مقالات

العبودية الحديثة

معنى العبودية اليوم يختلف عن الماضي، الرأسمالية هي ما غيرت معنى العبودية.

حين طالبت الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر بشعار الحرية والإخاء والمساواة لم يكن معنى الحرية والمساواة أن يتم تحرير العبيد، ولا المساواة بين العبيد والأسياد!

كان معنى الحرية في الثورة الفرنسية هي حرية الامتلاك دون تدخل الملك، ومعنى المساواة هي مساواة المواطنين أمام القانون دون تمييز الأسرة المالكة وجعلها فوق القانون، لذلك استمرت العبودية والرق واستغلال المستعمرات الفرنسية أثناء وبعد الثورة الفرنسية في فرنسا وغيرها من بلاد أوروبا.

تغير معنى العبودية بعد القرن السابع عشر الميلادي!

العبودية والرق هي أن يتحكم شخص ما في حياتك ويمتلك كل تفاصيل حياتك، أن يمتلكك! قبل القرن السابع عشر كان السادة يعيشون مع العبيد في نفس المكان، وأغلب العبيد يكونون من نفس الجنس والعرق واللون، كانوا نتيجة حروب أو تسديدا لديون! عدد محدود، كان العبد يعيش في منزل سيده يساعده في الأعمال ويخدمه، لكن بعد القرن السابع عشر حدث أمر جديد، الرأسمالية!

تم زراعة آلاف الأفدنة من قصب السكر في الأراضي الجديدة في الأمريكتين، أصحاب هذه المزارع يملكون أسهما ويعيشون في أوروبا أو المدن الكبيرة، لم يروا في حياتهم هذه المزارع! فقط يعرفون أنها مكان استثمار للمال وينتظرون المزيد من الأرباح مقابل هذا الإستثمار.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وزراعة هذه المزارع تحتاج إلى أشخاص أقوياء يتحملون حياة قاسية جدا ورطوبة وأمراض _أمر لم يتحمله السكان الأصليين_ فتم شراء عبيد من أفريقيا وعمل شركات تجارة عبيد في لندن وباريس.

أصحاب الأسهم في هذه الشركات يعيشون في لندن وباريس وأمستردام ونيويورك، أناس طيبون مهذبون ويملكون المال ويستثمرونه في أشياء بعيدة اسمها تجارة البشر الأفريقيين! سفن وحراس وتجار ومزارعون ونقل وجنود، إلخ، تحول العبيد إلى أشياء، إلى أرقام!

ظهور خرافة الرجل الأبيض الحر

وظهرت خرافة أن الرجل الأبيض حر عظيم والرجل الأسود عبد حقير! ارتبطت السيادة بالعرق الأبيض، والعبودية بالعرق الأسود أو الآسيويين، تسببت تجارة الرقيق وزراعة قصب السكر في تعذيب وموت الملايين، تحولت إلى صورة من صور العذاب الرهيب الذي لم تره البشرية من قبل، كل هذا في سبيل إشباع نهم العالم لطعم السكر! وتحقيق ربح الشركات الرأسمالية، ورفع أسعار الأسهم في البورصات في البلاد البعيدة!

قبل القرن الخامس عشر كان أغلب البشر العاديين لا يعرفون طعم السكر، أو يأكلون منه كميات قليلة طوال حياتهم في صورة عسل أو فواكه، بعد تطور مزارع القصب في الأمريكتين تحول السكر إلى تجارة رابحة وجزء طبيعي من الطعام اليومي.

فقدت العبودية والرق الرحمة الطبيعية التي كانت موجودة، حين كان العبيد والأسياد يعيشون في نفس الظروف والحياة، تحت نفس السقف في مزرعة صغيرة أو بيت متوسط، يعملون معا في مكان قريب ومشروع صغير، حين كان السيد يعتبر نفسه أبا ومسؤولا عن رعيته والتي تضم العبيد كما تضم الأبناء، وكان العبيد يعتبرون أنفسهم وقتها أنهم جزء من العائلة.

صور مختلفة من العبودية

معنى العبودية تغير مع الرأسمالية وصنع عبودية بشعة، هي التي نسمع قصصها ونرى صورها اليوم في الكتب، قصص العبودية الأمريكية للسود. ولكن حتى بعد تغيير القوانين وإلغاء العبودية والرق صنعت الرأسمالية صورا مختلفة من العبودية:

-1- عبودية الرقيق

-2- عبودية الاستعمار واستغلال البلاد، حيث يعيش أهلها في نفس الظروف البشعة، بينما يمتص دماءهم أشخاص أغنياء لا يشعرون بهم ولا بمعاناتهم، يعيشون في بلاد بعيدة يجمعون المزيد من الأرباح للشركات والبورصات والأسهم! شركات المحاجر والمناجم والمطاط والكاكاو والإلكترونيات، وصناعة الملابس ومصانع جنوب شرق آسيا ومحاجر أفريقيا.. إلخ.

-3- عبودية المصانع والشركات، حيث يستغل صاحب المال والشركة من يعمل عنده، أشخاصا لا يعرفهم ولا يشعر بهم فقط يمتص دماءهم إلى آخر قطرة كي يحقق المزيد من الأرباح، بينما يعيش السيد الغني في بلد آخر وعالم آخر، قد يكون شخصا طيبا كريما، يذهب إلى الكنيسة كل أحد للصلاة، ويتبرع للخير، ويحب الأطفال! لكن أمواله تأتي من دماء ضحاياه وأسرهم في المستعمرات، أو العبيد في مزارع السكر، أو العمال والموظفين في شركاته عبر البحار.

الرأسمالية هي ما صنعت عبودية بشعة، ولا تزال مستمرة في استعباد البشر حتى اليوم، العبودية لم تنته! لأن الرأسمالية لم تنته.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

خطايا الرأسمالية

اليوم العالمي للقضاء على الفقر

رأسمالية الكوارث

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس