مقالات

ووهان الصّامِدة

يعتبر الابن امتدادا لوالديه يرثهم في الصفات كالشجاعة والكرم وطيب المعاملة والطباع والأخلاق، وإذا ما وقع في ضائقة نزلت به أو خَطَر أحاطه سرعان ما يتدخّلون لإزالته ليعيش في أمان وسلام ورغد العيش وراحة البال.

لقد ضربتْ ووهان المثل الحيّ للابن البار الطائع لوالديه الذي تشرّب إرشاداتهم ونصائحهم ولم يخرج عنها قيْد أُنْملة فطبّق التعاليم بحذافيرها، فكان بحق امتدادًا طيبًا ومَثَلًا يُحتذى.

إننا نتكلم عن ووهان الجميلة المدينة التي تعيش بأمان واطمئنان وانتعاش اقتصادي ورواج تجاري، وفجأة انقلبت الموازين وتبدّلَت الأحوال وأصابتها النكبة وانتشر فيها فيروس (كوفيد 19) انتشار النار في الهشيم، فحَصَدَ الأرواح وأوقفَ الحركة وحوّلها إلى مدينة أشباح.

سيطرة حكومة الصين على الوباء

ولأنّ حكومة الصين المُتمرّسَة على السياسة تستعد دائمًا لأي طارئ مهما كانت قوّته بِعِلم ونظام وحماس استطاعت في وقت وجيز السيطرة بالاستنفار العام والتكاتف الحكومي والشعبي الوقوف صفًا واحدًا ويدًا واحدة مع بث العزيمة ورفع الروح المعنوية (اصْمدي ووهان) أن تتغلّب على هذا الوحش الكاسِر والأسد المُزمْجر.

لقد رأيتُ فئات الشعب المختلفة عبر جميع المنصّات يُشجعون هذه المدينة، عبر المُلصقات واللافتات والفيديوهات والمقاطع الصوتية من الكبير والصغير والرجال والنساء ومجموعات المدارس والجامعات، تشجيعًا تدمع له العيون وتخشع له القلوب، مع مواساة وتشجيع وتعاطف العرب والأجانب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وما أشبه الليلة بالبارِحة، فالإغلاق الذي بدأته الصين أوّل مرّة لبناء نفسها والاعتماد على رجالها ومُقدّراتها، هِيَ هِيَ صين العصر الحديث التي استطاعت أن تُغلق على نفسها مع تفشّي الوباء الفتّاك بالعِلم والعقل والحَذَر والثقة بالنفس، فتُداوي جِرَاحها وتُضَمِّد جَرْحاها وتَذْكُر موتاها.

وبعد أن سيطرت على الوباء في ووهان (البؤرة)، ثم باقي أنحاء الصين، التَفَتَت إلى دول العالم الشقيقة التي يجمعها بهم مصير واحد مُشترَك، وتتقاسَم معهم الأفراح والأتراح والسعادة والآلام، ساعَدت بخبرتها وأبحاثها ونتائج دراساتها وأيضًا بالأدوات والآلات التي تُساهم في مُكافحة وباء كورونا المُستجد والقضاء عليه.

فالثقافة الصينية تتسلّمها الأجيال جيلًا بعد جيل، كالراية في الميدان يُسلّمها القائد لِمَن يليه حتى تستمر مرفوعة خَفّاقَة تُرفرِف في الفضاء الوسيع، فتبث روح التحفيز والوطنية في نفوس جموع الشعب المُحِب للسلام.

 انتاج اللقاحات

لقد كثرت التكهنات والأحاديث الجانبية السرية والعلَنية بأسباب ظهور الفيروس في مدينة (ووهان) مقاطعة (هوبي)، وتضاربت الأقوال والتخمينات حول هذا الفيروس: هل هو من صُنع البشر؟ أم من الحيوانات المُختلطة بالإنسان؟

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، هل هو مُصنّع في الصين ثم انقلب السحر على الساحر؟ أم أنّ أمريكا هي التي قامت بهذا الدور نِكاية في الصين؟ لكي تحِدّ من تطوّرها وغزوها العالم بمنتجاتها وتجارتها واقتصادها الذي ينمو بسرعة البرق.

كل هذا لا يهمنا الآن فنحن لسنا بصدد بحث عِلمي، أو ضبط وتحديد العلاقات الدولية، أو في لجنة فض المنازعات، أو في محكمة وننتظر حُكمًا نهائيًا لنعرف مَن هو المُذنب (تكلمتُ عن هذا في كتابي: خواطر ومقالات أخرى).

بدأت الصين كعادتها في محاولة اكتشاف لقاحات للقضاء على هذا الوباء فسخّرَت عُلماءها ومعامِلها ومُختبراتها لمحاولة التوصل لعلاج ناجع وسريع ومضاد لكوفيد 19 بإقرار من مُنظمة الصحة العالمية، فأنتجت سينوفارم، وسينوفاك، إلى غير ذلك من اللقاحات، هذا إلى جانب ظهور لقاحات عالمية مثل: (أكسفورد- أسترازينيكا) و(فايزر- بيونتيك)، وجونسون أند جونسون.

ضرورة التعاون لمواجهة المخاطر

إنّ فتْح آفاق التعاون بين شعوب العالم وحكوماته تُمهّد الطريق للتعاون المُثمر والجاد للوقوف في وجه المخاطر، كجائحة كورونا، والزلازل، والبراكين، والأعاصير، والحرائق، التي تودي بحياة الآلاف وتهدم المنازل وتشرّد الأسر ويفقد بعضهم بعضًا،

وما إعصار تسونامي، ويعني موجة الماء التي أصابت إندونيسيا بأضرار جسيمة عام 2004، وزلزال تسونامي 2011 الذي ضرب الساحل الشمالي الشرقي لليابان، وأصاب الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وإعصار شاهين العام الحالي 2021 الذي اجتاح سلطنة عُمان، وشرق اليمن عنا ببعيد.

لا شك أنّ رفْعَ لِواء الإنسانية من أنبل وأشرف الأوسمة لكي يعيش العالم حقبة هادئة سعيدة بعيدة عن الحروب والكراهية والدمار والتربُّص، ويتمثّل ذلك في التجاوب والمساعدة للمحتاج دون مَنّ أو أذى أو انتظار مُقابِل أو وصاية أو عائد على مستوى الأفراد والشعوب.

اقرأ أيضاً:

المُعلم في الفكر الصيني

الصين تحارب الفقر

الصين وأمريكا عملاقان متصارعان

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر