مقالات

هل نثق في لقاحات كورونا؟ – الجزء الأول

هل اللقاح أمل البشرية؟

منذ بدء جائحة كوفيد 19 والعالم يبحث عن حل، وبحمد الله وبشكل سريع تمكنت البشرية من إنتاج عدة لقاحات في فترة قصيرة، وتعتبر اللقاحات نظريا هي أفضل أداة تمتلكها البشرية حاليا للتحكم في الفيروس، خاصة بعد أن ثبت أن بعض اللقاحات المطورة قادرة على منع الإصابة بالعدوى على الأقل لفترة مؤقتة، وبالتالي يمكن عن طريق تلقيح عدد ضخم من السكان تقليل معدلات الإصابات بدرجة كبيرة والسيطرة على المرض موسميا أو للأبد، فهل نثق في اللقاحات المتاحة الآن؟

كيف يتم تطوير اللقاح؟ وهل يتم التأكد من أمانه في التجارب؟

اللقاح هو مادة حيوية تثير الجسم لتكوين مناعة مكتسبة ضد كائن حي معدٍ كالفيروسات أو البكتيريا، وقد تكون هذه المادة عبارة عن جزء من الفيروس مثلا أو الفيروس نفسه لكن بعد إضعافه أو إبطال فعاليته أو جزء من الحمض النووي للفيروس.

ويمكن إدخال جزء من الحمض النووي للفيروس للخلية بطرق مختلفة، حيث يمكن تحميله على فيروس آخر غير ضار يسمى بالناقل، أو يمكن إدخاله مباشرة وهو ما تم استعماله لأول مرة في لقاحات كوفيد 19.

ولكي يتم تطوير أي علاج دوائي أو لقاح فإنه يمر بعدة مراحل، حيث يمر أولا بتجارب معملية أو حيوانية، وثانيا بتجارب بشرية أو سريرية (نسبة إلى أسرة المستشفيات).

اضغط على الاعلان لو أعجبك

التجارب الحيوانية:

في البداية يتم تجريب اللقاح على الحيوانات الصغيرة وخاصة الفئران، ويتم قياس الاستجابة المناعية لديهم عن طريق قياس مستوى الأجسام المضادة في أجسامهم ضد الفيروس قبل اللقاح وبعده، وإذا لم ينجح اللقاح في تحفيز استجابة مناعية كافية في الحيوانات فإن التجارب تتوقف.

كما يتم أيضا دراسة الأعراض الجانبية في الحيوانات، وإذا كان اللقاح آمنا فيمكن الانتقال للتجارب على البشر.

التجارب البشرية:

والتجارب البشرية تنقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية، المرحلة الأولى والثانية والثالثة.

  • المرحلة الأولى:

في المرحلة الأولى يتم تجريب اللقاحات التي أثبتت فعالية وأمانا في الحيوانات على مجموعة من البشر الأصحاء الخالين من أية أمراض والمتطوعين للقيام بالتجربة، وتتراوح أعمارهم غالبا بين 18 و55 عاما، وعددهم غالبا يكون أقل من 100.

وهدف المرحلة الأولى هو التأكد من أمان اللقاح بشكل أساسي، حيث يكون التركيز على رصد أية أعراض جانبية، ويتم متابعة المشاركين فيها بدقة وصرامة يوميا عبر فحص علاماتهم الحيوية وفحص عام لأجسامهم وفحص مكان الحقن.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويتم البدء بحقن مجموعة من هؤلاء المتطوعين بأقل جرعة ممكنة من اللقاح حتى وإن لم تكن فعالة، ثم رصد ومتابعة أية أعراض جانبية، فإن أثبت اللقاح أمانه يتم حقن مجموعة أخرى بجرعة أعلى، وهكذا.

وفي حالة حدوث أية أعراض جانبية شديدة يتم إيقاف التجارب على اللقاح. كما يتم أيضا رصد الاستجابة المناعية في المرحلة الأولى، أي تكوّن الأجسام المضادة لدى المشاركين.

  • المرحلة الثانية:

في المرحلة الثانية يتم أيضا مراقبة أمان اللقاح، ويتم أيضا مراقبة الاستجابة المناعية للمتطوعين، وهي شبيهة بالمرحلة الأولى لكن على عدد أكبر يصل لعدة مئات، ويتم فيها إعطاء الجرعة الكاملة من اللقاح بعد أن تم التأكد من أمانها في المرحلة الأولى.

  • المرحلة الثالثة:

في المرحلة الثالثة تُجرى التجارب على عدد أكبر من المتطوعين، يصل إلى عدة آلاف أو عشرات الآلاف، وفي لقاحات كوفيد 19 كان متوسط المشاركين في هذه المرحلة 30 ألفا، ومتوسط  مدة هذه المرحلة 6 أشهر.

وهدف هذه المرحلة هو قياس فعالية اللقاح، حيث يتم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين متساويتين، مجموعة تحصل على اللقاح، ومجموعة أخرى تحصل على مادة شبيهة به تماما لكنها ليست لقاحا[1]، ولا يعرف أي متطوع هل تلقى اللقاح أم المادة الشبيهة، كما يتم أحيانا تصميم الدراسة بحيث أن الأطباء أو المراقبين المشاركين في التجربة لا يعلمون أي مجموعة هي التي تلقت اللقاح، لكي لا يتم التلاعب بالنتائج[2].

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ويتم بعد ذلك متابعة المجموعتين لفترة من الزمن، وعندما يحدث عدد كافٍ من الإصابات بين المشاركين بالمرض أو العدوى التي نحاول منعها -مثل مرض كوفيد 19 هنا- تنتهي التجربة، وفي حالة لقاحات كوفيد 19 كان العدد الكافي هو حوالي 1% من المشاركين، أي حوالي 300 إصابة بالفيروس بين المشاركين.

ويتم فحص هؤلاء الذين أصيبوا بالعدوى هل كانوا ينتمون للمجموعة التي تلقت اللقاح أم المجموعة الأخرى، وكم واحد منهم ينتمي لكل مجموعة، ومقارنة أرقام المجموعتين لحساب فعالية اللقاح في منع المرض.

فمثلا إن أصيب 100 شخص من المشاركين بالفيروس، لكنهم جميعا ينتمون للمجموعة التي تلقت المادة الشبيهة، فهذا يعني أن كفاءة اللقاح في منع الإصابة عند من تلقوه في هذه التجربة هي 100%، وإن كانت الإصابات في مجموعة المادة الشبيهة 100 إصابة وفي مجموعة اللقاح 5 إصابات، فهذا يعني أن فعالية اللقاح 95%، وهكذا.

النشر العلمي:

بعد ذلك تأتي مرحلة النشر العلمي، ويعتبر النشر العلمي من الخطوات المهمة في منظومة البحث العلمي الحديث، حيث يجب أن يتم التأكد من أن البحث مطابق للمعايير العلمية الصارمة قبل النشر، وتتم مراجعة تحقيقه لهذه المعايير عبر مجموعة أخرى من العلماء الذين لا تربطهم علاقة بالبحث، بل وحتى لا يعرفون من أجرى البحث، ولا يعرف أصحاب البحث من الذي يراجع بحثهم أيضا لمنع التأثير بين الطرفين.

لكن في مسألة لقاحات كوفيد 19 فإن العلماء الذين يراجعون البحث يعرفون بالتأكيد الجهة التي قامت بالبحث، فاللقاحات وتفاصيلها معلنة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أيضا منظومة المراجعة العلمية والبحث العلمي بشكل عام هي منظومة بشرية، تتأثر بعوامل كثيرة، وقد يوجد فيها تحيزات أو حتى كذب كما ثبت في بعض الحالات، وفي مسألة كوفيد 19 قامت مجلة اللانسيت العلمية الشهيرة بسحب بحث عن استخدام عقار الملاريا (كلوركين وهيدروكسي كلوروكين) في علاج الفيروس، حيث كان علماء المجلة قد راجعوا البحث وأجازوا نشره، ثم بعد ذلك اتضح أن البحث غير دقيق.

وقد تقوم الجهة القائمة بالبحث بإعلان نتائجها في وسائل الإعلام قبل النشر العلمي مثلما حدث في لقاحات كوفيد 19، وتعتبر هذه النتائج مؤقتة وغير نهائية لأنها لم تحصل على موافقة على النشر العلمي.

الترخيص والتوزيع:

الترخيص مهمة الجهات الطبية الحكومية بعد ذلك، حيث يتولى الترخيص مجموعة من الخبراء من الأطباء الممارسين وخبراء الأوبئة واللقاحات، وتختلف لجان الترخيص بالتأكيد من دولة لأخرى.

وتصميم نظام متقن لتوزيع اللقاح ووصوله للناس أهم من اللقاح نفسه، حيث يقال إن نظام التطعيم هو الذي يمنع المرض وليس اللقاح نفسه، لأن لا قيمة للقاح إن لم يتم توفيره وتوصيله لعدد كافٍ من البشر في وقت مناسب وبشكل منظم، لذلك فمسائل مثل تخزين اللقاح ونقله هي مسائل مهمة.

المرحلة الرابعة:

بعد حصول اللقاح على موافقة الجهات الطبية في دولة ما يصبح متاحا في الأسواق، وبعد نزول اللقاح للأسواق تأتي المرحلة الرابعة من الأبحاث، وهي مرحلة دراسة فعالية اللقاح وأمانه في السوق وعلى نطاق واسع من مستخدمي اللقاح وفي الظروف الطبيعية، هذه المرحلة ضرورية لرصد أية أعراض جانبية متأخرة الظهور، وأيضا في تحديد فترة الحماية التي يمنحها اللقاح لمتلقيه.

دروس من لقاحات سابقة:

  • اللقاحات بشكل عام:

للبشرية خبرة كبيرة في إنتاج اللقاحات والسيطرة على الأمراض بل والقضاء على بعضها تماما باستخدام اللقاحات مثلما تم القضاء على مرض الجدري.

وقد بدأت محاولات أولى لاستعمال اللقاحات منذ القرن العاشر في الصين، وفي القرن الثامن عشر بدأ تطوير اللقاحات في الغرب، وفي القرن التاسع عشر أصبح هناك اهتمام دولي بالتطعيمات، وفي القرن العشرين حدثت طفرة في التطعيمات وانتشار كبير لكثير من التطعيمات ضد الكثير من الفيروسات والبكتيريا والكائنات المعدية، وتم السيطرة على الكثير من الأمراض المعدية كنتيجة لذلك.

  • لقاحات فيروسات كورونا السابقة:

هذه ليست المرة الأولى التي تواجه البشرية فيها فيروسا من عائلة الفيروسات التاجية، فمنذ بداية الألفية الجديدة تعرضت البشرية لأكثر من هجوم من هذه الفيروسات، ففيروس سارس الشهير الذي ظهر في الصين في 2002 هو من العائلة التاجية، وفيروس ميرس أو كورونا الشرق الأوسط الذي ضرب الأردن والسعودية في 2012 هو أيضا من العائلة التاجية.

وقد تم عمل تجارب على الحيوانات لإنتاج لقاحات لهذين الفيروسين، كما بدأت التجارب على البشر لهما أيضا، وقد أدت هذه التجارب بالإضافة لخبرة البشرية الكبيرة في اللقاحات لتسريع إنتاج لقاح فيروس كوفيد 19.

فمن الدروس التي تعلمتها البشرية هي أن فيروسات كورونا تمتلك نتوءا على سطحها هو الذي يساعدها على دخول الخلية الحية، وهو مهم جدا لكي يتمكن الفيروس من إصابة الخلية والإنسان بالمرض، أيضا هو ثابت لدرجة ما بين السلالات المختلفة، ولذلك تم تطوير أغلب اللقاحات لتصنع أجساما مضادة ضد هذا الجزء بالذات من الفيروس، لكن للأسف فإن بعض السلالات الجديدة حصل فيها تحوّر وتغيّر لدرجة ما في هذا الجزء من الفيروس، مما يثير تخوفات بشأن درجة فعالية اللقاحات ضد هذه السلالات.

ومن الدروس أيضا أن بعض التطعيمات في هذين الفيروسين أدت لزيادة شراسة المرض في بعض حيوانات التجارب، عن طريق التسبب في استجابة مناعية معينة تؤدي لمهاجمة المناعة للرئتين، لكن لم يتم تسجيل حدوث ذلك في البشر. بالرغم من ذلك تم وضع معايير صارمة لأمان اللقاحات تتضمن عدم تسبب اللقاحات لهذه الاستجابة المناعية الضارة عند الحيوانات أو البشر، وتم الاستفادة من ذلك في لقاح كوفيد 19 حيث سعت التجارب للتأكد من عدم تسببه بهذه الاستجابة المناعية الضارة.

فكيف استفادت البشرية من هذه الدروس؟ وكيف تم تطوير لقاحات كوفيد 19؟ في الجزء الثاني من هذا المقال.

مصادر:

Uptodate.com

Pubmed.ncbi.nlm.nih.gov

WHO.com

CDC.gov

Thelancet.com

SputnikVaccine.com

Mayoclinic.org

Wikipedia.com

[1] في حالة توفر لقاح فعال بالفعل قد يكون من غير الأخلاقي وغير الموافق عليه علميا إعطاء إحدى المجموعتين مادة غير فعالة، في هذه الحالة يمكن مقارنة اللقاح الجديد باللقاح القديم الفعال، كما تلعب في هذه الحالة درجة زيادة الأجسام المضادة في جسم المشاركين دورا أكبر في التأكد من فعالية اللقاح بمقارنتها باللقاحات السابقة.

[2] يمكن تصميم المرحلة الأولى والثانية بنفس الطريقة، وهو ما تم بالفعل في الكثير من لقاحات كوفيد 19 التي وصلت للمراحل الأخيرة.

………………………………………………………………

اقرأ أيضا:

فيروس كورونا على أي الأحصنة نراهن؟

هل كان هناك موت قبل كورونا؟!

التعايش والكورونا

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة