مقالاتفن وأدب - مقالات

أفلام الخيال العلمي في السينما المصرية .. تجارب قليلة جدا اتسمت بالسذاجة

للسينما المصرية تاريخ طويل قدمت فيه العديد من الأعمال المختلفة في المستوى والأفكار، قدمت الكوميدي والتراجيدي والأكشن والاستعراضي، دارت معظمها في التيمات الدرامية الـ 36 المعروفة للعالم كله (انتقام، خيانة، تمرد، اللغز، المطاردة، الوقوع في كارثة، الإنقاذ، وغيرها من تيمات الدراما)،

وانضمت لهم حديثا تيمة جديدة وهي الخيال العلمي ، هذه التيمة لم تتطرق لها السينما المصرية كثيرا لأسباب مختلفة منها عدم الثقة في تحقيقها للنجاح التجاري وإقبال الجمهور عليها، والسبب الثاني هو تواضع التجارب القليلة التي قدمتها السينما المصرية على مدى تاريخها الطويل جعلت صُناع السينما يخشون من فشل أي تجربة جديدة،

كما أن البحث العلمي والاكتشافات العلمية بشكل عام ضعيفة في المنطقة العربية وتكاد تكون منعدمة ولا يهتم الإعلام بتغطية هذا المجال، وبالتالي لم يعد للجمهور أي اهتمام أو فضول لمعرفة الجديد في هذا المجال، وأيضا صعوبة تقديم هذه التيمة وما تتطلبه من بحث ودقة في المعلومات وغرابة في الأفكار،

وهو أمر غير متوفر في سينما تعتمد في معظم أعمالها على السينما التجارية محدودة الموضوعات والأفكار، والتي غالبا ما تكون مقتبسة من أعمال أجنبية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتُعرّف أفلام الخيال العلمي بأنها أعمال تقوم على الاكتشافات العلمية والنظريات العلمية الجديدة أو الغريبة وتأثيرها على الإنسان إيجابا أو سلبا.

تجارب قليلة قدمتها السينما المصرية

التجارب القليلة التي قدمتها السينما المصرية اتسمت بالسذاجة والتواضع وغلب عليها الكوميديا والمفارقات التي تحدث بسبب غرابة الفكرة، وهناك خطأ كبير وقع فيه البعض هو الخلط بين أفلام الخيال والفانتازيا وأفلام الخيال العلمي ،

حيث صنفوا أفلاما مثل “رحلة إلى القمر” و”حب في التلاجة” و”المجانين التلاتة” و”سمير وشهير وبهير” على أنها خيال علمي، وهي في الحقيقة فانتازيا ولا يوجد بها أي نظرية علمية أو اكتشاف علمي يتحدث عنه العمل.

أما عن التجارب القليلة في تاريخ السينما والتي اختلفت أيضا في مستواها الفني فهي:

فيلم “هـ 3”

عُرض في فبراير 61، تأليف وإخراج عباس كامل، تمثيل رشدي أباظة وسعاد حسني، تدور أحداث الفيلم حول المعلم عباس (رشدي أباظة) والذي يبلغ من العُمر 80 عاما، ولكنه لا يعترف بسنه ويحاول أن يستعيد شبابه وفحولته عن طريق الأدوية والعقاقير، يعرف من الصيدلي أن هناك طبيبا اخترع دواء يمكن من خلاله أن يعود شابا،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يذهب عباس للطبيب ليحصل على الدواء، وأثناء انتظاره للطبيب في العيادة يغفو قليلا ويدخل في حلم طويل أنه عاد شابا في الثلاثين في قمة الحيوية والقوة، يُطلق زوجته العجوز وينطلق في حياة الليل والنساء، ويدخل في علاقة مع راقصة ويتعرض للإفلاس بعد أن فقد ثروته على يد أحد النصابين،

ثم يدخل في علاقة حب مع خطيبة ابنه في الحقيقة وهو ما يدفعه إلى قتل ابنه ثم يدخل السجن، وبعدها يصحو من الغفوة ويقرر أن لا يأخذ الدواء وأن لكل سن جماله، ويقرر زواج ابنه من حبيبته ويعطيه الثروة ويبقى مع زوجته.

تجربة بسيطة فكرتها ساذجة إلى حد كبير لكنه اعتمد على كوميديا الموقف مع وجود رشدي وسعاد حسني ونجوى فؤاد كعوامل جذب تجارية.

فيلم “قاهر الزمن”

عُرض في أغسطس 1987، سيناريو وإخراج كمال الشيخ، تدور أحداث الفيلم حول الطبيب حليم (جميل راتب) الذي يجري بعض التجارب على المرضى لمحاولة تجميدهم لسنوات حتى يظهر علاج لأمراضهم التي بلا العلاج الآن، ولكن في أثناء هذه التجارب يموت عدد كبير من المرضى ضحية هذه التجارب منهم زوجته المريضة أولى ضحايا أبحاثه،

يبدأ الصحفي فكري (خالد زكي) في محاولة حل لغز اختفاء المرضى ولأن حليم كان يرفض لقاء الصحافيين استطاع فكري التسلل إلى المعمل ليلا ولكن تصعقه الكهرباء ويقوم الدكتور حليم بتجميده، ثم يظهر الصحفي كمال (نور الشريف) ابن خالة فكري في محاولة حل لغز اختفاء ابن خالته واختفاء وموت المرضى إلى أن يكتشف حقيقة تجارب الدكتور حليم ويدور بينهم صراع،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الصحفي لكشف الحقيقة والطبيب لقتله حتى لا يفتضح أمره ويستمر في أبحاثه، وينضم للصراع التمرجي الجاهل الذي يرى أن كل ما يفعله الطبيب حرام وضد الدين مما يؤدي إلى انفجار المعمل وموت الطبيب ومساعديه.

يعتبر هذا الفيلم هو الوحيد الذي ينطبق عليه معايير وسمات فيلم الخيال العلمي ، لكن عابه بعض الحوارات الطويلة والجمل الخطابية التي تشرح التجربة وأهدافها أكثر من الصورة، ويبدو أن كمال الشيخ كان يعلم أن الفيلم سوف يواجه بعاصفة من النقد والهجوم، مما جعله ينشغل بالرد على كل الأسئلة داخل الفيلم بمشاهد حوارية طويلة لا مبرر لها، حيث عرفنا تفاصيل التجربة والهدف منها من خلال الحوار والحكي أكثر من الصورة والمواقف الدرامية،

وتكرر أكثر من مرة أنه لا تعارض بين العلم والدين وكأنهم ينفون عن أنفسهم اتهام أنهم ضد الدين، غاب عن سيناريو الفيلم التشويق الذي ميّز كل أعمال كمال الشيخ، وأصبح المشاهد يتوقع ما سوف يحدث في المشهد التالي، كما كان الانتقال من مكان مغلق لآخر مغلق على غرار السهرات التليفزيونية الضعيفة، أيضا كان الديكور متواضعا وساذجا إلى حد كبير، خاصة أجهزة المعمل والجثث المُجمدة.

فيلم “جري الوحوش”

عُرض في نوفمير 1987، محمود أبو زيد وعلي عبد الخالق، تدور أحداث الفيلم حول طبيب توصل إلى علاج نهائي لمشكلة العقم عند الرجال من خلال نقل جزء من مخ الشخص السليم إلى الشخص العقيم، وبسبب هذه العملية تحدث العديد من المشاكل للشخصين، وتفشل عملية علاج العقم، فيلم مباشر بشكل كبير حتى أسماء الأبطال كانت مباشرة بدون داعٍ..

عبد القوي شديد، سعيد أبو الدهب، الدكتور نبيه، وعبد الحكيم ضمير الفيلم، الحوار أيضا كان مباشرا بشكل مبالغ فيه، فيلم متواضع على كل المستويات حاولوا تحقيق نجاح مماثل لفيلم العار بنفس أبطال لكنه لم يحدث، جاءت الفكرة ظلامية ضد العلم بشكل كبير حيث افترض الفيلم وجود تعارض وصراع بين العلم والأخلاق وانتهى الفيلم بفشل وهزيمة العلم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فيلم “الرقص مع الشيطان”

عُرض في يوليو 1993 ، تدور الأحداث حول الدكتور واصل (نور الشريف) الذي يعود من الاتحاد السوفيتي بعد الحصول على الدكتوراه، ويتم تعيينه في الجامعة، وفي أثناء تجاربه العلمية يكتشف زهرتين غريبتين يأخذهما لإجراء بعض التجارب عليهما ويلاحظ نموهما بسرعة كبيرة، يستخرج منهما عقارا ويحقن به أرنبا ويلاحظ اختفاءه،

يقرر حقن نفسه بهذا العقار وينتقل بالزمن إلى 52 ويخبره جده بأنه باع كل ما يملك واشترى ذهبا ووضعه في بدروم الفيلا خوفا من التأميم الذي سوف يحدث، ثم يعود لوعيه ويبحث عن الذهب، ويقرر حقن نفسه مرة أخرى ولكن يذهب للمستقبل إلى 2030 وتخبره حفيدته أنهم وجدوا الذهب وأنه سوف يموت فور ولادة ابنته، ولهذا يطلب من زوجته إجهاض نفسها خوفا من موته عقب الولادة، لكنها ترفض،

يحقن نفسه أكثر من مرة للذهاب إلى جده لمعرفة مكان الذهب، حتى يصاب بانهيار عصبي ويدخل المستشفى، وتقوم زوجته الطبيبة بتحليل هذا العقار لتكتشف أنه مخدر هلوسة، وتضع ولدا وليس بنتا، وقتها يعود الطبيب إلى رشده ويسمي ابنه محمد، تم منع الفيلم من العرض لأنه يتحدث عن الإلحاد ويروج له كما رأى مانع الفيلم.

ورغم التقنيات الحديثة وتطور الصورة بشكل كبير في السينما المصرية مؤخرا إلا أنها ما زالت تلعب في المضمون من خلال موضوعات وقصص مُكررة ومستهلكة من دراما الأكشن والكوميدي، دون محاولة تقديم شيء مختلف وجديد في الأفكار والموضوعات، رغم أن الجمهور الآن أكثر تطورا ومتابعة لكل سينمات العالم بعكس جمهور الثمانينات وما قبلها، وهو ما جعل السينما المصرية تنغلق على ذاتها وتغيب عن المهرجانات الدولية وأصبح كل همها شباك الإيرادات في مصر وعدد من دول الخليج وانتهى الأمر.

اقرأ أيضاً:

الخيال الفرانكنشتايني

السينما العالمية والشرق

هل روجت سينما الانفتاح لقيم النفعية والمادية؟

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

مقالات ذات صلة