مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

العقل والتناقض – الجزء الأول

لو أنك سألت ملحدًا: لماذا ألحدت؟ ربما قال: ألحدت لأنني وجدت أن بالقرآن تناقضًا! وهو لا يعرف ما العقل ولا ما التناقض! وقد تحدى القرآنُ الحكيمُ البشريةَ كلَها أن تجدَ فيه تناقضًا واحدًا، “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا” (النساء/82)، ولا يزال هذا التحدي قائمًا إلى قيام الساعة “قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين” (البقرة/111).

إذن سنتحدث في هذه الدردشة -صديقي القارئ صديقتي القارئة- عن موضوع مهم هو: العقل والتناقض، ولنحاولُ الإجابةَ عن التساؤل الآتي: ما التناقضُ ومتى يحدثُ؟ ومتى يجوز لنا -عقلًا ومنطقًا- أن نقولَ عن نصٍ من النصوص أن به تناقضًا؟

ما التناقض؟

التناقض: “هو اختلافٌ في القضيتين يقتضى لذاته أن تكون إحداهُما صادقةً والأخرى كاذبةً”. كقولنا “زيد إنسان” و”زيد ليس بإنسان”. فإنهما قضيتان (والقضية: هي الخبر الذي يصح أن يوصف بالصدق أو الكذب) مختلفتان اختلافًا يقتضي -لذاته- أن تكون الأولى صادقة والأخرى كاذبة.

متى يقع التناقض؟

لكي نحكم بوقوع التناقض لا بد من تحقق شروط. وتنقسم شروطُ التناقض إلى قسمين رئيسين: قسم يتعلق باتحاد القضيتين في ثمانية أمور، وقسم يتعلق باختلاف القضيتين في ثلاثة أمور، وذلك على النحو الآتي:

القسم الأول: الاتحاد في القضيتين (الوحدات الثمان):

لكي نحكم بأن قضيتين متناقضتين يجب أن تكونا متحدتين في ثمانية أمور مشهورة يسميها المناطقة “الوحدات الثمان”: الموضوع، المحمول، الزمان، المكان، الشرط، الإضافة، الكل والجزء، القوة والفعل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك
“الموضوع”:

يحدث التناقض بأن يكون الموضوع في القضيتين واحدًا. أما إذا اختلفتِ القضيتان في الموضوع، بأن لا يكون الموضوعُ فيهما شيئًا واحدًا، مثل “الإنسان ناطق” مع “الفرس ليس بناطق” لا يوجد تناقض، إذ الموضوع في إحداهما “الإنسان” وفي القضية الأخرى “الفرس”، شيئان مختلفان غير متحدين.

أما قولنا “الإنسان ناطق” مع “الإنسان غير ناطق” ستكون القضيتان حينئذ متحدتين في الموضوع “الإنسان” فيقع التناقض.

“المحمول”:

يحدث التناقض بأن يكون المحمولُ في القضيتين واحدًا. أما إذا اختلفتِ القضيتان في المحمول، بأن لا يكون المحمولُ فيهما شيئًا واحدًا لم يتناقضا مثل: “الإنسان حيوان” مع “الإنسان ليس بحجر”.

“الزمان”:

يحدث التناقض بأن يكون الزمان في القضيتين واحدًا. أما إذا اختلفت القضيتان في الزمان فلم يتناقضا، مثل: “الشمس مشرقة في النهار” و”الشمس ليست بمشرقة في الليل” ليس تناقضًا، إذ الزمانُ فيهما ليس واحدًا.

“المكان”:

بأن يكون المكان في القضيتين واحدًا. أما إذا اختلفتِ القضيتان في المكان لم يتناقضا، مثل: “زيد قائم في الدار” و”زيد ليس بقائم في السوق”. ليس تناقضًا، إذ المكانُ فيهما ليس واحدًا.

“الشرط”:

بأن يكون الشرط في القضيتين واحدًا. أما إذا اختلفتِ القضيتان في الشرط لم يتناقضا، مثل: “الطالب ناجح آخر السنة إن اجتهد”، “الطالب غير ناجح إذا لم يجتهد”. ليس تناقضًا، إذ الشرطُ فيهما ليس واحدًا.

“الإضافة”:

يعني النسبة بأن تكون النسبة في القضيتين واحدةً. أما إذا اختلفت القضيتان في النسبة لم يتناقضا، مثل: “الأربعة نصف”، أي: “بالإضافة إلى الثمانية”. “الأربعة ليست بنصف” أي: بالإضافة إلى العشرة”، ليس تناقضًا.

“الكل والجزء”:

بأن يكون الحكم في القضيتين إما على الكل وإما على الجزء. لا أن يكون الحكم في إحداهما على الكل وفي الأخرى على الجزء، مثل: “زيد أبيض أسنانه” و”زيد ليس بأبيض كله”. ليس تناقضًا، لأن بياض أسنان زيد حُكمٌ على الجزء، وعدم بياض زيد حُكمٌ على الكل.

“القوة والفعل”:

بأن يكون الحكمُ في القضيتين إما بالقوّة (أي مجرد الاستعداد والقابلية) وإما بالفعل، لا أن يكون الحكمُ في إحداهما بالقوّة وفي الأخرى بالفعل، مثل: “زيد عالم بالقوة” أي لديه استعداد وقابلية لأن يكون عالمًا “زيد ليس بعالم بالفعل”. ليس تناقضًا، إذ الحكم في إحداهما بالقوة، وفي الأخرى بالفعل.

في دردشتنا القادمة- بإذن الله- نواصل الحديث عن القسم الثاني، الذي يتعلق باختلاف القضيتين، ويتضمن شروطًا ثلاثة.

اقرأ أيضاً:

10 عيوب في تفكيرنا

القول بأن الحقيقة نسبية اعتقاد باطل وشر

العقل والجدل 

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج