رياضة - مقالاتفن وأدب - مقالاتمقالات

ميسي ورونالدو

واحدة من ضمن التجارُب اللي محظوظين إننا عشناها بشكل مُباشر، ملحمة “الموهبة ضد الاجتهاد”، اللي قدمتها لينا ثُنائية “ميسي – رونالدو” طوال الـ15 سنة اللي فاتوا، وانتهاءها أخيرًا بانتـصار “الموهبة” الخام ضد الاجتـهاد.

أنطونيو سالييري

زمان أيام صعود “موزارت” سنوات 1765 وما تلاها في أوروبا وفي العصر ده، كان الموسيقيين يُعتبروا أهم وأقيم فئة فنية في المجتمعات، والصراع ما بينهم كان لإثبات الأفضلية.

أشهر فنان في عصره كان “أنطونيو سالييري”، اللي في الأصل كان “راهب” ومُنعزل تمامًا لأجل الفن، مولع بالفنون، مجنون بالتفاصيل في الموسيقى، بيدرس كل أشكال الموسيقى والعزف على الآلات، ومشهور جدًا وسط الطبقات الراقية.

لبق، حسن الطلة، ويُجيد التعامل مع الملوك والأمراء، ومقرب جدًا للسُلطة والحُكم، يعني “مقفل” اللعبة.

تقريبًا كان بينافس الموسيقي العبقري اللي سبقه بقرن كامل من الزمان “Gregorio Allegri” على استحقاق مين الأعظم فيهم، خصوصًا إن “أليجري” ليه مقطوعة تُعتبر “مُقدسة” عند الكنيسة الكاثوليكية في روما، قدمها للكنيسة سنة 1620، اسمها “يارب، لتشملني رحمتك”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

معزوفة أليجري

الكنيسة في الفترة دي كانت بتشوف إن الموسيقى اللي من النوع ده تعبير فني عن الروحانية الدينية اللي بتُسقطها المسيحية في النفوس.

قصة المعزوفة دي إن بعد ما سمعها الكهنة في الكنيسة، حسّوا بروحانيّة رهيبة، وقالوا إن “الملائكة” نزلت على “أليجري” وهو بيكتبها، فعلًا لما تسمعها هتحس بروحانية شديدة وهترتقي بروحك بشكل كبير.

قرروا إنهم يحفظوها على إنها سر من أسرار الكنيسة، ومحدش يسمعها غير في الكنيسة لأنها مُهداة من الملائكة، ولسنين طويلة فضلت تُعزَف مرتين بس في السنة للعوام في حفل مهيب، لحد سنة 1660 أو بعدها بكام سنة.

كانت صعبة جدًا وتقريبًا كان مُستحيل على حد يكتب زيّها، وتُعتبر المعزوفة الأعظم للكنيسة آنذاك.

العبقري موزارت

ميسي ورونالدوأثناء الصراع المُحتدم ما بين “أليجري” و”سالييري” مين الأعظم تاريخيًا، ولد ماشي مع والدته بيدخُل الكنيسة في اليوم المُحدد لعزف المقطوعة وسط آلاف الحاضرين، ويسمع المعزوفة دي مرة واحدة يوم العرض.

أول لما وصل البيت، من شدة إعجابه بيها، دون اللي سمعه ده على شكل “نوتة” موسيقية عادي جدًا، وعزفها في البيت وطلعت صح، بكُل بساطـة!

عزفها قُصاد الناس، فاندهشوا من عبقريته، الولد قدر يحل المعزوفة ويبنيها تاني ويعزفها بكُل سهولة، كأنه كسر شيفرة “أليجري” المُقدسة.

بدأت الناس تسمعه، وناس تانية تسمع عنه.

لحد ما يوم طلب الملك يقابل الولد اللي بيألف مقطوعات موسيقية غاية في الروعة، وكمان تغلب على “أليجري”، ده أكيد رجُل يعني ليه هيبة كده، أو كاريزما في نفسه.

موزارت أحد عظماء الموسيقى في التاريخ

من ضمن الوفد اللي كان واقف في استقبال العازف العظيم “موزارت”، الموسيقي الأهم في إيطاليا وقتها “سالييري” اللي كان مُشتاق عشان يشوف مين “موزارت” ده، ومع وصوله للقصر محدش كان مصدق إن القصير اللي واقف قُدامهم ده هو “موزارت” بنفسه.

شكله عادي، كلامه ومشيته عاديين، وطريقته وحياته عاديين جدًا، بس شكله ومظهـره أقل من العادي كمان، لدرجة أنك أول ما تشوفه تقول ده شخص بسيط ميقدرش يقدم أي شيء سوى أنه يستجلب الشفقة.

ضحكته فيها شيء غلط، تحسه تافه جدًا أول ما تشوفه، وفوق كُل ده سنه صغير.

كانت الصدمة على وجوه الكُل، حاول “سالييري” أنه يستخف بيه قُصاد الحاشية والحكومة ويقنعهم إن فيه حاجة غلط.

الولد التافه ده مش قد المسؤولية ومينفعش يقدم العرض الملكي.

موزارت وسالييري

ميسي ورونالدو

الحقيقة إن “سالييري” فضل سنين يحارب ويحاول يطور من نفسه عشان يتغلب على “موزارت”، اللي كان بالـlife style بتاعه مبهدل نفسه واللي حواليه.

علاقات غير مشروعة كتير جدًا، بيشرب الخمر بشكل هستيري، وطول الوقت متأخر ومش مُلتزم تمامًا، وكُل المُجتمع كان ضده في النهاية وانقلبوا عليه بسبب رعونته.

إلا واحد بس اللي كان مُدرك إنه شخص عظيم رغم كُل اللي بيحصل، وفي الأخير انحنى قُدامه واعترف له بمدى عظمـته وموهبته.. سالييري.

قوة الموهبة الفطرية

سالييري أدرك أن الموهبة الفطرية مفيش أي تدريب أو تعليم يقدر يتغلب عليها، وأنها شيء صعب على أي حد إدراكه، والتكيف معاه.

صراع “سالييري” و”موزارت” استمر سنين على المسارح وتقديم المقطوعات الموسيقية اللي تظل خالدة.

لكن الأكثر بقاء فضلت مقطوعات “موزارت” والفن اللي قدمه، وسيرة حياته اللي كانت رغم فساده الاجتماعي مليانة أحداث مُلهمة وناس مُهمة في تاريخ أوروبا لحد اليوم.

الموهبة الفطرية دومًا غالبـة، وده بالظبط ختـام اللي إحنا شوفناه على مدار 15 سنة فاتـوا.

لا يختـار الناس أنفُسهم وإنما يُقاومون للتغيير آملين في نفس جديدة، حالمين بمجد أكبر من المُستحق، ولا يُدركون أبدًا، أن المجد لا يبلغـه ساع إليه، وإنما يبلغ المجد للإنسان الساعي.

مقالات ذات صلة:

وهم الموهبة

عدالة الكرة تهز عرش التمييز

العبقرية

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. مصطفى محمود حسن

باحث وكاتب روائي