حقيقة الفلسفة
رب سائل يسأل لم الفلسفة؟ وما الفائدة من دراستها؟ وما تفيدنا في واقعنا المعيش؟ وأقول المعيش بمعنى حاضرنا وحياتنا، وهل قراءة الفلسفة تحتاج إلى معلم؟ أم أن كل إنسان يستطيع أن يقرأها ويحلل قضاياها دون استرشاد بأحد؟ بمعنى هل يكفي الكتاب وحده؟ ثم ما قضايا الفلسفة المهمة؟ وما الإشكاليات التي تثيرها؟ وما مباحثها؟
نبدأ بمحاولة وضع تعريف لها، ليس تعريفا تقليديا يعتمد على الحفظ، وإنما نحاول أن نجتهد معا في وضع تعريف لها من عندياتنا هل هذا ممكن؟ أقول من الممكن أن يكون ممكنا، إذن نحن الآن أمام نظرية الإمكان، فلنفترض أن زيدا قدم تعريفا لها قائلا: “هي وجهة نظر خاصة بكل واحد في قضية عرضت أمامه”، أقول يا زيد هذا رأيك ولا أعارضك فيه.
وقد يقدم عمرو تعريفا لها يقول: “هي اتفاق بين الجميع على رأي واحد حيال إشكالية محل الدراسة”، كأن أقول الله موجود، لكن هل الجميع يتفق علي ذلك؟
إذا اتفق أصحاب الديانات السماوية على ذلك لا يتفق مدعوا الإلحاد، أو الطبيعيون الذين يخلعون على الطبيعة هالة من التقديس، إذن ليس ثم اتفاق على هذا الأمر، إذن السمة الغالبة على من يدرس الفلسفة أنهم اتفقوا على ألا يتفقوا.
وازع البحث والتأمل
لكننا نرى أن الفلسفة وجهة نظر رأي يعترض عليه برأي آخر وتلك سنة كونية، لكن من الممكن أن نضع فرضية أن الفلسفة ودراستها حب، أي لا تقبل عليها إلا إذا كنت تحبها فعلا، وحبك لها بوازع من حب البحث والنظر والتأمل من أجل الوصول إلى المعرفة واليقين الذي يقودك بالضرورة إلى الحكمة أي الحكمة في مثلا وجود الإنسان، وجود الكون، الحكمة في وجود الموت، الحكمة في وجود ما يسمى بالخير والفضائل، الحكمة في وجود مايسمى بالشرور ويظن كثير من الناس أنها شرور ورذائل،
إذن ثم وازع داخلي يدفع الإنسان دفعا إلى البحث والتأمل، فالإنسان باحث بفطرته دأبه وديدنه الوصول إلى كنه الحقيقة، ومن ثم يوظف جل طاقته للوصول إلى مبتغاه فكل إنسان فيلسوف بفطرته، وشاهدي على ذلك الطفل منذ نعومة أظافره يسأل أسئلة فلسفية، مثل: أين الله؟ أين الجنة؟ أين النار؟ لماذا خلقنا الله؟ وهذه الأسئلة في حقيقة الأمر جوهر الفلسفة التي هي إثارة التساؤلات، لم وكيف وأين ومتى.
أهم تعريفات الفلسفة
لذلك نجد من أهم تعريفات الفلسفة هي معرفة حقيقة الوجود بما هو موجود، بحثا يكشف واقع ما عليه الواقع وفق القواعد المنطقية، وقد استطاع العقل الفلسفي إثبات الكثير من تلك الحقائق وأقام عليها البرهان والدليل الواقعي.
وهذه التساؤلات سئل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أتى إليه وفد من اليمن ليتفقهوا، قالوا: “يا رسول الله أخبرنا عن بدء الأمر _أي بدء الخلق_ قال : “كان الله ولم يكن شيء وكان الله وأوجد كل شيء وكان عرشه على الماء”، والرسول ترك المسألة معلقة حتى نبحث عن حقيقة خلق العالم، والعرش على الماء والرحمن على العرش استوى وكيفية الاستواء في قوله تعالى: “الرحمن على العرش استوى”، فالسيدة أم سلمة قالت: “الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فوجوبية الإيمان لأهل الإيمان، وليس كل أهل الإسلام أهل إيمان”.
ومن هذه الإجابة قد تكون شافية عافية لرجال الدين، لكن قد تكون في حاجة إلى أدلة برهانية عند أهل البرهان، أهل الفلسفة، ومن ثم بدأت تظهر على الساحة الفلسفية العديد من الآراء حول العالم بين من قال بحدوثه أي خلقه وبين من قال بقدمه، أي موجود منذ القدم، كذلك الذي يدفع الإنسان إلى البحث الفلسفي الدهشة حينما ينظر الإنسان بعين عقله إلى الترسيمة الكونية بنظامها واتقانها وغائيتها، يستشعر رغبة من داخله إلى البحث عن الحقيقة، حقيقة العلة الفاعلة التي أتقنت كل ذلك.