مقالاتقضايا شبابية - مقالات

فلسفة التغيير …. طريق المعرفة والسعادة

عندما نتحدث عن مفهوم ” التغيير ” فإننا نتحدث عن كل ما هو مرتبط بالإنسان ويمكن تغييره، كالمعتقدات والعادات والأخلاق والبيئة المحيطة ومجال العمل والدراسة والأصدقاء وأسلوب المعيشة وغير ذلك… مما يشكل ويؤثر فى شخصية كل واحد منا، ويعد بالنسبة إليه منطقة الأمان التى لا يسمح لأحد بالمساس بها إلا إذا أذن له هو بذلك، وإذا نظرنا لمواقف كثير من الشباب فى هذه الأيام من “التغيير” سنجد أننا نتأرجح بين تيار معادٍ تماما للتغيير، وآخر يرى بأن التغيير هو الثابت الوحيد فى حياة كل باحث عن السعادة والنجاح، فهل التغيير فى ذاته هو سبيل النجاح والسعادة؟ ولماذا يرفض البعض التغيير؟ ومن منهم على صواب يا ترى؟

لنتمكن من الإجابة على تلك التساؤلات ولكى نصل إلى المفهوم الحقيقى للتغيير علينا تحليل رؤية كل تيار على حدة.

معاداة التغيير

يمكننا تقسيم الفئات المعادية للتغيير لثلاث فئات مشتركين فى النتيجة ولكن بمقدمات مختلفة:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الفئة الأولى: ترى بأنه إذا كان المقصود بالتغيير “الانتقال من حال إلى حال أفضل” فهم فى غنى عنه! لماذا؟ لأنها مكتفية بما توصلت إليه، فلا يوجد ما هو أفضل أو أصح من ما لديها، فكرًا كان أو فعلًا، وبمعنى أوقع فصاحب هذه الرؤية يرى بأنه قد “وصل للقمة” فلماذا يسعى لإخضاع أفكاره أو أهدافه أو أسلوب معيشته إلى الفحص والاختبار ليرى ما إذا كان هناك ما هو أفضل أو أصح من ما هو عليه؟!

أما الفئة الثانية فيمكن تلخيص رؤيتها فى أن “اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفهوش” وهذه الفوبيا أو الخوف من اهتزاز المعتقدات عند اختبارها تعنى أن أصحاب هذه الرؤية قرروا تعطيل ما يميزهم عن سائر المخلوقات ألا وهو “العقل وحرية الإرادة” واختاروا أن يضعوا مصيرهم فى أيدى “آبائهم أو البيئة التى نشأوا فيها” أو فى يد “من يستطيع توجيههم وفق مصلحته” وقد نكون نحن أيضا من هؤلاء دون أن نعى ذلك!

أما الثالثة فيمكن أيضا تلخيص رؤيتها فى أنه “مفيش فايدة”، لماذا؟ إما لأنهم خاضوا تجربة وفشلوا فى مساعيهم أو لأنهم رأوا من خاضوا التجربة وفشلوا أيضا فى مساعيهم، وهذه العقلية التجريبية التعميمية تتلاطم وتتأرجح صعودا ونزولا دون أن تتساءل عن أسباب الصعود والنزول، فتظل مجرد “رد فعل” عاطفى، وفى أغلب الأحوال يلجأون إلى تعميم النتيجة التى وصلوا إليها “مفيش فايدة” وحتى لا نقسو عليهم فى الحكم، فإن أثر التجربة الفاشلة على النفس يكون مؤذيًا جدا، كتجارب الزواج أو تجارب الإصلاح المجتمعى التى باءت بالفشل، ولكن العاقل لا يركن إلى هذه الحالة، بل يبدأ فى التفكير فى أسباب عدم النجاح، ويستحضر فى نفسه الأمل المستمد من مصدر النجاة الحقيقى سبحانه وتعالى.

التغيير من أجل التغيير

وعلى النقيض يرى التيار الآخر أن التغيير سنة الحياة، والإنسان العاقل هو من تخلص من كل ثابت على المستوى الفكرى والمهارى وحتى الأخلاقى؛ فالثبات مصدر كل صراع وألم وملل وفتور، ولا سبيل للحياة السعيدة والناجحة إلا بأن يكون التغيير هو الثابت الوحيد فى حياة كل منا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد تبدو هذه الرؤية فى بداية الأمر واقعية، ولكن إذا قمنا بإسقاطها على الواقع سنجد أن مجتمعًا بلا قوانين وثوابت أخلاقية ما هو إلا مجتمع تسوده الفوضى والصراعات المستمرة، فهناك تفاوت فى القدرات والفرص والاشتراك فى كثير من الاحتياجات المادية والمعنوية، وإذا لم يكن هناك ثوابت وقوانين تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع وتوحده، سيتحول إلى غابة، الحق فيها مع القوى، والذى أتيحت له الفرص وليس العكس، هذا على المستوى المجتمعى، أما على المستوى الفردى، فإذا نظرنا لحال الشباب المنتمين لهذه الفئة سنجدهم فى غاية التشتت على المستويين العملى والفكرى، تشتت يصل لحد تبنى الفكرة ونقيضها أو الحياد التام حتى فى أشد القضايا المصيرية وضوحا، وذلك نتيجة عدم وجود غاية واضحة لأفعالهم ونتيجة عدم وجود ميزان واضح لتقييم الأفكار، فتجدهم لا يدعون نشاطًا أو محاضرة أو تدريب إلا ويشتركون فيه ولا يجدوا فكرة جديدة إلا وتبنوها، وإذا سألتهم “لماذا؟”  لن تجد لهم رؤية وغاية واضحة يسعون لتحقيقها من حضورهم هذه الأنشطة إلا التغيير فى ذاته، وإذا سألتهم لماذا تبنيتم هذه الأفكار وتركتم تلك، لن تجد لديهم سببًا منطقيًا حقيقيًا، وذلك بسبب غرقهم فى “كم” معلوماتى دون “كيف” أو ميزان واضح يساعدهم على تحليل هذا الكم…

التغيير الواعى

ويمكننا أن نخلص مما سبق إلى أن التغيير مطلوب، ولكن ليس لذاته بل من أجل غاية، والأهم أن يكون عن وعى بصحة الطريق والاقتراب قدر الإمكان من الوسائل المؤدية للغاية من السير فى ذلك الطريق، حتى لا نقع فى أخطاء التيارين “المُفرّط والمُفرط” فيكون تعريفنا للتغيير أنه السعى للانتقال من حال إلى حال أفضل؛ نتيجة “الوعى” بماهية الأفضل، الأمر الذى يأخذنا إلى تعريف “الوعى”، والذى يقول عنه د/ يحيى هويدى “إنه نوع من التفكير الكلى البعيد عن الحياة اليومية المباشرة، واعتبار أن دنيا الواقع هى دنيا العمل والسلوك وليس الاستقرار”… ومعنى كلمة تفكير “كلى” فى هذا التعريف أن نفكر فى المعانى التى تحكم تصرفاتنا ونتأكد من فهمنا الصحيح لها كالنجاح والسعادة والحرية والانتماء والزواج… وفى الغايات التى نسعى لتحقيقها من وراء كل ما نفعل ونختار وأن لا ننغمس فى روتين الحياة اليومية لدرجة تجعلنا مجرد آلات أو تروس تعمل دون تساؤل وتسير بلا معنى حقيقي لأفعالها، والأهم إدارك أن المطلوب هو العمل والسعى المستمر وليس الاستقرار لأنه ليس من الطبيعى أن يستقر الإنسان فى وقت الاختبار وفرص التطور.

خلاصة

وخلاصة القول أننا لا يجب أن نبحث عن شريك حياة دون أن نتساءل عن معنى “الزواج” والغاية منه، ولا ننغمس فى تحصيل المعلومات وحضور المحاضرات وتبنى الأفكار والمعتقدات دون وعى “بالكيف” الذى سيجعل هذا الكم مثمرا ويحمينا من الوقوع فى التناقض فكرا وقولا وفعلا، ولا نهدر حياتنا فى العمل وجمع المال دون تساؤل عن معنى “النجاح” الحقيقى ولا نتبع أنظمة المعيشة السائدة المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية والأنظمة الغذائية وكل ما يخص المنظومة الاستهلاكية دون فحص وتأمل وتساؤل عن مدى تحقيقها للسعادة، الأمر الذى يصعب تحققه فى حالة عدم فهمنا لمعنى كلمة “سعادة”، إنها حالة من التفكير فيما يجعل الإنسان إنسانا ويميزه عن غيره من الموجودات، حالة من التفاعل الواعى مع الواقع، حالة من اليقظة والرغبة، يقظة تشعرنا بأننا كائنات عاقلة ورغبة فى تحقيق وجودنا الفاعل والمؤثر وليس مجرد الوجود والاستمرار فيه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

اقرأ أيضاً:

ثلاثية فساد التعليم

دور المعلم في إحداث التنمية

نحو عناية أشمل بصناعة الإنسان

اضغط على الاعلان لو أعجبك

محمد خيري

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة

مقالات ذات صلة