أغرب ما حدث في الحجاز
سنة ١٢٥٦م الموافق أول شهر جمادي الآخرة ٦٥٤ه، الناس في المدينة المنورة كانوا عايشين عادي ومش في بالهم أي حاجة، اللي بيتاجر، واللي بيصلي ومفيش أي علامة لأن أي حاجة غريبة ممكن تحصل، يوم تلات عادي زي أي يوم.
لحد لما بدأ الليل يليّل شوية، وخلاص اللي بيروح واللي مستعد لسهرة مع صحابه وهدوء كده، يقطع صوت الهدوء ده صوت انفجار قوي جدا، مش صوت رعد لأ، صوت أقوى، صوت مش من المعتاد إن الناس تسمعه في الزمن ده، انفجار من اللي بيهز البيوت ده، الناس كلها اتخضت، إيه الصوت ده؟
زلزال مستمر وانفجارات متتالية
بدأ أهل المدينة يطلعوا من بيوتهم مخضوضين، وفيه زي حالة فزع كده محدش فاهم حاجة، لحد ما الانفجار صوته خف، وحصلت حاجة تانية، زلزال، الأرض كلها بتتهز هزة عنيفة من تحت رجل الناس، هزة عنيفة كانت الحيوانات نفسها بيختل توازنها من كبر الهزة دي،
ومستمرة يعني أخدت الليل كله ونهار تاني يوم، الناس عارفة الزلازل لأن دي ظاهرة طبيعية قديمة وبتحصل، بس بالقوة والاستمرارية دي؟ ساعة بعد ساعة على مدار يومين كاملين، أول مرة يحسوا بيها.
فضل الزلزال مستمر، والناس بدأت تتجمع في الساحات، ومش فاهمة إيه اللي بيحصل، لحد ما دخل الليل، ويحصل انفجار تاني أقوى، وبعدين أغرب حاجة ممكن تحصل، الناس في المدينة شافوا نار حمرا كبيرة طالعة من تحت الأرض للسما نورت الليل كله،
جبل نار طالع بيلمس السما وجايب هوا سخن فيه ريحة حديد مصهور، منظر مرعب حقيقي، متخيل إنت مش شايف نار عادية إنت شايف نار طالعة بطول جبل زي سد كبير، وشايف ده مع إن النار دي بعيدة عنك بس شايفها بوضوح.
ثوران البركان
بدأ الناس في المدينة يجروا، واللي يستخبى، واللي جري على مسجد المدينة وقبر الرسول يقعد يعتكف فيه، مفيش غير صوت اهتزاز كل حاجة في المسجد كل شوية، والناس تكبّر وتستغفر، واللي جري على أمير المدينة يفهم منه إيه اللي بيحصل،
بس هو نفسه مكنش فاهم، إيه النار الكبيرة دي؟ نار واخدة مساحة ٢٠ ألف كم مربع اللي هيا المساحة ما بين المدينة ومكة، في حتة اسمها “حرة رهاط” اللي كانت مساكن بنو قريظة وخيبر زمان، الحتة دي.
من وسط النار دي، الأرض في الحتة دي بدأت تقب شوية وتعمل زي جبال صغيرة آخرها فتحات، ومن الفتحات دي بدأ يخرج دخان الأول سد نور الشمس خالص، ومن بعدها خرجت أنهار من النار السايلة غطت الصحرا كلها وبدأت تنتشر وتغلي زي مية البحر،
لونها أحمر ومنورة المكان كله، وبتاكل كل حاجة في طريقها، والمشكلة إنها بتقرب على المدينة، حمم بتاكل الصخور حرفيا وتحوله لطين لونه أسود، حاجة مش عارفين يتصرفوا فيها إزاي.
انتشر في الحجاز كلها فقرر أمير المدينة إنه يعمل حاجتين، أول حاجة قرر إنه يتوب عن أي حاجة هو عملها، يعني لو في ذمته فلوس سددها كلها، أي مظلمة كانت عنده حلها، كل مماليكه اللي كانوا عنده أعتقهم، وعلى نفس النهج ده أهل المدينة هما كمان عملوا كده، وكلهم اعتكفوا عند المسجد النبوي من كل حتة، بيستغفروا وخايفين من يوم الساعة، اللي كانوا فاكرينه هو اليوم ده.
وصف المؤرخين لنار الحجاز
أمير المدينة والنار شغالة وبتقرب مع نهاية شهر شعبان ودخول رمضان، قرر يبعت للخليفة المستعصم في بغداد ويبعت لدمشق ولمصر وكل الدول المجاورة، يفهم منهم إيه اللي حصل ولو فيه مساعدة قادرين يعملوها يا ريت، مع إن الموضوع أكبر منهم يعني، بس أهي محاولة.
في دمشق، الناس شافت النار دي على الطريق ووصل نورها لمدنهم جوه من شدتها، وخصوصا الشهود العيان اللي كانوا في بصرى وشافوا النار اللي نورت الدنيا لدرجة إنهم شافوا “أعناق الإبل” على النور ده بوضوح،
دي شهادة مؤرخة حقيقية للعلم، بس الأغرب هو إن حصل في دمشق كسوف شمس وخسوف قمر بشكل متتالي ورا بعض، ومع دخول عيد كمان شهر وشوية، وبدأت الناس هناك تخاف هيا كمان.
في بغداد، في نفس الوقت اللي وصلت فيه رسالة أمير المدينة، حصل فيضان غريب هناك، فيضان عالي جدا غرق المدينة كلها، وصلت المياه فيه لإنها عدت أسوار قصور بنو عباس نفسها، والسفن والمراكب دخلت على الشوارع بسبب الفيضان أو التسونامي ده، ومع وصول خطاب أمير المدينة، تأكد للناس إنها نهاية العالم أو علاماتها.
ظهور نار الحجاز من علامات الساعة
أما مصر، فكانت مشغولة في اضطرابات سياسية على خلفية مقتل توران شاه وتنصيب شجر الدر، والخلاف اللي بين فارس الدين أقطاي وعز الدين أيبك، ونفوذ المماليك المعروف،
وكانت مشغولة في صد الحملة الصليبية السابعة على المنصورة، وبتنفصل تدريجيا عن الدولة العباسية، ومكنش همهم أوي اللي حصل لكن كانت البلاد بتشهد غلاء ووباء بيموت الناس بشكل ملحوظ.
كام يوم ودخل رمضان، والنار مبتهداش، الناس كانت على قناعة تامة إن ده يوم القيامة، ومسابتش اعتكافها عن المسجد النبوي والقوافل بتيجي عشان تعتكف جوه أو حوالين المسجد، لدرجة إن الحياة وقفت فعلا هناك، زحمة عند المسجد، والكل بيتعبد ويستغفر خوفا من الساعة، وما كان من خدام المسجد إلا أنهم كانوا بيخدّموا على المعتكفين بقدر المستطاع.
واحد من خدام المسجد اسمه أبو بكر بن أوحد، الناس صلت التراويح وخلصت والليل ليّل، لاحظ إن القناديل بدأت تطفي، فأخد قنديل وراح على مخزن في غرب المسجد عشان يجيب شوية قناديل ينور بيها المسجد زي العادة،
بس بسبب الزحمة والأحداث اللي حاصلة، نسي القنديل بتاعه في المخزن وأخد القناديل ومشي، فالقنديل ده مسك في باقي القناديل ومنه في المخزن كله، أبو بكر بص وراه لقى المنظر ده حاول يطفيه، لكن المخزن اتهد عليه ومات.
حريق المسجد النبوي 654 ه
وفي لحظات، النار مسكت في المكان كله، لدرجة إنها جابت السقف ووقع على الناس، وكبر الموضوع لحد ما جاب المسجد النبوي كله، أمير المدينة حاول بسرعة يجمع الناس عشان يطفوها، بس معرفوش، واتهد المسجد كله مفيش غير قبة واحدة قديمة بس اللي فضلت.
كل متعلقات النبي، كل زخارف الدولة الأموية والمنبر، كل آثار الخلافة الأموية والعباسية، الخزائن، الكتب، كلهم راحوا، حتى سقف الحجرة النبوية، مفيش غير المقابر بس اللي فضلت.
الناس خافت أكتر، طب نعمل إيه؟ يا نستسلم للمصير، يا نعيش الأحداث ونصلحها ونسيبها على الله، وده اللي عملوه بالظبط، بعتوا للخليفة العباسي تاني عشان يصلح المسجد النبوي ويبنيه من جديد، فالخليفة المستعصم بعت فلوس ومعدات عشان يبدأ يبني المسجد، بس قبل ما يبدأوا شغل على المسجد، وصل تهديد جديد على الدولة العباسية، المغول.
اقرأ أيضاً:
حاكم المدينة المنورة الأسكتلندي
انتهاء الخلافة العباسية وانتشار الطاعون
تخيل جيوش بمئات الآلاف بيزحفوا ناحية الخلافة العباسية، وميعديش سنة بس على الأحداث دي إلا وجيوش المغول بيستولوا على عاصمة الخلافة بغداد ويقتلوا أهلها، وبيقتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله،
عشان للمرة الأولى في التاريخ الخلافة عموما تنتهي وتتدمر، ومع مقتل المستعصم استبيحت بغداد وانتشر فيها الأمراض والأوبئة والمجاعات، ومنها للشام، وينتشر الخبر الجديد “يأجوج ومأجوج خرجوا وهزموا الخلافة”.
إنت متخيل لو عايش في الفترة دي كنت هتبقى حاسس بأيه؟ الناس بقت على قناعة رسمية إن ده يوم القيامة ولا شك في كده، لدرجة إن الشعراء بقوا ينظموا أشعار عن أهوال القيامة وإن دي النهاية خلاص،
مش مجرد حالة إحباط بس لأ دا إحساس رسمي بأن ده يوم القيامة، خصوصا إن الطاعون انتشر كمان وبقى الناس تموت بعشرات الآلاف من المرض، لدرجة إن هولاكو نفسه نقل معسكره بعيد عن بغداد من كتر ما ريحة الجثث جاية عليهم.
انحسار النار بعد ثلاث شهور
تخيل نفسك معتكف على أنقاض المسجد، كل شوية تحصل هزة تهز العمدان والقناديل، تسمع الهزات وتستغفر وتخاف، ومستني في أي لحظة إن الكوكب ينتهي، اللي حاضن عياله، واللي بتعيط، واللي كل شوية ييجي بخبر أكبر من اللي قبله إن النار بتقرب أو إن يأجوج ومأجوج ظهروا، والمسلمين بتموت من الوباء، والبشر بتنتهي،
وإنت قاعد ساند على أي حيطة وبتعيط، بتراقب النار اللي بتقرب من بعيد عشان تيجي في أي لحظة تغطي كل حاجة، شهور على الحال ده ما بين المغول قربوا من الشام، وبين الهزات، وبين النار اللي بتقرب، وبين الخلافة اللي انتهت، تخيلت وعشت الأجواء؟
اللي حصل بقى بعد كده إن النار في المدينة انحسرت وهديت لوحدها، بعد ٣ شهور كاملين كانت بتنتشر وتقرب، وتراجعت لحد ما خلصت خالص، مدخلتش المدينة، قربت بس مسافة نص يوم يعني كام كيلومتر فقط وتوقفت وبطلت زحف، ووصلت لإنها سدت طريق الحج العراقي وبعدين هديت.
رجوع الخلافة العباسية
وفي مصر هنا قدر قطز وبيبرس إنهم ينظموا جيوشهم ويهزموا المغول في عين جالوت ويكسروا شوكتهم، اللي كان من المستحيل إنه يحصل وهما بالتنظيم والعدد ده، واللي كانت للإنسان العادي اللي زيي وزيك بدرجة من الأهمية تجاري أهمية معركة نهاية العالم حرفيا،
آخر أمل تمسك بيه المسلمين إن ده ميكونش فعلا يوم القيامة ودول ميكونوش يأجوج ومأجوج، والنصر ده جدد الأمل تاني للناس في كل حتة في العالم الإسلامي، وبدأت فكرة إن يوم القيامة بيحصل فعلا تتراجع في الأذهان، ورجعت الناس تنسى الموضوع، لكن التاريخ منسيش.
وأخيرا استقر الأمر للمماليك في مصر والشام وانسحب المغول، ورجعت الخلافة العباسية بس المرادي من القاهرة على إيد وريث اسمه “أحمد الحاكم بأمر الله”، وقرر المماليك إنهم هما اللي يتولوا بناء مسجد المدينة بدل الخلافة العباسية،
الملك المظفر بعت منبر جديد للمدينة، والظاهر بيبرس بعت مقصورة خشبية تحاوط حجرة النبي، والسلطان قلاوون بنى قبة فوق حجرة النبي، ومحمد بن قلاوون حط اللمسات الأخيرة بأنه بنى مأذنة رابعة للمسجد بنهاية سنة ٧٠٦ هجريا.
ودي كانت واحدة من علامات الساعة اللي الناس شهدتها في التاريخ حصلت في الحجاز في حرة رهاط، نار الحجاز، اللي هيا النهاردة مزار سياحي في السعودية والتكوينات الصخرية والفوهات اللي خرجت منها النار ورجعت تاني لسة موجودة.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا