فن وأدب - مقالاتمقالات

معضلة الأرانب

مما قاله كبير الأرانب، بصوتٍ منخفضٍ متقطعٍ ضعيفٍ:

“يا ولدي، لا تُسرع ولا تتسرع في الحكم على الأشياء، ولا تسمح لأحكام الآخرين ونظرتهم ونظراتهم أن تتسلل إلى رؤيتك للأمور، يا ولدي، كن نفسَك، أو بالأدق: كن أفضل النُّسَخ من نفسك!

أو بالأحرى: كن اليومَ أفضلَ مما كنت عليه بالأمس، وتطلَّعْ لغدك الأفضل من يومك! ليس الأمر بخارجك، ولكن الأمر الأهم كله داخلك، يا ولدي، لا تتذمرْ مِن تشابُهك مع الآلاف من قومك، أو اختلافِك عن الآلاف غيرهم! يا ولدي، المقارنات مهلكة!

قد تُفرض عليك المقارنات الإجبارية! وتُتهم بكل الصفات السلبية!

لا تصدق كل ما يقال لك

مقارنةً مع السلاحف، ليس في سرعتك الرائعة ببطئها، بل تهورك ورزانتها! وغرورك بتواضعها! وتكون الحكاية المكررة عنك هي المقررة في أمسيات الغابة! تلك الأسطورة السخيفة عن سباقٍ حدث بينك وبين سلحفاة! وأنها فازت عليك بإصرارها وتواضعها ومثابرتها! بينما هزيمتك ناتجة عن غرورك وكسلك!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا أحد ينتصر لك ويذكر حكايتك الأصلية من محاولتِك مساعدةَ السلاحف ودعمها النفسي بادعائك الكسل والنوم؛ كي تفوز سلحفاةٌ ظاهريًّا في سباق معك، فتزيد ثقتها بنفسها وبنتائج المثابرة والمواظبة!

كان ذلك طِيبةً من قلبك، ودعمًا مهذبًا لهذه الكائنات الرقيقة الصديقة (السلاحف) التي تحمل لها كلَّ احترام وتقدير! ولكنْ لا تصدق كل ما تقوله السلاحف أو تدعيه عنك! فبعضها يسْكُنُه الحسد والحقد عليك، وبعضُها تزعجه سرعتك لتذكيره ببطئه!

لا تقارن نفسك بأحد

يا ولدي لا تصدق السلاحف، ولا تصادقها!

ولا تطمئنَّ للثعالب، ولا تجادلها!

ولا تهادن الذئاب، ولا تستهن بها!

ولا تضايق القنافذ، ولا تقترب منها!

لا تجعل التشويه (المتعمد) لك يا ولدي يغيِّر من طباعك الطيبة! كن نفسك يا ولدي، ولا تنافس أو تقارن نفسك إلا بنفسك!

لا تسمحْ بالنَّيْل من شجاعتك بذكرِهم شجاعةَ الأسد، ووضْعِها أمام ما يتصورونه جُبنَك، فهل من الشجاعة مواجهة الأرانب للأسود؟! ومتى تكون محاولات الهرب من الموت جبنًا؟!  وأي بطولة في الإسراع نحو الفناء؟!

لا تردِّدْ كلامهم عن سذاجتك في مواجهة الثعالب والذئاب، أو العفوية في حضور الدموية، حتى الجَزَر قد يحكي عن جشعك ونهمك! فكلُّ المفترسين يرونك لذيذًا، وكل الجزر يراك المفترس!

الوجهة أهم بكثير من السرعة

رأي الآخرين بك

لن تعجبهم كثرتك وذريتك ومحاولاتك لمواجهة الفناء بالكثرة! وتأييدك لنظرية الكم! فنحن نقاوم الوضع الخطير بالوضع الغزير! ولكن لا تفتخر يا ولدي بالأعداد؛ فالأهم الإعداد!

يا ولدي عينك على جَزَرَتِك التالية، وحذرُك من الخطر التالي، (صقر، ثعلب، ذئب، ثعبان…) أو ما شابه ذلك من غيلان!

يا ولدي الوجهة أهم من السرعة! والرغبة تضاعف السرعة!

يا ولدي، أمنياتك بموت الذئاب لا تضرها! وبدون البحث؛ فأمنياتك بعشب أفضل لا تفيدك!

يا ولدي لا تخجل من سرعتك بين السلاحف! ولا من ذعرك بين الثعالب! كن نفسك واجتهد!

يا ولدي اجتهد في البحث عن جزرتك أثناء اجتهادك في الهرب من ثعلبك!

مقياس النجاح الحقيقي

لا تخدعك رؤية قاصرة ترى بالغابة جزرة واحدة! الجَزَرُ كثير ينتظرك! والأعداء كذلك!

معضلة الأرانب هي في مقارناتٍ تُنهِي رضاها عن نفسها! وتجعل رأي حيوانات أخرى في الغابة هي مصدر تقديرها لنفسها، ومقياس نجاحها، وحسابات فشلها!

فتضيع حياتها وراحتها وقبولها لنفسها في معايير المقارنات عند غيرها!

معضلة الأرانب: في تصديق كل ما يقال لها أو عنها!

معضلة الأرانب ليست معضلة نتائج السباق، معضلة الأرانب هي معضلة انحراف السياق!”.

اقرأ أيضاً:

الأنا والآخر في تجليات الاختلاف الفلسفي

معضلة السلاحف

معضلة القطيع

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

م. أبو سفيان

مهندس وكاتب وفنان تشكيلي مصري، مدرب ومتحدث تحفيزي وصانع محتوى، باحث في الخطابة والتغيير الإيجابي والتطوير القيادي