فن وأدب - مقالاتمقالات

الفنُّ الوطنيُّ

الفن الوطني (سينما، ومسرح، ومسلسلات، ورسم، وغيره) هو ما يصنع نماذج وطنية متلائمة مع القيم التي يرتضيها المواطنون، بداية من الضحك والمتعة إلى الحب وصناعة نماذج الأبطال.

هذه فكرتي الرئيسية ورؤيتي للفن، الفن هو عموما نشاط إنساني غير أساسي لبقاء الحياة، هو نشاط مختلط من التعبير عن المشاعر والمتعة والتوجيه الأخلاقي، بل والتأثير في المجتمع، ومعنى كونه غير أساسي أنه ليس في أهمية الغذاء والماء والدواء والمسكن بالنسبة للإنسان، وإذا ادعى شخص أن الرقص أو الموسيقى لديه مثلا أهم من الغذاء كانت هذه مبالغة تفيد أهمية الفن له، لكنها لا تعكس واقع كونه من الممكن أن يتناول أغنية جميلة على العشاء.

إذن الفن نشاط له تأثير في المجتمع، فهل له ضوابط أو حدود؟

هذا سؤال معقد، لكن الواقع الذي أراه أنه يتم استخدام الفن لصياغة آراء المجتمع، فمثلا أمريكا استخدمت وتستخدم الفن لخدمة مصالح سياسية معروفة لها، ألم تحاول غسل عارها في فيتنام بالكثير من أفلام السينما؟ ولا يخفى دور كرة القدم مثلا في الإلهاء السياسي، والرياضة والفن قرينان. والهدف من الحديث عن الفن هنا، هو الإجابة عن سؤال مهم: هل الفن له دور في المجتمع؟ أو هل هناك فن وطني، وفن مضر بالوطن؟

مشكلة الحكم على الفن

الفن حين يتحول في كثير من أوقاته إلى تسلية مضرة، أو موجِّه لأفكار سياسية أو أخلاقية في المجتمع، لا يمكن التعامل معه أنه لمجرد التسلية والمتعة، بل إنه هنا يقوم بدور السياسي والموجه لآراء المجتمع لخدمة مصالح معينة اجتماعية وأيدلوجية، بل هو أداة من أدوات الغزو الثقافي، وهنا يمكن الحكم عليه بالوطنية والتماشي مع قيم المجتمع أو الحكم عليه بالنفاق، بل والخيانة الفنية والإضرار بالمجتمع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

والقول بأنه إذا لم يعجبك الفن فلا تتابعه شبيه بالقول: إذا لم يعجبك صنف المخدرات الذي نبيعه فلا تشتر منه، وهي حجة سمجة تخلي مسؤولية الإنسان عن أفعاله وتؤدي إلى الفوضى. وتكمن مشكلة الحكم على الفن في عدة نقاط:

1- الفن يحتاج إلى الحرية والمسؤولية في التعبير، وهنا ينقسم الناس إلى مؤيدين لحرية مطلقة للفن والفنان، وغالبا ما يكون هؤلاء فنانين، وآخرين مؤيدين لضوابط للفن أخلاقية أو اجتماعية، وربما سياسية، لكن غالبا لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية ما يعبر عنه الفن.

2- الفن يشكل مصالح من يعملون فيه ويعيشون على العمل فيه، من شركات إنتاج وممثلين وغالب العاملين في مجال الفن، وأي اعتراض على الفن يمثل تضارب مصالح مع هؤلاء.

3- المجتمع الذي له منظومة قيم إما واقعية أو منظومة مثالية يتمسك بها، وإن لم يلتزم بها كاملة -وهذا وارد في كل المجتمعات- على أمل أن يستطيع أن يلتزم بها كلية.

4- الفراغ، فالفن وخاصة الأفلام وما يعرض متاحا بمجانية في التلفاز ومواقع التواصل يسد فراغا كبيرا عند المواطنين، وقد يشكل أعلى نسبة لسد الفراغ في المجتمع، وهذا يجعله سبيلا من سبل التأثير على المجتمع والتلاعب به.

5- الوضع الاقتصادي والأخلاقي للمجتمع يجعل الفن جزءًا من مشكلة المجتمع، فالشاب مثلا قد يحب مشاهدة راقصة مثيرة، لكنه أخلاقيا لا يحب أن تقوم أمه أو أخته بهذا الرقص أمام الناس، وهنا إشكالية اقتصادية اجتماعية مرتبطة بتأخر سن الزواج، ومشكلة ممارسة الجنس والمتع الجنسية بصورة شرعية بسبب أوضاع اقتصادية واجتماعية.

حجة خبيثة

مشكلة الفن في المجتمع معقدة كما هو واضح، فبعض ما يرفض أخلاقيا في ذهن المجتمع حسب أخلاق المجتمع المثالية قد ينتشر بصورة واقعية كبيرة، بل ويلقى تأييدا، وتتفاقم مشكلة الفن، فهو ممتد ومنتشر، وأزعم أنه يقدم متعا؛ كالرقص، والفنانات المثيرات في ملابسهن المغرية، والإيحاءات، التي توغلت بسبب أوضاع الاقتصاد وتأخر سن الزواج، وإن رفضها الشخص خلقيا.

ولذلك حجة القائلين من منتجي الفن بأن هذا ما يرغب فيه المجتمع حجة خبيثة لاستغلال وضع اقتصادي سيئ، أدى لتراجع أخلاقي فتح الباب لاستساغة نشر قبائح مضرة بالأخلاق المثالية للمجتمع، وصنع رفاهية لكل ممثلة لديها استعداد للتأوه وارتداء ملابس مثيرة.

الفن الوطني الذي يتمتع هو وفنانوه بالوطنية هو الذي يصوغ أمثلة ونماذج للقيم الوطنية المنتشرة في المجتمع، ويؤدي دور التسلية بجوار التوجيه نحو قيم المجتمع، لا أن يستغل الوضع السيئ لتقديم خدمات جنسية للشباب المتعطش للجنس، والآيس من فرصة زواج عفيفة وشرعية في أقرب وقت، والمتيقن من تأخر سن زواجه.

الفن الوطني لا يكذب، لأن الكذب مذموم حتى في الفن، الفن الوطني يؤكد على قيم المساواة والحرية والعدل، الفن الوطني يتغنى بعفة فتيات مجتمعه وروعتهن وجمالهن الخجول، الفن الوطني لا يبتذل فتيات الوطن، أو يشوههن، كم في مصر من فتاة جميلة راقية تعمل وتجد وتتزوج شابا، يتعاونان معا في نضال إنساني شريف، وحب إنساني لا يغفل طبيعة البشر من أجل تكوين أسرة جيدة، أين هذا النموذج المشرِّف من الصدور العارية والأرداف المهتزة؟

لن نتحدث عن السياسة في الفن، لأننا من الممكن أن نقول بأريحية أن الفن منافق سياسيا حتى يثبت غير ذلك، لكن ألا تقتضي الوطنية أن يتحول الفن إلى حماس في العمل ووطنية حقيقية، وتحدٍّ للفساد، ومساواة في النظرة لكل الناس؟

أليس من الصواب أن يتوقف ماخور التمثيل ليلتفت إلى شيخ وداعية معتدل ينشر بين الناس عدلا وأخلاقا، ومعلم فاضل ينشر بين تلاميذه علما وقيما، إلى فلاح تضربه الشمس في الحقل ليزرع طعاما، إلى عامل إطفاء أو عامل في المستشفى؟ ألا يمكن للفن أن يتحول لقاطرة تشد المجتمع إلى الأعلى وليس إلى القاع؟

الإبداع لا يكون أبدا في الشر

لقد غابت الضحكة الجميلة، والحب الملائكي الطاهر، والبطل الصادق والبطلة الخجولة المشعة رقيا وحبا عن الفن. غاب ذلك تحت وطأة فنانين يرغبون في رغد العيش ولو مثَّل أيَّ فيلم، ومنتجين يرغبون في المكسب، وبقيت لنا الراقصة المهتزة بكل كيانها، والإثارة لشباب لا يجد سبيلا للحلال في مجتمع لا يسمح إلا بالحلال، أو لتمت الفتاة بكرا والشاب حصورا، أو ليرتكب الموبقات ولا يبكي على مجتمع لم يبك عليه،

وبقي الفن المثير الذي لا يصلح إلا أن يكون فن غرف النوم وملاهي الكأس والشراب والعري، ومات الفن الراقي، فن التحضر والحماس والحب والبطل، لأن الحماس قد ذوى، والحب اغتاله جبان بعدما لعبت برأسه خمر وراقصة، والبطل مات في نفوس الشباب ولم يستطع الظهور في القصة المخزية.

إن الإبداع لا يكون أبدا في الشر أو في نقل الشر. بقي لنا فن ذهبت معه كل قيم الدين والعروبة والإنسانية.

اقرأ أيضاً:

كيف يدافع الفن عن قضية؟

الفن حلال المشاكل

هل حاربت السينما المصرية التحرش أم روجت له؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمد السيد قياسة

مدرس اللغويات – كلية اللغة العربية بالمنصورة – جامعة الأزهر