مقالات

هل نثق في لقاحات كورونا؟ – الجزء الثاني

ذكرنا في الجزء الأول معلومات عن كيفية إنتاج اللقاحات، وبعض الدروس التي أفادت البشرية في إنتاج لقاحات كوفيد 19، ونستكمل رحلة اللقاح في هذا الجزء.

إجراءات غير اعتيادية لإنتاج لقاح كوفيد 19:

عادة ما كانت تتم الخطوات السابقة على مدار سنوات، لكن في حالة فيروس كوفيد 19 تم تسريع العملية لتنتهي خلال أشهر، لكن مع الاحتفاظ بكل المعايير العلمية سابقة الذكر، ومع وجود رقابة من هيئات صحية حكومية على عمليات تطوير اللقاح والتأكد من تحقق كافة المعايير حسب ما أعلنت الدول، ففي الولايات المتحدة مثلا لم يكن مسموحا للباحثين بالانتقال من مرحلة تجارب للمرحلة التالية إلا بعد الحصول على موافقة هيئة الدواء والغذاء والتأكد من صحة المراحل السابقة.

أيضا تم السماح بترخيصات طارئة للقاحات لمواجهة الأزمة، هذه الترخيصات تكتفي بفعالية 50% للقاح كي تمنحه الموافقة الطبية، حيث أقرت منظمة الصحة العالمية والولايات المتحدة هذه الفعالية المنخفضة واعتبرتها كافية لحصول اللقاح على الترخيص، بسبب الأزمة العالمية الطاحنة، وفي جميع الأحوال فإن اللقاحات الأكثر شهرة حققت فعالية أكثر من هذه بكثير.

والترخيص الطارئ يعني أن اللقاح يحتمل أن يكون فعالا، وأن الفوائد من استخدامه أكبر من الأضرار التي ستحدث في حال عدم استخدامه حسب ما لدينا من معلومات.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كما بدأت الشركات بإعداد خطوط الإنتاج بل وإنتاج اللقاحات على نطاق واسع حتى قبل نشر نتائج المرحلة الثالثة وقبل الحصول على التراخيص، فالشركات التي أظهرت لقاحاتها نتائج واعدة بدأت بالإنتاج فورا قبل الحصول على باقي الموافقات، وبعد أن حصلت على الموافقات بدأت التوزيع.

كما أنتجت بعض الشركات لقاحات مطورة بتكنولوجيا الحمض النووي للمرة الأولى في التاريخ، وبالرغم من أن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه التكنولوجيا في صناعة اللقاحات إلا أنها تكنولوجيا معروفة للعلماء، حيث تم دراستها لعقود، وهي تستطيع تطوير اللقاحات بسرعة وباستخدام مواد متاحة بسهولة، ومستقبلا يستطيع اللقاح الواحد المعد بهذه التكنولوجيا إعطاء مناعة لأكثر من فيروس معا، وقد تم دراسة هذه التكنولوجيا في إنتاج لقاحات لعدد من الفيروسات سابقا على المستوى التجريبي، وتم استخدامها أيضا في دراسات علاج السرطان.

اللقاحات المتاحة:

طبقا لمنظمة الصحة العالمية فإن البشرية تمتلك حاليا 237 لقاحا، منهم 173 لقاحا في مرحلة التجارب الحيوانية، و64 لقاحا في مرحلة التجارب السريرية، منهم 21 لقاحا وصلوا للمرحلة الثالثة من التجارب السريرية، منهم عدد قليل أنهى هذه المرحلة كما سنشير.

أهم وأشهر اللقاحات:

ونشير هنا إلى مجموعة من أهم اللقاحات الواعدة.

  • لقاح فايزر بيونتيك:

وهو إنتاج مشترك بين شركة فايزر الأمريكية وبيونتيك الألمانية وفوسن الصينية، وهو من نوع لقاحات الحمض النووي التي تستخدم لأول مرة، يُعطى بالحقن العضلي على هيئة جرعتين بينهما فاصل 3 أسابيع، من عيوبه الأساسية أنه يحتاج للتخزين والنقل في درجة حرارة سالب 70 مئوية، مما يجعل تخزينه ونقله صعبا للغاية، لكن الشركة تعهدت بتوفير معدات التخزين والنقل للحكومات، وفعاليته في التجارب حوالي 95%.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تم تجربة اللقاح في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية على 36 ألف مشارك، وقامت الشركة بالنشر العلمي لنتائج بحثها، حيث تعتبر هي وشركة موديرنا فقط الوحيدتين اللتين تخطيتا مرحلة النشر العلمي، وحصل لقاح فايزر بيونتك على الموافقة الطارئة في الولايات المتحدة من هيئة الدواء والغذاء، كما حصل أيضا على الموافقة الطارئة من منظمة الصحة العالمية، وهو أول لقاح يحصل على موافقة منظمة الصحة العالمية.

والأعراض الجانبية التي ظهرت أثناء الأبحاث هي مثل الأعراض الشائعة للقاحات المعروفة، وتراوحت هذه الأعراض في التجارب بين الخفيفة والمتوسطة، وشملت الإرهاق والصداع ووجع بالعضلات وارتفاع في درجات الحرارة، وتستمر لفترة بسيطة بعد تلقي اللقاح وخاصة الجرعة الثانية.

وكانت حالات شلل العصب السابع في المجموعة التي تلقت اللقاح أكبر من التي تلقت المادة الشبيهة، لكن نسبة هذه الحالات لا تتعدى النسبة الموجودة بشكل طبيعي بين البشر العاديين، كما ظهرت حالات حساسية من اللقاح مثل أي لقاح آخر، وتراوحت هذه الحالات في الشدة كما في حالات الحساسية الأخرى، ووصل بعضها لدرجات خطيرة.

  • لقاح موديرنا:

من إنتاج شركة موديرنا الأمريكية والمعهد القومي الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، يعتمد على تقنية الحمض النووي الجديدة أيضا، يُعطى على جرعتين بفاصل 4 أسابيع، يُخزن في درجة حرارة سالب 20 درجة مئوية، وفعاليته في التجارب السريرية حوالي 94.1%.

تم تجربة اللقاح في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية على 30 ألف مشارك، وقامت الشركة بالنشر العلمي لنتائج بحثها، حيث تعتبر هي وشركة فايزر فقط الوحيدتين اللتين تخطيتا مرحلة النشر العلمي، وحصل لقاح موديرنا على الموافقة الطارئة في الولايات المتحدة، وأعراضه الجانبية شبيهة بأعراض لقاح فايزر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك
  • لقاح أوكسفورد أسترازينكا:

وهو إنتاج مشترك بين جامعة أوكسفورد وشركة أسترازينكا البريطانية السويدية ومعهد المصل الهندي، يعتمد على تكنولوجيا الناقل، وهي تكنولوجيا استخدمت في لقاحات سابقة، يُعطى على هيئة جرعتين بينهما 4 أسابيع، يحفظ في الثلاجات العادية عند درجة 2-8 درجات مئوية، أعراضه الجانبية شبيهة بتلك السابقة لكن الأعراض كانت شديدة في 8% من المشاركين، كما ظهرت حالتين من التهاب النخاع المستعرض في المشاركين.

وفعالية اللقاح 60-90% طبقا للنتائج المؤقتة المنشورة من الجهات القائمة بالبحث، حيث لم يتم نشر البحث علميا بعد، وقد حصل اللقاح على الترخيص للاستخدام في المملكة المتحدة.

  • لقاح سنوفارم:

هو أشهر لقاح صيني، من تطوير شركة سينوفارم وشركة بيوتيك ومعهد ووهان الصينيين، يعتمد على تكنولوجيا استخدام الفيروس في اللقاح بعد القضاء على فعاليته، يُعطَى على جرعتين بينهما أسبوعين، ويخزن في درجة حرارة 2-8 درجات مئوية، وقد تم نشر نتائج مؤقتة للبحث على 31 ألف مشارك في المرحلة الثالثة في الإمارات العربية المتحدة، وأظهر فعالية 86%، كما كانت أعراضه الجانبية قليلة طبقا لنتائج المرحلة الأولى والثانية المنشورتين.

وقد ثار جدل إعلامي حول فعاليته، وبالتالي فنحن في انتظار النشر العلمي للتأكد من هذه المعلومات، وهو مرخص في الصين والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر.

  • لقاح سينوفاك:

من إنتاج شركة سينوفاك الصينية، يستخدم نفس تكنولوجيا اللقاح السابق، وأثبتت نتائج المرحلتين الأولى والثانية أمانا وفعالية له، ولم يتم نشر نتائج المرحلة الثالثة بعد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك
  • لقاح كانسينو:

من إنتاج شركة كانسينو الصينية ومعهد بيكين، يتميز بأنه يُعطَى في جرعة واحدة بخلاف اللقاحات السابقة، وأعراضه الجانبية خفيفة إلى متوسطة، لكنه للأسف لم يعطِ مناعة جيدة في المرضى كبار السن وأيضا في المرضى الذين تعرضوا للعدوى بالفيروس الغدي من قبل، نتائج المرحلة الثالثة لم تنشر بعد، وتم ترخيصه للاستخدام في الجيش الصيني.

  • لقاح سبوتنيك:

من إنتاج معهد جماليا الروسي ووزارة الصحة الروسية، يعتمد على تكنولوجيا الناقل، ويعطى على جرعتين بينهما 4 أسابيع، ويخزن في درجة حرارة 2-8 درجات مئوية.

لكن للأسف فإن المعلومات المتاحة لا تؤكد إنتهاء المرحلة الثالثة، والبيانات المنشورة عنه لا تؤكد إصابة عدد كافٍ من المشاركين بالفيروس لكي ينتهي البحث، ولم يتم نشر البحث الخاص بالمرحلة الثالثة علميا، وقد قامت روسيا بترخيصه واستعماله.

  • لقاح نوفافاكس:

من إنتاج شركة نوفافاكس الأمريكية، يستخدم بروتينا مصنعا بالهندسة الوراثية وتكنولوجيا النانو، حسب نتائج المرحلتين الأولى والثانية فقد أدى لاستجابة مناعية ممتازة أكثر حتى من الاستجابة المناعية التي يكونها المرضى المصابين بإصابة شديدة بفيروس كوفيد 19، لكنه أدى أيضا لأعراض جانبية شديدة في 6% من المشاركين، ولم تنشر نتائج المرحلة الثالثة بعد.

  • لقاح جانسين:

من إنتاج شركة جانسين البلجيكية، يمكن أن يُعطى في جرعة واحدة، في المرحلتين الأولى والثانية أعطى استجابة مناعية جيدة، أعراضه الجانبية تتراوح بين الصداع والإرهاق ووجع العضلات، وهي شائعة لكن خفيفة إلى متوسطة ما عدا بعض الحالات كانت شديدة.

خلاصة:

تُعتبر لقاحات فايزر وموديرنا وأوكسفورد وسينوفارم هي اللقاحات التي تتوفر لها نتائج المرحلة الثالثة من التجارب البشرية، من بينها يعتبر لقاحا فايزر وموديرنا فقط هما اللذين نشرا نتائج المرحلة الثالثة نشرا علميا حتى الآن، من بينهما يعتبر لقاح فايزر هو الوحيد الذي حصل على الترخيص الطارئ من منظمة الصحة العالمية.

لكن قد يتغير الوضع في الأيام أو الأسابيع أو الشهور المقبلة إذا نشرت المزيد من الشركات والجهات البحثية نتائج المرحلة الثالثة من أبحاثها، كما ننتظر مزيدا من الدراسات حول فعالية اللقاحات ضد السلالات الجديدة.

ويجب أن نتذكر أن الترخيص الطارئ يعني أن هذه اللقاحات حسب ما هو متاح لنا من معلومات من المحتمل أن تكون فعالة، والحصول عليها نظن أنه أفضل من عدم الحصول عليها.

أيضا فلنضع في الاعتبار أن منظومة البحث العلمي غير معصومة، وأن قضية اللقاح قد يدخل فيها اعتبارات سياسية وربحية مختلفة، لكن ما ورد في هذا المقال هو آخر المعلومات المتاحة عن اللقاحات في المصادر العلمية، والله أعلم.

مصادر:

Uptodate.com

Pubmed.ncbi.nlm.nih.gov

WHO.com

CDC.gov

Thelancet.com

SputnikVaccine.com

Mayoclinic.org

Wikipedia.com

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

المحاولة والخطأ: منهج العلم في مواجهة كورونا (كوفيد19)

هل الوقاية من فيروس كورونا المستجد COVID 19تحتاج إلى تباعد اجتماعي أم تحتاج إلى تباعد جسدي؟

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة