فن وأدب - مقالاتمقالات

هل حاربت السينما المصرية التحرش أم روجت له؟

التحرش من الظواهر الاجتماعية التي ظهرت على الساحة بشكل قوي في السنوات الأخيرة وأصبحت خطرا يهدد المجتمع، وفي محاولة لتفسير أسباب هذه الظاهرة كانت السينما هي المتهم الأول في تفشي هذه الظاهرة، وأنها روجت للتحرش اللفظي والجسدي عندما قدمته في إطار الغزل، وأنه أمر مرغوب ومحبوب بين الحبيب والحبيبة،

كما تم الترويج لأن الفتاة تحب التحرش اللفظي والغزل لأنها تشعر من خلاله أنها جميلة ومرغوبة من الرجال، ومن خلال الأفلام تم تسريب وترويج هذه المفاهيم الخاطئة بشكل كوميدي ولطيف على طريقة السم في العسل، حتى رغب فيها الشباب والفتيات، ومن هنا انتشرت ظاهرة مغازلة الفتيات بشكل لائق وأحيانا كثيرة بشكل غير لائق في محاولة لتقليد نجم السينما وظنا منهم أنهم قد يصلون لقلب الفتاة كما حدث في الفيلم.

بداية الترويج للتحرش في السينما

البداية كانت من خلال الأفلام الرومانسية في سينما الأبيض والأسود، عندما قدمت السينما محاولة البطل للوصول إلى حبيبته بكل الطرق ومنها مغازلتها بمفهوم الفترة وقتها، والذي عُرف بعد ذلك أنه تحرش لفظي، وتم هذا التحرش في إطار لطيف، رومانسي أحيانا وكوميدي أحيانا أخرى،

وتزعم هذا النوع نجوم لهم شعبية مثل أحمد رمزي، رشدي أباظة، حسن يوسف، فؤاد المهندس، حيث تم تقديمه في إطار أنه شيء محمود وجيد وليس بهدف التحذير منه ورفضه، تم تقديمه كأنه الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الحب والاهتمام والإعجاب، وبعد أن نجح البطل في الوصول إلى حبيبته أصبح طبيعيا أن يتبع الجمهور نفس الأسلوب في الغزل،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي مرحلة تالية تحول الأمر لأكثر فجاجة وسوقية على يد محمد عوض ثم عادل إمام، والتي رأت كثير من جمعيات ومنظمات حقوق المرأة أنه أكثر فنان أهان المرأة وتحرش بها في أعماله، وقدمها كأنها جسد بلا روح أو إحساس، جسدٌ كل أهميته هو الاستمتاع به، حيث تحول الأمر من الغزل إلى تحرش لفظي وإيحاءات جنسية، ثم تحرش جسدي من خلال تلامس بعض الأجزاء من الجسد، كما في معظم أفلام عادل إمام، حدث هذا في إطار كوميدي ظريف،

ثم عاد التحرش اللفظي مرة أخرى بشكل أقل سوقية مع جيل الشباب عز، السقا، كريم، ومع ظهور سينما العشوائيات والبلطجة دخلنا في مرحلة أكثر من السوقية والفجاجة والقُبح، حيث أصبحت الإيحاءات الجنسية ألفاظا صريحة، والتحرش الجسدي زاد أكثر مثل ما قدمه طارق العريان في فيلم أولاد رزق بجزئيه.

وانتشر التحرش في المجتمع من خلال هذه الأعمال حيث عمد الشباب على تقليد نجومهم الكبار، ومع زيادة البطالة والكبت وغياب القانون واتباع سياسة البلطجة والمرازية، انفجرت القنبلة في وجه الجميع.

كيف واجهت السينما التحرش؟

كما قلنا الأمر في البداية كان في إطار المغازلة اللطيفة أحيانا والمتجاوزة أحيانا أخرى، لكن ظاهرة الرجل المتحرش المريض تم تقديمها لأول مرة في فيلم بين السما والأرض لـ صلاح أبو سيف، عن موظف (قدمه سعيد أبو بكر) يترك عمله ويسير خلف النساء في الشارع يتحرش بهم ويُلامس أجسادهن في المواصلات العامة وفي المصاعد،

وبعد حبسه في المصعد يندم على ما فعله ويقرر التوبة ولكن بعد خروجه يعاود هذا الفعل المشين مرة ثانية، وفي فيلم دعاء الكروان قدم بركات، الباشمهندس (نلاحظ أنه بلا اسم كنوع من التحقير) مهمته في الحياة التحرش الجسدي بالخادمات ومواعدتهن، إما بالترغيب والمشاعر الكاذبة أو باستغلال حاجتهم للعمل والمال، وكانت النهاية هي القتل حيث لا يوجد قانون يعاقبه على ما فعله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وجاءت حادثة فتاة المعادي في الثمانينات من القرن الماضي، لتستغلها السينما استغلالا تجاريا دون التعمق في أسباب الحادث، ودراستها كمرض اجتماعي ظهر وله أسباب وطرق علاج ولا كيف نواجهه، حيث تم تقديم عملين، المغتصبون لـ سعيد مرزوق، واغتصاب لـ علي عبد الخالق، وحقق العملان نجاحا كبيرا وانتهى الأمر، حيث لم يتم تناول الظاهرة بشكل جاد وعميق، وعادت السينما لتقديم نموذج الشاب الظريف المتحرش بالفتيات اللاتي يعجبن بهذا التحرش ويقعن في حب البطل بسبب هذا التحرش كما في كل أفلام تامر حسني.

بين المواجهة والاستغلال

وفي محاولة جادة لمواجهة ظاهرة التحرش قدم محمد دياب فيلم (678)، ويكاد يكون هو الفيلم الوحيد الذي تناول ظاهرة التحرش بشكل مباشر، حيث تدور أحداثه حول تعرض ثلاث فتيات للتحرش الجسدي في الطريق العام، وتقرر كل منهن مواجهة الحادث بطريقة مختلفة، الغريب في الأمر أن جمعيات ومنظمات حقوق المرأة هاجمت الفيلم واتهمته أنه أهان المرأة وعمد إلى تشويه المرأة المصرية والدولة المصرية!! على اعتبار أن كل الأفلام التي جاء فيها تحرش لفظي وجسدي بشكل روّج له لم تُهِن المرأة والمجتمع!

وبشكل عرضي داخل الفيلم تم تقديم ظاهرة التحرش في فيلم عمارة يعقوبيان من خلال صاحب محل الملابس وتحرشه بالعاملات في محله، وقبولهن للتحرش تحت ضغط الفقر والحاجة للعمل، وأيضا فيلم واحد صفر والذي تناول ضمن أحداثه تعرض إحدى البطلات للتحرش في أتوبيس وأخرى في الشارع أثناء الاحتفال بفوز المنتخب بكأس إفريقيا.

في النهاية نستطيع أن نقول إن السينما المصرية هي من روجت للتحرش في البداية قبل أن يكون هذا اسمه، عندما قدمته في إطار ظريف مرغوب فيه، جعلت الشباب يقومون بنفس هذا الأمر في الواقع، وبعد أن تحول الأمر إلى ظاهرة وخطر حاولت التصدي له، من خلال محاولات ضعيفة وقليلة.

خيط رفيع وحاد بين تقديم ظاهرة والتعرض لها من أجل مواجهتها، وبين التعرض لها بغرض استغلالها تجاريا وتقديمها في إطار يؤدي لزيادتها وترغيب الجمهور فيها، هذا الخيط اسمه الوعي، وعي صانع السينما بما يقدمه وكيف يقدمه

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً:

خطيئة التحرش

هل روجت السينما للدجل والشعوذة؟

الفن حلال المشاكل

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة