انتشر الخبر في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية
تقول عالمة الرياضيات الشهيرة والفيلسوفة هيباتيا: “احتفظ بحقك في التفكير، أن تفكر ويتضح أن أفكارك كانت خطأ خير من أن لا تفكر مطلقا! وتظل تابعًا تنفذ ما يقال لك دون فهم أو تفكير!”.
قصة عالمة الرياضيات هيباتيا فيها دروس كثيرة لسكان الإسكندرية، ومصر بصفة خاصة، وكل البشر بصفة عامة.
من هي هيباتيا
هيباتيا عاشت في الإسكندرية في أواخر القرن الرابع الميلادي، وقت انتشار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية، ويستعمل المؤرخون تاريخ قتلها البشع بأنه كانت نهاية الحضارة في الإسكندرية.
الإسكندرية بناها الإسكندر الأكبر قبل هيباتيا بثمانية قرون، سنة 330 قبل الميلاد، وتحولت إلى مركز لنقل العلوم من مصر وبقايا حضارة الفراعنة إلى اليونان والرومان، كانت مركز امتصاص إبداع حضارات مصر القديمة وسرقته ونقله إلى اليونان والرومان.
ظلت كذلك ثمانية قرون، طوال الاستعمار اليوناني في النصف الأول من الاستعمار الروماني لمصر.
كانت هيباتيا من بيت كله علم وعلماء، مما جعلها تحذو حذو والدها، وتتقن الرياضيات والفلسفة والكتابة، وأصبحت عالمة شهيرة لها تلاميذ.
البابا كيرلس الأول وهيباتيا
لكن في هذا الوقت كانت الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية بقيادة البطريرك كيرولس الأول تسيطر على الناس، وكانت الكنيسة تعد العلم والتفكير ضد الدين.
كان كيرولس الأول يسعى للتخلص من الأعداء الثلاثة للكنيسة في الإسكندرية..
العدو الأول اليهود، ونجح في هذا بسرعة.
العدو الثاني كل من يقدم تفسيرًا للمسيحية يختلف عن طريقة الكنيسة وأفكارها وكهنتها، ونجح أيضا في هذا.
العدو الثالث العلماء وكل من يستعمل العلم أو العقل أو يناقش الأفكار بطريقة حرة، وهذا كان العدو المتبقي في الإسكندرية بجوار مكتبة الإسكندرية.
كان هؤلاء الأعداء هم من تسميهم الكنيسة المهرطقين الفاسدين، أعداء الدين والرب الكفار، أصحاب الأفكار الخطيرة على الناس، الذين يستعملون العقل بدلا من الإيمان، إلخ.
هيباتيا شهيدة الفلسفة وضحية التعصب الديني
سنة 415 ميلادية أثناء عودة هيباتيا من إحدى محاضراتها، كان عمرها وقتئذ 45 عاما، انطلقت حشود المسيحيين المؤمنين وهجموا على هيباتيا، يضربونها ويقطعون ملابسها، ثم يجرونها في الشوارع وهي عارية، ويقطعون جسدها بالسكاكين، حتى ماتت بهذه الطريقة البشعة!
انتشر الخبر في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وبعدها خاف كل العلماء والباحثين والفلاسفة الذين يعيشون في الإسكندرية، وهاجر أغلبهم. ومن تبقى منهم ترك العلم والبحث والكتابة، وقرر أن يسكت إلى أن مات.
بذلك انتهت أواخر الحضارة في أرض مصر، وظلت مصر لمدة ثلاثة قرون تعيش في ظلام دامس علميا وحضاريا، شعبها مجموعة من المتعصبين الدينيين ينفذون أوامر الكنيسة، ويخدمون مولاهم إمبراطور روما، ويعملون عبيدا عند الرومان.
الفيلسوفة التي قتلها الجهل
ولم تبدأ مصر في العودة لتكون مركزا للعلم والعلماء إلا مع بداية الدولة الطولونية في العصر العباسي في القرن التاسع الميلادي، وعادت تتطور،
إلى أن وصلت قمة العلم وظهور جامعة الأزهر وتطورها من العصر الفاطمي إلى الأيوبي إلى المملوكي إلى العثماني، قبل أن تعود إلى التخلف مع القرن الثامن عشر الميلادي، مع تراجع حضارة المسلمين وصعود الغرب الأوروبي.
قصة هيباتيا فيها دروس كثيرة لمن يريد أن يفهم ويتعمق في دلالة القصة.
ولا يزال العالم حتى اليوم يتذكر الغوغاء عديمي الرحمة من جموع المسيحيين المؤمنين الغفيرة في شوارع الإسكندرية، وهي تعذب وتقتل عالمة عظيمة مثل هيباتيا بتهمة الهرطقة، لأنها تختلف معهم أو تفكر بطريقة مختلفة عنهم.
اقرأ أيضاً:
دور الفلسفة في عقلنة الشباب ومواجهة التطرف والإرهاب
التعصب والتسامح في مرآة الممارسات التطبيقية
بوئثيوس بين عزاء الفلسفة وعجلة الحظ!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا