة دي إن مفاعل سيرن التصادمي الهائل كان هو السبب في حدوثها، لإنه مع بداية عمله بالطاقة الهائلة اللي بيولدها من التصادمات الذرية العنيفة اللي بتحصل جواه، قدر يخلق فجوة ما بين العوالم والأبعاد والأكوان الموازية لينا، ومن خلال الفجوة دي تسربت لينا ذكريات وأحداث أخرى، وتاريخ كامل جديد وغير معروف لينا، واحتل مكان التاريخ اللي إحنا كنا نعرفه في عالمنا الحقيقي!
مفاعل سيرن ورحلة البحث عن أسرار الكون
طبعًا كل دي افتراضات وليست أكثر من مجرد قصص خيالية شوية، وبالتأكيد مش حقيقية وإلا كان شكل العالم اللي إحنا عايشين فيه دلوقتي غريب للغاية، بس تخيل بقى الناس المؤمنين بنظرية المؤامرة دي، هيقولوا إيه على الدورة الجديدة اللي بدأها سيرن المرة دي؟ دورة هيكون مقدار الطاقة اللي هيتم توليدها فيه أكبر بأضعاف كثيرة من طاقة الدورتين اللي قبل كده مجتمعتين، أكيد الموضوع بالنسبة لهم هيكون مخيف ومرعب.
ناس بتقولك إنهم هيتسببوا في توليد ثقب أسود ميكروسكوبي صغير هيكون السبب في بداية فناء عالمنا، وناس تانية بتقول إنهم هيفتحوا بوابات بين الأبعاد، وهيجلبوا لعالمنا كائنات أخرى شيطانية فوق مستوى الاستيعاب والتصور.
بس بغض النظر عن كل الأقاويل والنظريات دي، المثير فعلًا هو إن سيرن المرة دي على وشك كشف وفتح جديد في الفيزياء، هيكون أكبر وأغرب من أي حاجة شفناها أو عرفناها قبل كده، وهيثبتلنا إن مسيرة التطور العلمي والطموح البشري مفيش فيها شيء نهائي أو مؤكد.
الشيء الوحيد المؤكد هو إننا عايشين في عصر مذهل فعلًا، ومش مدركين قد إيه إحنا محظوظين إننا بنشهد كل الكشوفات العلمية المبهرة دي وهي بتحصل في حياتنا، وفي وقت وجودنا على الكوكب.
مصادر
https://home.cern/news/news/physics/lhc-run-3-physics-record-energy-starts-tomorrow
https://www.ukri.org/news/large-hadron-collider-takes-first-data-in-record-breaking-run/
https://science.nasa.gov/astrophysics/focus-areas/what-is-dark-energy
https://home.cern/news/news/physics/lhcb-discovers-three-new-exotic-particles
https://phys.org/news/2022-07-cern-touts-discovery-exotic-particles.html
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*********
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا