غرابة السؤال أقلُّ من غرابة تجاهله
كثيرا ما كنت أتساءل هل حقا كما يقول البعض: الإنسان لا بد أن يفكر في الوجود؟ في الإله، في المصير؟ من أين جاء؟ وإلى أين يصير؟ ولماذا لا نعيش حياتنا كما هي فقط، دون أن نزعج أنفسنا بسؤال وجودنا؟ هل هو سؤال هام حقا؟ أم أننا نقول ذلك ليعطي بعض المتفلسفين لأنفسهم الحق في دراسة الأمر على أنه هام وضروري؟
لكننا في لحظات خاصة ومحددة في حياتنا نركن إلى أنفسنا ونسألها هذه الأسئلة وأكثر، نحاول الإمساك بحقيقة وجودنا وهدفه.
لحظة واحدة
الموت لحظة من لحظات الحقيقة حين تأخذك لحظة غرابة واندهاش وبَهْتٍ، وتركض روحك يمينا ويسارا خلف روح حبيب تحاول الإمساك به، وأنت تتساءل: أين ذهب؟ لنعد إلى اللحظة السابقة؟ وتنادي على الجسد الأصم: قم، فلا يقوم.
كل إنسان مرَّ بجوار الموت ومرَّ الموت بجواره -إلا أن يعبر من خلاله- لا يكونُ مندهشا من سؤال الوجود، فحقيقة انطفاء شعلة الحياة وبقاء جسد متحوِّل سيتحلل هو ما يعود به الإنسان من هذه التجربة، إضافة لأهم سؤال يعيش الإنسان طيلة حياته في محاولة تفاديه وتناسيه، وهو سؤال الوجود: من أين ولماذا وإلى أين؟ ثم يصبح تجاهل الإنسان لهذا السؤال أقل من غرابة وصعوبة السؤال نفسه.
كيف يمكن للحظة واحدة أن تقدح شرارة ضياء في أظلم أعماق البشرية المجردة من مادية الحياة؟ وبالطبع سنجد إجابات متعددة بين المؤمن الواثق بوعد الله ووعيده، والشاك المتردد، والملحد الذي يقيس الحياة بمادتها، ويحرص عليها إلى أن يموت وقد لا يشغل نفسه باللغز الكبير.
ما أودُّ أن أقوله ليس عن الموت تحديدا، بل عن وعينا الذي ينفجر فجأة فيطال بالتفكير مناطق شائكة وصعبة وشاهقة، يبحث فيها عن تفكير وتفكُّر صِرْفٍ أو عن عِلْمٍ بما قاله المفكرون، لا والمهم أن الأسئلة الجوهرية والمركزية تطرق بين الحين والآخر باب العقل.
ولا يختلف المرض في تجربته بداية من مرض معتاد كالبرد إلى أعضل الأمراض كالسرطان مثلا، فالإنسان يقف عاجزا أمام المرض الذي يجعل أعتى الأشخاص دهاء وقوة عضلات مسكينا يستحق الشفقة والرعاية لو أصيب بنزلة برد هدَّت جسده وسلبته الطاقة.
الحزن الشديد كذلك، فالدموع تغطي الروح كما يمكن لمياه البحر أن تغطي جسد الإنسان، والعجيب أن كليهما يمكن أن يُغْرِقَ الإنسان، الحزن يأكل الروح ويحرق الرغبة في الحياة، إنه كالنوم موتة صغرى، ويترك أسئلة صعبة نحو: لماذا؟ لماذا أنا؟ لماذا ظلمني فلان؟ لماذا حظي عاثر؟ إلخ.
ما مصير الإنسان لو لم يكن مؤمنا بالله؟
الحياة مع تقدم العمر تبدو أكثر قسوة وخالية من عالم الأحلام الذي يتلاشى مع المسؤولية، وللأسف الأمان الاجتماعي ليست صناعة أو بضاعة يمكن لرجل واحد أن يصنعها أو يشتريها، إنها منظومة أخلاقية وخدمية معقدة، وغيابها وضعفها من أعمق مشاكل الرجل الناضج المثالي الأخلاقي، وتطرح سؤالا صعبا هو كيف أعيش؟
وللأسف إذا رغبتَ في بذل كل طاقتك لتعزيز هذه البضاعة فإنها صناعة طويلة الأمد، وقد تبوء بالفشل، وتحتاج صبرا عظيما، ونتائجها قليلة، وقد لا تظهر.
تنتابنا لحظات التفكير هذه وكثيرا ما يكون الحلُّ في مواجهتها تجاهُلَها، فيصبح تجاهلنا لها عملا يصعب عليَّ وصفه خاصة ونحن متأكدون من تجدد الأسباب التي ستحوجنا إلى التفكير في هذه الأسئلة من جديد، ومن الغريب أنني لا أستطيع أن أصف هذا التجاهل والتجدد ثم التجاهل والتجدد.
ويمكنني أن أقول في الختام: ما مصير الإنسان لو لم يكن مؤمنا بالله؟ كيف سيطمئن قلبه في خضم هذه الأمواج العاتية التي هي في رأيي أكبر من عقله وأضخم من قلبه وشعوره؟
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
{وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55]
اقرأ أيضاً:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا