شبابنا الجامعي العربي الحائر بين الحرية والتحرر
منذ أيام بينما أنا في طريقي إلى مكتبي، لفت نظري ثلاثة شباب يمسك كل منهم سيجارة في فمه داخل حرم الجامعة، توقفت وطلبتهم وتحاورت معهم وقد بدا على وجهي الغضب الشديد، سألتهم:
- ألا تعلمون أن التدخين داخل حرم الجامعة جريمة؟!
- قالوا: لا نعلم، طلاب من السنوات الماضية قالوا لنا في الجامعة كل شيء متاح لكم، أنتم أحرار، لا سلطة لأحد عليكم هنا!
- قلت لهم: لا، لستم أحرارًا، وليس كل شيء مباحًا هنا.
الإجراء الذي يجب اتخاذه الآن هو سحب هوياتكم الشخصية، والتحقيق الفوري معكم، وبالفعل سيكون هناك عقاب صارم لكم!
ارتبك الشباب، وبدت ملامح الخوف تكسو وجوههم، فقد كنت حادًا في التعبير.
- إذا بهم يقولون: نعتذر، ولن نكررها مرة أخرى، ولا نعلم أنها هنا ممنوعة.
نعدك أننا لن ندخن في حرم الكلية مرة أخرى.
تقبلت اعتذارهم وتركتهم على هذا الوعد، وانصرفت إلى مكتبي حزينًا لمشهد مؤسف لشباب في عمر الزهور.
مفهوم الحرية الخاطئ
بينما أنا أفكر في هذا المشهد جال بخاطري هم أكبر، ومصيبة أعظم، ألا وهي “المفهوم الخاطئ للحرية” في الجامعة في مجتمعاتنا العربية، والاقتران المشهور بين الجامعة والتحرر.
سيطرت على فكري تساؤلات حائرة:
– لماذا الربط بين الجامعة والحرية المطلقة أو التحرر الفج؟!
– أليست الجامعة منارة للعلم والأخلاق والسمو والرقي؟!
– أليس طلاب وطالبات الجامعة هم صفوة المجتمع، وهم عتاد الوطن العربي نحو مستقبله المشرق؟!
– أليست الجامعة منبع الوطنية ومدرسة الكرامة عبر تاريخ أمتنا العظيم؟!
– أليست الجامعة نبض الأمة؟!
– أليست الجامعة مهوى قلوب عشاق العلم عشاق الحياة؟!
– أليست الجامعة فخرًا لكل منتسب إليها؟!
– ماذا حدث؟! ولماذا تحولت قدسية الجامعة لدى البعض إلى تحرر فج؟!
مشكلات الشباب الجامعي
ليس مشهد الشباب المدخن فقط هو المشهد المحزن المؤسف، إذ توالت المشاهد تترى، أراها ماثلة أمام عيني، ومنها:
تقليد الغرب
– قصات شعر لشباب لا ترقى لأن يقبل بها كل إنسان يحترم هويته ودينه وثقافته العربية المتأصلة في أعماق التاريخ.
– ملابس خارجة لا ترقى لأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية، والتي تحولت إلى تقليد أعمى للغرب دون روية أو تمهل أو تدبر فيما يقبل وما لا يقبل، وفق تقالدينا وعاداتنا وثقافتنا العربية الراقية.
التمرد على الأسرة
– تمرد على بساطة الحياة لدى البعض، وانفتاح متهور على الحياة الجديدة في الجامعة، تحت شعار: لا حساب، لا رقابة، لا متابعة.
من هنا ترى الآباء والأمهات في عالم البؤس والشقاء يوفرون لأولادهم وبناتهم ما يمكنهم من الظهور بمظهر لائق في الجامعة.
هذا التوفير مقترن بالجوع والاستدانة والعمل المتتالي، والموت البطيء كى لا يشعر أولادهم في الجامعة بالنقص.
على الجانب الآخر ترى بعض أولادهم وبناتهم في الجامعة لا يقدرون تلك التضحيات، وإذا بهم باسم الحرية الجديدة يفجرون وينحرفون وينحدرون إلى هوة سحيقة من الخراب، تحت شعار: حريتي الجديدة في عالم الجامعة الجديد.
التمرد على الهوية العربية
– تمرد البعض على جامعاتنا العربية العريقة تحت وطأة الحداثة والهرولة نحو الجامعات الأجنبية، مما أثر على هويتنا الثقافية وضرب قيمنا الحضارية في مقتل.
فإذا بشبابنا يقع أسيرًا لفخ الانفتاح الثقافي القاتل، متنازلًا عن هويته العربية، مستسلمًا برغبته لهوية جديدة غريبة مشوهة.
دور الجامعات في تأهيل الشباب لتحمل المسؤولية المجتمعية
هنا يجب أن تكون لنا وقفة –حوار– مع طلابنا، وقفة توجيه وإرشاد، وقفة متابعة ومكاشفة ومصارحة، وقفة احترام للأعراف والتقاليد الجامعية الراسخة، وقفة عقاب صارم لمن يتجاوز.
وقفة إعادة لهيبة الجامعة العربية المفقودة، وقفة لإعادة الاعتبار لجامعاتنا العربية التي علمت الدنيا كلها قيم الحضارة والتسامح والسمو والاحترام.
الأمر خطير والحدث جلل، والحرية المشوهة بقناع التحرر لن ترحم، ولن يغفر لنا التاريخ تخاذلنا مع بعض طلابنا المتحررين، وإلا على الجامعة السلام.
هنا، وبكلمات كلها أمل وتفاؤل، يجب أن تعود للجامعات العربية سمعتها الطيبة، ولطلابها شرف الانتماء، ولأعضاء هيئة التدريس بها وقار الانتماء وهيبته.
الأمل في أن نصنع الحرية بالنجاح والتميز والإبداع والتفوق والانفتاح المحترم على الآخر، وليس بالانحراف وضرب منظومة القيم بخنجر مسموم في قلبها.
اقرأ أيضاً:
ما يجب على الشباب تجاه مجتمعاتهم
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا