ميثاق عالمي للمواطنة
كافة الأديان ترفض القتل
بعد أن فرضت الأحداث العالمية نفسها على واقع يومي ملطخ بالدماء فوق كل شبر من العالم، وبعد أن عانى الجميع من ويلات الدماء والإرهاب الأسود الذى ما انفك عن سفك الدماء وتحدي إرادة الخالق سبحانه في إعمار هذا الكون، وبعد أن تعدى هذا الإرهاب الحدود الإقليمية للطرف الأضعف في المعادلة وهو الشرق الأوسط، ليصل إلى فرنسا وليدق ناقوس الخطر، وقوفا بالتهديدات على مشارف أمريكا وألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي،
وفي ذات الوقت انتعاش اقتصاد الإرهاب وازدياد دخول القتلة من الدواعش وأتباعهم، كل هذا يجعل المعادلة صعبة للغاية، فالقتل في كل مكان بسبب وبدون، أبرياء يسقطون كل يوم أيا كان دينهم، فلا تعرف الإنسانية ولا الأديان السماوية القتل على الاعتقاد،
وأيا كانت توجهاتهم، فلا تقر الأديان القتل على المذهب أو الأيديولوجية أو الاختلاف الفكري، فالقتل مرفوض من كافة الأديان ، وممقوت عند بارئ الكون سبحانه، لذا وضع سبحانه نهيا مغلظا عن القتل أيا كان نوعه، يكفي أنه اعتداء على إرادة الله في وهب الحياة، يكفي أنه سلب للحياة دون ذنب،
من هنا جاء قوله سبحانه:
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، من قتلها بأي أنواع القتل، ماديا كان أو معنويا، بسلاح أو بغير سلاح، فالنهاية واحدة، سلب حياة أذن الله لها في الوجود، فكيف إذا سُئل المسلوب لتلك الحياة: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ )؟ سيأخذ بيد قاتله إلى حيث رحاب العدالة المطلقة والقاضي الأوحد في ذاك اليوم، ليقول له: “يا رب سل هذا لم قتلني”.
سل كل قاتل بالسيف لم قتل؟ ولم ذبح؟ وسل كل قاتل بغير سيف لم منع الحياة عن الناس؟ لم منع عنهم الطعام حتى ماتوا جوعا والماء حتى ماتوا عطشا والدواء حتى ماتوا مرضا؟
وسل كل قاتل من الموسرين البخلاء، لم أغلقوا أبوابهم في وجوه المستضعفين أصحاب الحاجات وأرباب الأعذار؟ ولم تركوا الأطفال في المخيمات يموتون من شدة البرد والجوع والخوف؟ بل وقبل ذلك كله، لم بنوا ثرواتهم وملياراتهم على حساب صحة البسطاء سواء من جيوبهم أو من صحة أبدانهم؟ سل كل هؤلاء عن كل تلك الجرائم، سل كل قاتل لم قتل؟!
هل نحن على أعتاب نهاية الوجود الإنساني؟
لقد تحولت الإنسانية إلى بحار من الدماء الدافع فيها واحد والفاعل مختلف، الدافع هو الطمع، والفاعل قد يكون من أهل القوة مرة مثل أمريكا وروسيا والدول التى تسخر مخابراتها لصناعة الإرهاب ثم سرعان ما ينقلب المصنوع على الصانع ليذيقه ما صنعت يداه، وقد يكون القتل باسم الدين مرة أخرى عند بعض الأفاكين الذين لم يفهموا دينهم فانسلوا من ربقته دون أن يعلموا، فأصبحوا يقتلون الأبرياء باسم الدين وباسم الرسول (ص)، ولو كان النبي الكريم (ص) حيا ما وسعه إلا قتالهم.
إن انتشار القتل بهذه الصورة المخيفة إضافة إلى أنه يعلن بكل وضوح انتحار الحضارة المادية للبشرية والتي يتزعمها الغرب وأمريكا، فإنه يعلن فناء الوجود الإنساني ذاته، حيث لم يبق سوى رصاصة الرحمة الأخيرة بانتظار أحد الأقطاب النووية في إطلاقها ليعم الفناء البشرية بأسرها، لتبدأ حياة جديدة الله وحده أعلم بما يكون فيها، ولتنتهي حياة بشرية معذبة في كل جوانبها وفي كافة بقاعها ومنعدمة من كل قيمة إنسانية وخالية من كل مبادئ الرحمة والمواطنة.
ما الحل إذن يا سادة؟
دعونا ننصف أنفسنا ولو مرة في تاريخنا، دعونا نعش الواقع بلا مزايدة أو تجميل، إن الغطرسة والعنهجية والإفراط في القوة من الطرف الأقوى في المعادلة لن يحل المشكلة، بل لن يزيدها إلا اشتعالا، مع الأخذ في الاعتبار أن الصغار لن يقفوا عاجزين في وجه الأقوياء على الدوام، بل لا بد لهم من انتفاضة سرا أو علنا، ستغزوهم سياسة الانتقام وفكر الانتحار دفاعا عن الكرامة أو مواجهة لقوى الشر، ليتحول العالم كله إلى فعل ورد للفعل، وليصبح العالم كله كرة ملتهبة قابلة للانفجار في أية لحظة.
على أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي أن ينظروا بعقلانية أكثر، وأن يعترفوا أن إفراطهم في استعمال القوة ضد شعوب ضعيفة هو ما أوصل العالم إلى ما هو عليه الآن من قتل وخراب ودمار، فالقوة والغطرسة ليستا أبدا وسائل صالحة لقيادة العالم، بل العدل والسلام هما الوسيلتان الأبقى عمرا والأعمق أثرا والأطول بقاء، لأن سياسة القوة والغطرسة لم تفرز إلا إرهابا وقتلا للأبرياء وتشريدا للآمنين،
ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي خططوا له منذ سايكس بيكو لم يوفر لهم الراحة والطمأنينة ولن يفعل، بل نتائجه عكسية وآثاره كارثية، انهيار دول وانتشار السلاح فيها وخروج الإرهاب من جوفها، إضافة إلى المشكلات اللا متناهية للاجئين وما يمثلونه من ضغط اقتصادي واجتماعي على الدول التي يهاجرون إليها وغير ذلك من مشكلات.
لابد من ميثاق عالمي جديد
لقد فشلت تلك السياسة العقيمة، وعليهم أن يعترفوا بذلك قبل غرق مركب الوجود الإنساني بأسره، فتصدير العنف والإرهاب والتقسيم لن يوفر الأمان أبدا للشعوب القوية أو العظمى فيما يقولون، بل ستكون كل نقطة دم بريئة في البلاد الضعيفة نهرا من الدماء في تلك البلاد الممولة والمخططة، جزاء وفاقا، تلك حقائق لا سبيل إلى إنكارها، وعلى عقلاء البيت الأبيض أن يدركوا تلك الحقائق التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، عليهم أن يدركوا أن مصير العالم كله بات مهددا واقعا لا خيالا، وأن سياسة فرق تسد ستنقلب عليهم دمارا لاقتصادهم وفناء لشعوبهم.
ليس من حل إذن غير ميثاق عالمي جديد للمواطنة، ميثاق يضمن تحقيق السلام العادل والشامل لكافة البلدان عالميا، ميثاق ينصف الشعوب المغلوبة على أمرها ويرد لها الاعتبار، ميثاق وضع نصه اخناتون، ذالكم الملك المصري الخالد في عام 1200 ق.م حيث نادى “عالم واحد وإله واحد وعالم يسوده السلام”، ذاك هو النص المفقود الآن، وذاك هو الحل، وما يعقلها إلا العالمون.
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
اقرأ أيضاً:
“هيروشيما وناجازاكي” هل كان من الضروري إلقاء القنبلة الذرية ؟