الملك نخاو الثاني
عارف نخاو الثاني؟ لو متعرفوش، فخليني أحكيلك عن فترة تاريخية من أصعب الفترات في تاريخ الأديان والعالم من حوالينا، وأغربها وأكثرها تعقيدًا، وهي فترة حكم الملك نخاو الثاني من الأسرة 26 المصرية.
ما هو عصر الملك نخاو الثاني؟
سنة 610 قبل الميلاد، الحال مكنش حلو أوي في مصر، كانت خارجة من حكم كوشي وأحوال متدهورة إلى حد ما، وصراع تنافسي بين الممالك من حواليها.
ممالك قديمة بتنهار، وممالك جديدة بتخرج للنور عشان تنافس، ونفوذ مصري بنحاول نحافظ عليه قدر الإمكان.
السنة دي، نخاو الثاني تولى الحكم، خلفًا لأبوه أبسماتيك الأول، ومن أول يوم مسك فيه الحكم قرر إنه عشان يظبط جوة، لازم يسيطر برة.
قرر إنه يتبع سياسة التدخلات الخارجية، عن طريق حروب برة مصر وتحالفات مع ممالك تانية، على رأسها مملكة “آشور” الحديثة وقتها، اللي تحالفت مصر معاها في اتفاقية دفاع مشترك.
في الفترة دي، المملكة الآشورية اللي كانت مسيطرة على بابل وعاصمتها كانت نينوى في العراق، ومصر مسيطرة على الشام، المملكة الآشورية ضعفت.
نبوخذ نصر الثاني ملك بابل
ظهرت شخصية تانية كلدانية هتغير موازين القوى العالمية وقتها، قائد عسكري ابن مؤسس سلالة بابل القوية، القائد الشهير جدًا “نبوخذ نصر الثاني”.
نبوخذ نصر بقى كان محارب مش سهل وغشيم ودموي جدًا، مع توسع نفوذه بدأ يعقد تحالفات ويقوي من شوكته ويتخلص من الاحتلال الآشوري.
عمل تحالف قوي مكون من الكلدان “سلالته” والميديين والسكيثيين وغيرهم، وعمل جيش قوي جدًا حارب بيه الآشوريين.
انتصر عليهم وأخد منهم نينوي سنة 612 ق.م، يعني قبل ما نخاو يبقى ملك بسنتين بس، واضطر الآشوريين إنهم ينقلوا عاصمتهم لمنطقة “حران”.
نبوخذ يسكت؟ لا قام طالع بجيشه على حرّان، وحاصرها لحد ما قدر إنه يسيطر عليها سنة 609 ق.م، وانهزم ملك الآشوريين أوباليط الثاني.
ملقاش قدامه غير إنه يهرب ويتحصن في أقرب نقطة محصنة خاضعة للمملكة المصرية وقتها، “كركميش” مدينة على نهر الفرات وتحت النفوذ المصري.
اقرأ أيضاً: لعنة كاساندرا
معركة مجدو
هناك بعت لنخاو التاني يستنجد بيه إنه يعاونه على الحرب دي كحليف ليه، ونخاو مكدبش خبر، جهز جيشه وأسلحته وبدأ يتحرك ناحية كركميش.
في الفترة دي كان فيه مملكة دينية صغيرة كده –عليها لحد النهاردة كلام وتساؤلات– اسمها يهوذا، هيا مكانتش بالحجم اللي بيروجوا ليه.
إنما كانت مملكة صغيرة منفصلة عبارة عن قرى بس بتسيطر على القدس، والملك بتاعها كان اسمه “يوشيا”، من سلالة الملك داوود والملك سليمان، وليه إصلاحات –ننسبها للعهد القديم مش للتاريخ– وكان فيها أنبياء من العهد القديم زي إرميا مثلًا.
يوشيا كان ملك المملكة الصغيرة دي، بس حظه إن مملكته دي كانت واقعة في طريق الجيش المصري اللي كان عايز يروح يحارب نبوخذ نصر كحليف للآشوريين، كان لازم يعدي من أراضي القدس.
إلا أن يوشيا رفض إن الجيش يعدي، نخاو الثاني قاله بالحرف: “خليك في مملكتك، وخليني في حربي ملكش فيه”، لكن يوشيا عند ورفض وقاله لا.
راح منسحب لتل مجدو قال يعني بيتحصن وكده، فما كان من نخاو إلا إنه دخل معاه في معركة كسبها بسهولة وقتل يوشيا، وكمل طريقه لكركميش.
معركة كركميش
معركة مجدو دي للأسف أخّرت تقدم نخاو لكركميش، فترة كانت كافية لأن نبوخذ نصر يضبط حاله ويسيطر على مداخل ومخارج حران، في مواجهة جيش آشور البسيط ضمنيًا.
بعد وصول نخاو للمنطقة أخد جيشه وجيش آشور المتبقي وراح حاصر حران، عشان يتفاجأ إنه بيواجه جيش نبوخذ نصر كله وتحالفاته كلها.
ما كان من نبوخذ نصر إلا إنه دخل في معركة ضخمة ودموية مع الجيشين كانت نتيجتها إن مصر وآشور ينهزموا، وتنسحب مصر من المعركة بعد الخسارة تراجعًا لحد حماة في سوريا.
نبوخذ بيطارد الباقي من القوات في محاولة هزيمتهم عن بكرة أبيهم، لكن نخاو بيقدر إنه يأمّن الباقي من الجيش ويرجع بيه على مصر، عشان تنتهي سلطته الخارجية في الشام والعراق للأبد.
أما عن الآشوريين فبينتهوا تمامًا من التاريخ، ومبيقوملهومش قومة تاني، تكمن أهمية المعركة دي في إن نبوخذ نصر بيخرج للنور كقوى جديدة ضخمة، وانتهاء الآشوريين.
اقرأ أيضاً: من هي هيباتيا
يهوياقيم ملك يهوذا
نخاو وهو راجع على مصر، كان بردو لازم يعدي من مملكة يهوذا الصغيرة دي اللي لسة هازمها، وهو راجع لقى إن ابن يوشيا بقى هو الملك، اللي هو “يهوآحاز” وقبل ما يتكلم أو يعترض قام محاربه.
عشان منكترش في الكلام، أسره فعلًا وبسط سيطرته على مملكة يهوذا والقدس كلها، وراح معين أخو يهوآحاز الصغير “إلياقيم” ملك بس تحت النفوذ المصري، وغير اسمه ليهوياقيم، وفرض عليهم جزية ضخمة من فضة ودهب، وأخد معاه “يهوآحاز” أسير لمصر ومات هنا.
يهوياقيم يغير ولاءه بعد هزيمة نخاو الثاني
رجع نخاو لمصر، ونبوخذ نصر مكنش لسة ملك، أبوه “نبوبولاسر” كان الحاكم، لما مات بقى هو الملك.
قدر يتوسع عشان يسيطر على أغلب أراضي الشام اللي كانت تحت حكم آشور وفينيقيا، وبدأ يتقدم ناحية يهوذا عشان يبسط سيطرته الكاملة على الشام، الكلام ده كان سنة 605 م.
لأن مملكة يهوذا ساعتها كان ولاؤها تبع مصر، ومع تقدم جيوش نبوخذ نصر للشام والقدس، بدأ نخاو الثاني يدعم حاكمه “يهوياقيم” بالفلوس والسلاح عشان يتمرد على البابليين وميدفعلهومش حاجة.
في نفس الوقت لما عرف يهوياقيم إن مصر انهزمت أصلا في كركميش قبل ما ييجوا، غير ولاءه وبقى من الداعمين لنبوخذ نصر على حساب مصر لمدة 3 سنين.
بعت لبابل هدايا من المعبد وفلوس ودهب وأسرى من النبلاء والأسرة المالكة عشان يشتري ودّه، في نفس الوقت اللي بدأ نخاو يقوّم الشعوب اللي تحت سيطرة بابل عليه.
نبوخذ نصر الثاني يقرر القضاء على الحضار المصرية القديمة
الموضوع ده خلى نبوخذ نصر يتعصب، وقرر إنه هييجي يحتل مصر ويقضي على الحضارة المصرية القديمة تماما سنة 601 ق.م، ولك أن تتخيل نبوخذ نصر هيعمل إيه لو دخل.
الأخبار دي وصلت لنخاو الثاني، كده فيه حرب عظيمة، حرب بقاء حرفيًا، فيعمل إيه؟ قام صارف اللي حيلته ومجهز جيش مصري بكل اللي يقدر عليه، أكبر عدد ممكن يقدر يجمعه من مصر.
عمل جيش كبير على قد إمكانياته وقرر إنه مش هيحارب في مصر، إنما أخد الجيش وقام رايح على غزة معسكر ومستني هناك، واللي يحصل يحصل بقى.
معركة غزة 601 ق.م
سنة 601 ق.م جيش نبوخذ نصر اللي كان على أعلى مستوى وصل لغزة اللي بينها وبين مصر أمتار يعني، استعدادًا لأنه يدخل مصر ويخضعها للبابليين.
إلا إنه تفاجأ بأن الجيش المصري كله واقف له في غزة، عشان يوقف تقدمه ده، ويا ننتصر يا ننهزم وإحنا على رجلينا، آخر وأهم حرب في تاريخ مصر.
على حدود رفح، دارت واحدة من أهم المعارك التاريخية، الحرب المصرية البابلية بين جيش مصر بقيادة نخاو الثاني ونبوخذ نصر البابلي مع حلفائه وجيشه الكبير.
على الرغم من إن جيش نبوخذ نصر كان ضخم، ومجهز بأحدث الأسلحة، إلا أن المصريين مش سهلين بردو، ودارت المعركة الأكثر دموية في وقتها، بالقرب من حدود رفح المصرية في قطاع غزة، حرب استمرت وقت طويل جدًا وخساير بشرية فادحة في الطرفين.
هزيمة البابليين
فضلت الحرب دي شهور، بيحاول نبوخذ نصر إنه يحقق انتصار على صفوف الجيش المصري، والجيش واقف وبيحارب بكل قوته، قتلى بيقعوا هنا وهنا، والأعداد بتزيد.
لحد ما قدر الجيش المصري إنه يحرز تقدم واضح في قلب جيوش بابل، ويفرقهم إلى حد ما.
مع خساير بابل العظيمة دي أعلن نبوخذ نصر فشله في هزيمة المصريين، وانسحب بباقي جيشه عن الأراضي المصرية خالص، كأول هزيمة ساحقة في تاريخ مملكة بابل.
الأخبار وصلت للشام، ولمين؟ بالظبط، ليهوياقيم ملك مملكة يهوذا المعيّن من نخاو الثاني، أول ما سمع إنهم انهزموا، راح مغير ولاءه على طول لمصر وباعتلها الضرايب بزيادة.
على نفس الخطى بدأت ممالك الشام تعلن تمرد على نبوخذ نصر المنهزم على إيد المصريين، ورفضوا دفع أي حاجة ولا حتى الخضوع لنفوذ الملك البابلي.
الحرب البابلية اليهودية
مصر كانت بتسوح يهوذا تحديدًا عشان تتمرد على البابليين، كأول سابقة إن مصر ودول يبقوا إيد واحدة أصلًا، حاجة مش هنشوفها تاني في التاريخ.
هنا بقى كان فاض بنبوخذ نصر الكيل، وأخد قرار إنه يرجع هيبته بأنه يغزو أراضي الشام كلها بغشومية، خصوصًا المملكة الصغيرة الدينية اللي اسمها يهوذا دي.
في سنة 599 ق.م قرر إنه يحاصر القدس، مش يوم واتنين، لا ده سنة كاملة، في السنة دي مات “يهوياقيم” جوة الحصار.
خلفه ابنه جيكونيا في الحكم، اللي حاول إنه يقاوم الحصار ده بأي شكل، لكن بعد 3 شهور فشل، وسقطت المدينة في إيد نبوخذ نصر سنة 597 ق.م.
نوقف تاريخ بقى ونكمل من العهد القديم، أو سفر إرميا.
السبي البابلي في العهد القديم
في العهد القديم، بيحكيلنا إن نبوخذ نصر أحكم سيطرته على المملكة كلها بعد كده، وبيدمر الهيكل المزعوم ويسرق كنوزه –خلي بالك بقولك في العهد القديم مش التاريخ، يعني مرويات–.
بعد تدميره لمعبدهم الشهير اللي بناه الملك سليمان، بيقرر إنه يسوق معظم سكان يهوذا كأسرى وعبيد لبابل، بعدد تقريبًا 10 آلاف أسير، فيما يعرف دينيًا وتاريخيًا باسم “السبي البابلي”، وتنتهي مملكة يهوذا الدينية إلى الأبد.
نخاو الثاني المهدور حقه تاريخيًا جوة مصر، ودوره في تاريخ الشرق القديم، لولا إن نخاو الثاني المشهور دينيًا برة، لولا إنه قدر إنه يحمي الحدود المصرية من الغزو البابلي وقتها، كان زمانه سبى المصريين هم كمان.
كان زمانك مش موجود، وكان زمان بلدك محتلها بولنديين وروس بعد الحرب العالمية الثانية بدعم من إنجلترا مثلًا، عشان دي مصرنا اللي وعدنا الله إننا نرجعلها تاني مثلًا، فاهم الخيال؟
مقالات ذات صلة:
كيف توصل الفراعنة لبناء الهرم المتين
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا