مهنة التعليم مهنة الأنبياء والرسل عبر تاريخ البشرية الطويل، منذ بداية الوجود البشري رفقة آدم عليه السلام وحتى اليوم.
حفلت النصوص السماوية بالإشارة إلى قداسة المهنة وسموها وهذا واضح جلي في التوارة والإنجيل والقرآن، فلم تحظ أي مهنة أخرى بقداسة المكانة وسمو الممارسة كمهنة التعليم.
وعبر عصور طويلة ظلت المهنة محتفظة برونقها وقداستها وسمو ممارساتها ومكانة أصحابها في المجتمع، الذين ينظر إليهم باعتبارهم ورثة الأنبياء وقادة التنوير وحماة الحضارة.
لكن في عصرنا الحالي يأتي التساؤل الملح: هل ما زالت المهنة محتفظة برونقها المقدس ومكانتها السامية؟!
بالطبع لا، إذ لم تعد المهنة في كل بلادنا العربية كما كانت في سابق عهدها، فقد غدت مهنة عادية يمتهنها المعلمون والممارسون غير ذوي الاختصاص والتخصص، وغدت منظومة التعليم في بلادنا العربية تئن تحت وطأة التأخر عن معايير الجودة، وضعف القدرة التنافسية وانهيار العلاقة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، والغياب شبه الدائم عن منصات التميز في قوائم أفضل النظم التعليمية العالمية.
لعل انهيار كليات التربية في معظم بلادنا العربية يعد أكبر دليل على انهيار المهنة وضعف قدرتها على إحداث التغيير المنشود، فقد أغلقت تلك الكليات في بعض الدول، واختصرت سنوات الدراسة فيها في بعض الدول، وحولت إلى كليات للدراسات العليا غير المجدية في بعض الدول، دون تنسيق أو اتفاق على إعادة قراءة المشهد التعليمي العربي العام، باعتبارنا شركاء الثقافة واللغة والهوية والدين ووحدة المصير.
غدا المعلم مرتبكًا في كثير من بلادنا العربية، غير قادر على المواءمة بين متطلبات ممارسة مهنته ومتطلبات الحفاظ على تماسك أسرته وتلبية احتياجاتها الأساسية المشروعة كافة.
غدا المعلم ناقمًا على مهنته التي لم يعد يقدرها المجتمع ولا يؤمن بتخصصات الممارسة وضوابطها، إذ غدت مهنة مستباحة يمارسها حتى الطلاب في الجامعات وخريجو الكليات غير التربوية في مراكز الدروس الخصوصية الخاصة، التي غدت أسواقًا رائجة لجباية ملايين الجنيهات والريالات والدينارات سنويًا، في غياب شبه تام لسلطات المراقبة المختصة في كثير من بلادنا العربية للأسف.
غدا المعلم مجبرًا على التعامل مع أنماط جديدة من الطلاب غير مؤمنة بقدسية التعليم، إذ تراه مظهرًا من مظاهر الرفاهية غير المهمة، كما أصبحت الدرجات الجامعية على تنوعاتها أدناها وأرقاها واجهات ديكور جميلة مبهجة، لا علاقة لها بمتطلبات المجتمع الأساسية ولا بمتطلبات سوق العمل الملحة.
باختصار غدت مهنة التدريس على مستوى الممارسة في كثير من بلادنا العربية مهنة من لا مهنة له ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد ضاعت هيبة المهنة وهيبة المعلم!
هنا ما الحلول المقترحة لإعادة الهيبة والوقار والسمو المفقود إلى مهنة التعليم وممارسيها في بلادنا العربية؟!
يجب أن يعاد الاعتبار إلى كليات إعداد المعلمين (كليات التربية) في كل بلادنا العربية، إذ هي الكيانات الرسمية الوحيدة المنوط بها إعداد المعلمين وتأهيلهم وتدريبهم في التخصصات كافة.
يجب تغيير شروط ممارسة المهنة وضوابطها، وقصرها على المتخصصين فقط، وإبعاد الغوغاء والدخلاء عن مشهد الممارسات الاستنزافية المؤلمة للجميع.
يجب بسط سيطرة الدول العربية على كل مؤسساتها التعليمية، واعتبار هذا البسط سلاحًا فعالًا للحفاظ على هويتها وثقافتها وأمنها القومي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.
يجب إعادة الاعتبار للمعلمين على الأصعدة كافة؛ الاجتماعية والمالية والإنسانية والوظيفية المهنية، فهم يستحقون الأفضل.
يجب إعادة النظر إلى موقعنا من العالم في مجال التعليم، بحيث نقف على محددات الواقع المؤلم وصولًا إلى حلول سريعة لعبور هذا الواقع، نحو مستقبل مشرق لمهنة التعليم وممارسيها ومستويات ومتطلبات ممارستها.
وختامًا في يوم المعلم:
“دمتم أيها المعلمون في القلب أصحاب أسمى رسالة وأشرف مهنة في الوجود وكل عام وأنتم بخير”.
مقالات ذات صلة:
دور المعلم والأخطاء التي تواجه المجتمع
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا