مقالات

منتجعات السعادة

بدأت إحدى الشركات إعلانها لمدينتها الجديدة ببعض المشاهدة الواسعة على مختلف الأماكن من مدينتها باحترافية مصور ومخرج ليخرج الإعلان في شكل شديد التشويق، مع أقوال تمدح تلك المدينة بشكل يغلب عليه طابع التضخيم ولحن خلفي يشعل المُشاهد حماسة ويحرك عاطفته أمام ما يراه من مَشاهد غاية في الجمال أو بالأحرى مثالية؛ فكل من يعيش في تلك المدينة يجد كل ما يريد ويحظى بالسعادة. لكن من الغريب أن أقوال الناس المشاركين في الإعلان لم تخرج عن إطار معين ألا وهو الاستهلاك، وكأنهم يقولون: ستجد في مدينتنا كل ما تحتاجه من الاستهلاك.

هل تلك هي السعادة؟ هل يشكل الاستهلاك الشرط الأساسي لتحققها؟ هل لها أماكن معينة دون أخرى؟ هل نظافة الشوارع وجودة الوسائل المتاحة والمرافق وأماكن الترفيه هي فقط معايير تحضر المجتمعات؟

كيف يتم خداعنا؟

غالبا ما يمدح البائع بضاعته، فإن صدقه المشتري ولم يملك الخبرة الكافية لفحص ما يقول ومقارنته بالمنتج حتما هذا يصل به إلى أن يتم خداعه، وكذلك التسويق لأي منتج أو فكرة فإن لم يملك المرء معيارا قياسيا يطرح عليه ما يتم عرضه في الأغلب سيتم خداعه.

فإن لم نعي معنى السعادة صاغ لنا كل صاحب فكرة أو منتج مفهوم لها بما يتماشى مع مصلحته، فيتم خداعنا طالما لم نعرف السعادة بمفهومها الحقيقي. وهذا ما فعله الفكر المادي في أغلب عقول شعوب العالم، فأنت عظيم القدر بما تملك من مال وسعيد طالما تستهلك ومتحضر طالما تسكن في مدن بها جميع ما تحتاج من منتجات استهلاكية.

وهنا يظهر السفه وتغييب العقول الذي وصل بها الفكر المادي إلى هذا الحد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كشف الخداع

هل لن أحصل على السعادة إلا في تلك المدينة ؟ هل إن لم أستهلك منتجاتهم لن أحصل على السعادة؟
هل يوجد محل إذا يبيع السعادة لأشتري منه ولو كيلو؟

أعتقد أنك عزيزي القارئ قد ضحكت من سؤالنا هذا أو ربما أغضبك لما يحمل من سفه.
ولكنه في الحقيقة يشبه ما يقدمه الفكر المادي، ولكن مع اختلاف كبير يأتي في بهارات طبختهم حتى تتلذذ بأكلها ومن ثم تخضع لأثر هذا السم.

ولأن الأفكار حين تتركب يصعب على المرء كشف خداعها كان أوجب علينا أن نتسلح بأداة تفك التشابك وتتحر أصل كل فكرة قبل أن نقبلها ونتبعها.

وكانت تلك الأداة في زمن يعود إلى أثينا وعلى يد مفكر وفيلسوف يدعى سقراط سر تحرر الكثيرين من أبناء عصره من أفكار النفعيين الذين يتشابهون مع من في عصرنا في غايتهم ألا وهي خداع العقول بعد إجراء عملية غسيل لها وإعادة تشكيل مفاهيم أخرى للمبادئ والقيم بما يناسب مصالحهم .

وهنا عزيزي القارئ أترك لك بابا عريضا من الأسئلة لعلها تكون باب خروجنا من الأغشية التي وضعوها على عقولنا فعمونا بها عن الحقيقة .

إن كانت السعادة مسعى كل امرئ فلماذا إذًا يختلف الكثيرون في وصفها وتعريفها؟
وهل نحن كبشر نستطيع أن نصف مفهوم السعادة بالشكل السليم بناء على الواقع الذى تفيد به حقيقة تكويننا؟

هل والدي ووالدك قد عرّف لهم الأجداد التعريف السليم للسعادة؟ ماذا لو كان تعريفهم خطأ؟ هل تصبح حياتهم خارج الطريق السليم للحصول على السعادة؟ وماذا عن فترتنا تلك التي حييناها ونحن نبحث عن السعادة؟

هل اتباعنا لأفكار الأولين بدون وجود دليل واقعي على تلك الأفكار يجعلنا حقا نعيش بحرية؟

والسلام عزيزي مع تمنياتنا لك ببلوغ سعادتك

اقرأ أيضا:

فلسفة التغيير …. طريق المعرفة والسعادة

الاستهلاك

 الحياة والركض وراء السعادة

محمد سيد

عضو بفريق بالعقل نبدأ أسيوط