على لسان فاطنة أحمد عبد الغفار .. كيف نظر الأبنودي لعمل المرأة
من بين الأعمال الأدبية القليلة التي وثقت، وأرخت لمشروع بناء السد العالي في الستينيات، تبرز التحفة الخالدة (جوابات الأسطى حراجي القط العامل في السد العالي) للخال عبد الرحمن الأبنودي، ومن بين العديد من معاني الغربة، والفراق، والبناء، والتنمية، واللهفة، والاشتياق، والشعر المطَعم بالسرد التي يحويها هذا العمل الرائع، استوقفني أمر مختلف بعض الشيء عن طبيعة ورقة وعذوبة الرسائل المتبادلة بين الزوجين، ألا وهو نظرة الأبنودي وأهل بيئته وعصره إلى عمل المرأة على لسان فاطنة أحمد عبد الغفار زوجة الأسطى حراجي القط في تلك الفترة التي شهدت الكثير من التحولات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية في حياة المصريين.
اشمعنى الشغل تملي للرجالة!!
تخاطب فاطنة زوجها الأسطى حراجي في نهاية الخطاب السادس عشر متعجبة، وتعرض عليه أن تعمل مثله وتتساءل ماذا كان سيحدث في العالم إذا خلق الله الجميع نساءً:
فيه كلمة لسه باقية يا حراجي
اشمعنى الشغل تملي للرجالة!!
أومال الناس كانت راح تعمل كيف
لو ربنا بس خالقها كلها نسوان
وتعدد فاطمة/ فاطنة مقوماتها، ومميزاتها الشخصية التي تجعلها مؤهلة للعمل كتفا بكتف مع الرجال فتقول:
طب أنا دلوقت في عز شبابي وعفية
أقدر أشيل وأنحت وأعبي وأشمر عبي وأقل
زي الرجالة تمام وأكتر
وتحاول إقناع أصحاب العمل باستقدام النساء قائلة:
هي أصحاب الشغل ده مش ليها الشغل وبس؟!
مالها إذا كنت أنا راجلة ولا مره؟
أهو واحدة ضمن الأجراء
وتحاول فاطنة إغراء حراجي بفكرتها، وإقناعه بالعوائد الاقتصادية لعمل المرأة على المستوى الأسري، مما يساهم في تحسين دخل الأسرة، والارتفاع بمستوى معيشتها، فتقول:
اشتغل اليوم وأقبض أجرة
يعني بدال ما يخش البيت في الجمعة رطل لحمة
يبقوا رطلين
مش شورة مليحة دي يا أبو القط؟؟
وتستنكف فاطنة مرة أخرى حصر المرأة في الأعمال المنزلية التي تعتبرها بسيطة قياسًا على ما تتمتع به بعض النساء من إمكانيات جسدية، وجلد، وقوة تحمل فتقول:
واحدة عفية زيي يخلوها للشيل والحط
مش ملي الجرة والكنس!!
وتعود فاطنة مرة أخرى لتبدد مخاوف، وشكوك أرباب الأعمال، وتحاول وضع معايير، وضوابط للمرأة عند خروجها لسوق العمل فتقول:
هي أصحاب الشغل دي مش ليها الشغل وبس؟!
والواحدة مدام في الشغل كأنها في البيت
مستورة.. ومتحشمة.. وعينيها مش طايرة
مش تبقى خلاص راجل؟!
وفي نهاية الخطاب تصطدم وجهة نظر فاطمة الحالمة آنذاك بنظرة المجتمع (جبلاية الفار) المتحفظة، والمعارضة لعمل المرأة، واتهام الأزواج لها بتأليب زوجاتهم، وتحريضهن على الخروج للعمل فتقول:
النبي لو قلت ده للجبلاية لترد في وشي بيبانها
والنبي والرجالة ما تخليني أقعد مع نسوانها
ليتضح في ختام الرسالة نية فاطنة الحقيقية في رغبتها للخروج إلى العمل، وهي أمنيتها في إشباع ما أثاره فيها حراجي من فضول، وحب استطلاع لما هو خارج بيتها، وقريتها، وعالمها الضيق، ورغبتها الشديدة – التي ظهرت على مدار الرسائل المتبادلة– في مرافقة زوجها والاطمئنان عليه، فتعبر عن ذلك قائلة:
بس أنا برضه عاوزة أعرف إيه السد
مش حتى عشان أعرف جوزي راح فين
لما ركب القطر
وساب الدار
تمثل هذه الأفكار، والتساؤلات التي طرحتها فاطمة على زوجها حراجي بمنتهى الحماس، والبساطة، والتلقائية لسان حال العديد من النساء في ذلك الزمن القديم في بيئة كانت تمنع المرأة من الخروج للتعليم، ومن ثم العمل، وتعكس رغبة المرأة الحقيقية في مساندة زوجها، ومساعدة أسرتها، مع ضرورة الحفاظ على الثوابت، والقيم الأصيلة التي تربت عليها المرأة في بيت أسرتها، حتى لا يتحول عملها إلى استغلال جسدي، أو استنزاف نفسي.
مصادر:
اقرأ أيضاً:
حيرة “أتجوز وأقعد في البيت ولا أشتغل؟!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.