علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

التعصب والتسامح في مرآة الممارسات التطبيقية

كثيرا ما نقرأ أبحاثا ودراسات حول التعصب والتسامح، فالتعصب مضاد للتسامح، فهل يمكن أن ينطبق عليهما قانون أرسطو من قوانينه للفكر، وهو قانون عدم التناقض، والذي ينص على أنه لا يمكن الجمع بين الشيء ونقيضه في الوقت ذاته؟ فمثلا لا يمكن القول أن “أحمد” مثلا موجود وغير موجود في الوقت ذاته، وإذا كان هذا القانون ينطبق على الأشخاص، فهل يمكن أن ينطبق على الصفات؟

التعصب والتسامح .. هل ينطبق عليهما قانون عدم التناقض؟!

دعونا نفرق بين نوعين من الصفات كي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال المطروح، فهناك صفات خارجية ظاهرية والمتمثلة في كل من: الطول، واللون، والشكل، إلخ، وهناك صفات داخلية جوانية مثل: الحب، والغضب، والبخل، والإسراف، إلخ.

ووفقا للنوعين السابقين، يمكن القول أن قانون عدم التناقض مرتبط بكون الشيء موجودا أو لا، فمثلا: «أحمد حي» أو «أحمد ميت» هما قضيتان متناقضتان، إذا صحت الأولى كذبت الثانية والعكس بالعكس، ولا ثالث بينهما،

فلا يمكن الجمع بين كون إنسان ميتا وحيا في الوقت نفسه، ولكن الإنسان يحمل في نفسه التعصب والتسامح والبغض فيما يخص الصفات الداخلية الجوانية، فالإنسان بين الفضيلة والرذيلة يسير ويتصرف ويقرر ويمارس الكثير من سلوكياته ومواقفه، وبين التعصب والتسامح مساحات تظهر بوضوح في الإنسان.

على الرغم من أن هذا الجمع لا أخلاقي ولا منطقي، حيث ترفضه الأديان والقيم والأخلاقيات والأعراف، ويجب على الإنسان ضرورة التخلص منه، لكن ذلك لا يعني أن قانون عدم التناقض ينطبق عليها، فهناك فرق بين التناقض والتضاد، فالإنسان يحمل التسامح للضعيف وصاحب الحق وكذلك يحمل البغض للمستعمر والظالم والإنسان عديم الضمير والأخلاق، فهناك فرق كبير إذن بين التناقض والتضاد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التعصب والتسامح في ضوء ما ينبغي أن يكون

فإذا أخذنا مفهومي التعصب والتسامح كنموذج في ضوء ما هو كائن وكذلك في ضوء ما ينبغي أن يكون، فمن خلال تحليل الواقع نجد أن كثيرا من الأكاديميين الذين يعالجون موضوع التعصب والتسامح في كتبهم وأبحاثهم يرفضون التعصب بكافة أشكاله وألوانه،

ولكن عند مواجهتهم لمشكلات ومواقف حياتية واقعية نجد التعصب سمة مركزية عندهم، وسائدة في كافة سلوكياتهم وتصرفاتهم، ومعاملاتهم مع المحيطين بهم، وهو ما يجب التخلص منه، وهو أمر يتناقض مع سمات البحث العلمي.

فالكتابة والتأليف للكتب والأبحاث والمقالات يجب أن تعبر تعبيرا صادقا وواقعيا عما يقتنع به المؤلف ويكون نابعا من جوانيته وما يؤمن به من أفكار ورؤى وتصورات.

مسافة شاسعة بين النظري والتطبيقي

ولكن هناك تساؤل في غاية الأهمية، وهو هل الاقتناع والإيمان بأفكار وتصورات معينة كافٍ ليجعل تلك الأفكار والتصورات والرؤى تتجلى في الممارسات التطبيقية؟ بالطبع لا.

فالمعرفة (الاقتناع) يمكن أن تكون مرحلة أولى وممارستها مرحلة تالية على المرحلة الأولى، فالوصول للمرحلة الأولى لا يعني بالضرورة الوصول للمرحلة الثانية، والوصول للمرحلة الثانية يتطلب بالضرورة تخطي المرحلة الأولى، سواء كان عن وعي معرفي أو وعي تلقائي ينبع من الغريزة الإنسانية والفطرية للإنسان.

فنجد أن هناك مسافة شاسعة بين النظري والتطبيقي، بين القول والفعل، بين ما يطرح وما يمارس، وهو ما يؤدي إلى مفارقات نفسية داخل الإنسان من ناحية، ومفارقات اجتماعية مع المحيطين به من ناحية أخرى،

وما ينتج عن الأولى وهي المعرفة النظرية تهديد الأمن النفسي، ومن الثانية والتي هي التطبيق العلمي تهديد الأمن المجتمعي، لذا يجب على الصعيدين أن يسعى الإنسان جاهدا أن يكون هناك توافق وتناغم بين ما يؤمن به وما يقوله وما يمارسه.

ضرورة تحقق الاتساق المنطقي عند الإنسان

إذ أن وجود مثل هذه المفارقات يعد من الأمور غير الأخلاقية وذلك لغياب مفهوم الصدق عند الإنسان بينه وبين ذاته من ناحية وبينه وبين الآخر من ناحية أخرى،

وكذلك يعد من الأمور غير المنطقية وذلك لغياب الاتساق المنطقي عند الإنسان، فكم من علم نافع أضر البشرية نتيجة غياب الجانب الأخلاقي وهذا ما نشاهده في علوم الذرة وتطبيقاتها، فهي علوم تستطيع أن تخدم حياة الإنسان لو راعى الجوانب الأخلاقية، ويمكن أيضا أن تدمر حياته لو لم يراعِ الأخلاق في الغايات والممارسات.

اقرأ أيضاً:

التعصب في مرآة رمزية العنف

في مفهوم التسامح وسماته

مقام التسامح

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. غلاب عليو حمادة الأبنودي

مدرس اللاهوت والفلسفة في العصور الوسطى ، قسم الفلسفة كلية الآداب جامعة سوهاج