مقالات

مهمة DART .. أول مهمة فضائية حقيقية لتغيير مسار كويكب كامل!

من فترة قريبة عدت، وكالة ناسا قدرت تعمل حاجة كنا زمان فاكرينها مستحيلة تمامًا، ومش ممكن تحصل غير في أفلام الخيال العلمي بس! الحاجة دي إنهم قدروا لأول مرة في التاريخ يضربوا كويكب في الفضاء الخارجي بصاروخ عشان يغير مساره!

الفكرة بقى إن كل المهمة دي في الأساس اتصممت وسيلة لإنقاذ كوكب الأرض من خطر أي كارثة كونية ممكن تحصل في المستقبل، وتهدد الحضارة بالدمار.

طب يا ترى إيه بالظبط المهمة دي؟ وإيه تفاصيلها؟ وليه هي تعتبر واحدة من أكثر المهمات الفضائية أهمية في التاريخ، وخطوة حقيقية على سلم الاستكشاف البشري للفضاء؟!

ده اللي هنتكلم فيه النهارده مع بعض، فهات كوباية شايك الحلوة ونعناعك في إيدك، وتعالى أحكيلك.

ما هي مهمة دارت؟

شوف يا عم، المهمة اللي عملتها ناسا، واللي بنتكلم عنها هنا دي اسمها (DART)، وهي اختصار لكلمة (Double Asteroid Redirection Test)، بمعنى اختبار تعديل مسار الكويكب الثنائي، والسر في التسمية دي الهدف بتاع المهمة، اللي كان حاجة غريبة وغير معتادة، ومتعملتش قبل كده تقريبًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هدف مهمة دارت

مهمة دارتالمهمة دي كانت بتهدف في الأساس لإنها تحول مسار كويكب كامل ضخم في الفضاء، وتغير مساره والمدار بتاعه من خلال إنها تتصادم معاه بمركبة فضائية ضخمة سرعتها كبيرة جدًا، وتستعمل الطاقة الحركية دي كلها أو الـ(Kinetic Energy) بمعنى أصح، في إنها تحركه وتزحزحه من مكانه بقدر كافٍ لإنه يكون ملحوظ لينا هنا على الأرض.

الهدف بتاع المهمة دي بقى، كان عبارة عن اتنين كويكبات موجودين في مكان بعيد من المجموعة الشمسية، متجمعين مع بعض في نظام ثنائي وبيلفوا حوالين بعض، ومن هنا جت كلمة “الثنائي” اللي في اسم المهمة.

المهم بقى إن الكويكبين دول كان فيهم واحد كبير اسمه ديديموس (Didymos)، وحجمه تقريبًا نص ميل مربع، وبيلف حواليه الكويكب التاني الصغير اللي يعتبر القمر بتاعه أو الـ(Moonlet) بلغة علماء الفلك، واسمه ديمورفوس (Dimorphos)، وده حجمه كان تقريبًا 500 قدم مربع.

الكويكبات دي مش بتشكل خطر حقيقي على كوكب الأرض، ومدارها مش في خط تقاطع معانا خالص لو إنت كنت فاكر كده، يعني المهمة كلها من أولها لآخرها اختبارية، أو على الأقل ده المعلن عنه للعامة يعني، بس حسب المعلومات المتاحة فمفيش خطر على كوكب الأرض من الكويكبات دي على الأقل حاليًا.

اقرأ أيضاً: الكون الغامض واحتمالات المستقبل

تفاصيل مهمة دارت التابعة لناسا والاصطدام بالكويكبات

الفكرة إن المركبة الفضائية Dart دي بقى مخرجتش ومتمش إطلاقها للفضاء اليومين دول على عكس ما إنت متوقع، بل تم إطلاقها يوم 24 نوفمبر السنة اللي فاتت اللي هي 2021، في مهمة جذبت أنظار العالم كله، والصحافة العلمية كلها تقريبًا، بسبب طموحها وغرابتها، وطول الفترة الطويلة اللي عدت عليه في السنة اللي فاتت دي كلها كان مسافر في الفضاء بسرعة عملاقة بتوصل لـ15 ألف كيلومتر في الساعة، عشان يقدر يوصل لنظام الكويكبات في نهاية شهر سبتمبر اللي فات، ويتصادم مع الكويكب الصغير ديمورفوس!

لو سألتني هنا سؤال مهم، وقلتلي هو إزاي المركبة فضلت مسافرة في الفضاء سنة كاملة بالسرعة دي؟ وإيه نوع الوقود اللي يخليها تعمل حاجة زي كده؟ هقولك إن مركبة DART في الواقع مزودة بألواح طاقة شمسية (Solar Panels) بتستقبل الإشعاع بتاع الشمس وتحوله لتشغيل محركات دفع أيونية (Ion Thrusters) متركبة فيها، ودي تكنولوجيا جديدة لسه تحت الإختبار في مجال الدفع والطيران الفضائي، ممكن تغير مستقبل استشكاف الكواكب كله!

ده غير إن كمان المركبات الفضائية اللي زي دي أثناء إطلاقها في أي مهمة لنظام كوكبي بعيد، فهما بيستغلوا حاجة اسمها دفع الجاذبية في إيصالها لهدفها بسهولة ودون مجهود، ودفع الجاذبية ده باختصار معناه إنهم بيخلوا المركبة تمشي في منحنيات الزمكان اللي حوالين الكواكب الضخمة، وتلف حواليهم وفي مدارهم، عشان سرعتها تزيد، وبعدين تستعمل قدر صغير من الوقود عشان تهرب من المدار بسرعتها دي وتنطلق للمكان اللي هي رايحاه، حاجة بيسموها (Gravity Slingshot).

طب كل ده جميل، بس خلينا ندخل في المهم بقى، إيه اللي حصل بالظبط في وقت التصادم؟ وإيه النتيجة اللي رصدناها هنا على الأرض؟!

لحظة اصطدام مركبة ناسا بكويكب ديمورفوس لتحويل مساره

مهمة دارتاللي حصل يا سيدي إن يوم 27 سبتمبر، وفي وقت الفجر كده بتوقيت القاهرة، المركبة DART وصلت لوجهتها، وتصادمت مع الكويكب ديمورفوس بسرعة عملاقة تقدر بنحو 22 ألف و530 كيلومتر في الساعة، وطبعًا السرعة العملاقة دي كانت كافية لتحويل كتلة المركبة إلى قنبلة أقوى بمئات المرات من القنابل الهيدروجينية، لدرجة ممكن تحرك جبال كاملة من مكانها، وتغير مسارها وشكلها!

هو ده بقى هدفهم زي ما قلنا، إنهم يستعملوا الطاقة الناتجة عن التصادم دي في إنهم يغيروا مسار الكويكب تغيير بسيط، أو يبطئوا سرعته بمقدار ضئيل كافٍ لإننا نقدر نرصده من هنا على الأرض، ونتأكد إن المهمة نجحت، وحسب كلامهم، فالتصادم ده المفروض يعدل المسار بتاع الكويكب في الفضاء، ويخليه ينحرف بمعدل 1% تقريبًا، ودي نسبة رغم إنها قليلة، لكنها كافية لإنها يتم ملاحظتها ورصدها من خلال التليسكوبات اللي عندنا هنا على الأرض.

زي ما إنت شايف قدامك كده، ده شكل الكويكب الحقيقي اللي تم تصويره من المركبة قبل ما تتصادم معاه بثوانٍ، وعايز أقولك إن دي أول مرة في التاريخ يبقى عندنا صور بالوضوح ده لسطح الكويكب، ونقدر نشوف فيها تفاصيله بالدقة دي، والصور دي اتعمل منها فيديو كامل الفريمات بتاعته متجمعة من لقطات الكاميرا، هتوريك مشهد التصادم من منظور الصاروخ نفسه!

مش ده بس كل حاجة، ده لحظة التصادم، في قمر صناعي صغير إيطالي الصنع، كان متشال جوه المركبة DART، واسمه LICIACube، انفصل عن المركبة قبل التصادم بـ11 يوم تقريبًا عشان يسجل الحدث ده، وحاليًا إحنا مستنيين الداتا اللي هيبعتها لينا هنا على الأرض عشان نشوف اللي حصل بوضوح وبأعلى دقة، وندرسه ونشوف مدى فعالية المهمة.

اقرأ أيضاً: الانفجار الكبير وسر الخلق هل الكون نشأ بالصدفة؟

الآن تعرف على: ما سيحدث لمستقبل الأرض بعد انتهاء الموارد الطبيعية

جيمس ويب وهابل يلتقطان صورا مفصلة للحظة الاصطدام

بس هل إحنا هنفضل مستنيين ده كله عشان نشوف اللي حصل؟! لأ طبعًا، عشان في إنجاز تاني مذهل حصل من تليسكوب جيمس ويب وتليسكوب هابل الفضائي، اللي تعاونوا مع بعض لأول مرة من ساعة وصول جيمس ويب للفضاء، وصوروا لحظة التصادم بأعلى دقة ممكنة.

تليسكوب هابل صور الحدث باستعمال كاميرا الحقل العريض أو الـ(Wide Field Camera 3) زي ما بيسموها، ودي طبعًا زي ما كلنا عارفين كاميرا بتعمل باستعمال ترددات الضوء المرئي تقريبًا، لكن تليسكوب جيمس ويب استعمل كاميرا الـ(NIRCam) الموجودة عليه، واللي بتشتغل بترددات الأشعة تحت الحمراء، أو تحديدًا الـ(Near Infrared)، وده مصدر للصور والفيديو: https://www.space.com/webb-hubble-observe-dart-didymos-asteroid-crash

علماء الفلك لسه لحد دلوقتي بيحللوا الصور دي وبيحاولوا يفهموا منها تفاصيل دقيقة عن اللي حصل بالظبط، ومدى تأثير التصادم على النظام الكويكبي كله، على سبيل المثال، واحدة من الحاجات اللي بيحاولوا يعرفوها من دراسة الصور والداتا اللي بعتها هابل وجيمس ويب إنهم يعرفوا هل الشظايا اللي نتجت من التصادم كانت ترابية ومتكونة من ذرات صغيرة؟ ولا هل كانت شظايا صخرية ضخمة وحجمها كبير؟ وغيرها طبعًا حاجات تانية كتير.

تغيير مسار كويكب لأول مرة في التاريخ

مهمة دارتدلوقتي وفي كل حتة في العالم تقريبًا علماء الفلك والفيزياء، وكل التليسكوبات والمراصد الفلكية الأرضية على الكوكب تقريبًا بيتابعوا مسار الكويكب في الفضاء ويحسبوا سرعته بدقة عشان يتأكدوا فعلًا هل إحنا غيرنا مساره وسرعته حتى لو بمقدار صغير ولا لأ؟ وساعتها لو تم تأكيد ده، فدي هتكون أول مرة في التاريخ كله يقدر فيها البشر إنهم يغيروا شيء حقيقي في الفضاء!

لو سألتني إزاي يعني أول مرة، ما إحنا المفروض قبل كده وصلنا الفضاء ونزلنا على القمر وعملنا مهمات فضائية كتير جدًا، فخليني أقولك إن حتى لو إحنا قبل كده وصلنا للقمر، وسبنا آثار خطوات بشرية، ومركبات وآثار عجلات وما إلى ذلك، لكن كل ده لا يقارن بإننا نوصل أخيرًا لتغيير حركة أجرام سماوية ضخمة ومسارها! حاجة زي دي لازم هتحدد نقطة محورية في تاريخنا العلمي، وفي تاريخ استكشاف الفضاء عمومًا!

عمر البشر قبل كده في تاريخهم ما كانوا قادرين إنهم يأثروا في حركة أي جرم سماوي موجود في السما، عشان دي حاجة بتحتاج طاقة هائلة فعليًا، وشيء مستحيل حتى مجرد التفكير فيه بالعقل، ويمكن لو رجعت بالسنين لورا شوية، كان ممكن لو قلت لحد إن ده هيحصل في المستقبل، يقول عليك مجنون أو طموح زيادة عن اللزوم.

بس الحقيقة دلوقتي إنه حصل، وممكن جدًا نكون فعلًا قدرنا نحرك الكويكب ده من مكانه، ونغير مساره في قلب الفضاء، وساعتها الجنس البشري كله هيكون انتقل لمرحلة تانية جدًا على سلم التطور الحضاري والتكنولوجي، وبقينا قادرين نعمل حاجة قعدنا لفترة طويلة جدًا من عمرنا فاكرينها مستحيلة تمامًا.

تعرف على: لغز رحلة أبوللو

اقرأ أيضاً: أسطورة الكوكب X .. هل هي حقيقة أم خيال؟

هل انتهى تهديد النيازك والكويكبات لكوكب الأرض؟

في النهاية، نقدر دلوقتي نقول إن النيازك والكويكبات اللي في الفضاء الخارجي اللي بقالها فترة طويلة جدًا، وملايين السنين حرفيًا كل شوية تضرب الكوكب بتاعنا بضربة، وتتسبب في انتهاء العالم وانقراض الكائنات اللي عليه، دلوقتي بقى عندهم حاجة يخافوا منها، عارف ليه؟! عشان البشر أخيرًا أصبحوا قادرين يردوا الضربة ضربتين، وأي حد هيفكر يقرب مننا بعد كده هيزعل ويجيب ناس تزعل!

الجنس البشري يا سادة بيعلنها صريحة، وبيقول إننا خلاص عدينا مرحلة الخوف، وأخيرًا بقينا قادرين نقاوم ونحارب خطر الانقراض اللي قضى على الديناصورات من ملايين السنين قبل كده، لما الكويكب تشيكسولوب (Chicxulub) ضرب الأرض في خليج اليوكاتان جنب ساحل المكسيك، من تقريبًا 66 مليون سنة كده، وتسبب في تغيير سطح الكوكب كله وفناء أكتر من 75% من كل الكائنات الحية اللي عليه، وانقراض جنس الديناصورات بالكامل في ساعات قليلة!

خلاص الأحداث دي دلوقتي بقينا قادرين نتفاداها، أو على الأقل نحاول، وندي لنفسنا فرصة حقيقية إننا نقاوم ونهرب من المصير المرعب ده، اللي تكرر قبل كده مرات كتيرة في تاريخ الكوكب السحيق من ملايين السنين.

يا رب بس يجعل كلامنا خفيف على الكويكب ديمورفوس، ومنجيش بعد 17 ألف سنة كده ولا حاجة نكتشف إننا كنا غلطانين ومكانش المفروض ننكشه ولا نهزر معاه، عشان لو لف ورجعلنا تاني وجابلنا صحابه معاه، وقرروا إنهم يردوا ويعرفونا غلطنا، فساعتها هنزعل كلنا.

بس العزاء الوحيد ليا وليك يا عزيزي القارئ، هو إن ساعتها مش هنكون أنا وإنت موجودين عشان نندم.

مصادر:

https://www.nasa.gov/،./nasa-s-dart-mission-hits

https://www.nasa.gov/feature/goddard/2022/webb-hubble-capture-detailed-views-of-dart-impact

https://www.cbsnews.com/news/dart-mission-double-asteroid-redirection-test-how-nasa-hit-the-bullseye/

https://www.space.com/dart-asteroid-mission

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست