علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

الهيمنة

الحرية نعمة من نِعم الله التي أولاها الإنسان، لذلك فإن أي شخص حُر يكره القيد وتقييده من تحديد حركته أو مصادرة رأيه، فكسر النفس والتضييق عليها بالقول أو الفعل تأباه النفس البشرية التي لم تألف العبودية.

وعلى مر العصور يفرز التاريخ الناس، فمنهم مَن يحب العيش تحت الضغط والأمر والنهي والتحكّم ويكون كالهمج الرعاع يميلون مع كل ناعق ويستمعون لكل صائح، ومنهم الذي يمتلك الرأي والأنفة وإباء الضيْم والاستكانة والمهانة.

ومن الناس مَن يستيقظ من سُباته فينفض التراب من فوقه ويدخل حجرة الإفاقة فيخرج شخصًا آخر منهم “بِشْر الحافي”، الذي كان مُسرفًا على نفسه ولاهيًا ماجنًا، فتغيّر بالكلية نتيجة مرور شخص على داره فسأل الجارية: صاحب الدار حرٌ أم عبد؟ فلما علِم بِشْر بذلك جرى وراءه حافيًا، وقال: “بل عبد بل عبد!”، وهكذا خرج من هيمنة نفسه الأمّارة بالسوء.

الهيمنة والسيطرة عند بعض الأزواج

ونلاحظ أن بعض الأزواج –أو الزوجات– يحب التسلُّط والتحكّم في الآخر، ويريد أن يمسك الدفّة ويقود القارب بمحاولة فرض آرائه وإنفاذ قراراته على أنه الأكثر فهمًا ووعيًا، رغم أن الحياة مشاركة وكل طرف يكمل الطرف الآخر، فالحياة مرنة وتسامح وتعاون وليست سباقًا تُعطي النياشين لمن يتسلّط أكثر.

الفرد المُهيمن بديلا عن هيمنة المجتمع

كما تظهر كذلك ظاهرة “مؤسسة الفرد الواحد”، هذا الرجل أو تلك المرأة يعرفون بعض اللوائح والقوانين والشؤون الإدارية فيكون ناجحًا ومنظمًا في عمله، غير أن عنده داء عدم نقل الخبرة للصف الثاني أو العاملين معه، حتى يظلوا في حاجة إليه فيسألونه فيما خفي عليهم ويلجأون إليه في قراراتهم، فإذا غاب عن العمل لعذر أو موت مفاجئ انقلبت المؤسسة رأسًا على عقب وجاء قائد آخر بأفكار جديدة وهدم ما أسسه سابقه، وهكذا لا يحدث تقدم بالتعاون ونقل الخبرة إلى الآخرين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

منذ عدة سنوات كنتُ أعمل في مهنة “النقاشة”، مع شخص ما لزيادة دخلي، وذات يوم أرسل بي من الطابق السادس إلى أسفل لأعمل في البوابة إلى أن ينتهي من خلط الألوان، فتكلمتُ مع صديق لي يعمل في المهنة نفسها فقال لي: “نفترض أن هذا الشخص مات تموت معه المهنة؟!”.

إنّ نقل الخبرة وتعليم الناس صَدَقة ولا تدري ماذا يفعل الزمان بِك، فربما هذا يدفع عنك شرًا أو يجلب لكَ خيرًا، قال لي أحدهم ذات يوم: “يعني أنا أتعلم وأنفق الأموال ثم أعطي الزملاء خبرتي هكذا بهذه السهولة؟”.

الهيمنة في العلاقات الدولية

والهيمنة قد تتمثّل في سطو الدول الكبرى أو القوية السافر على الدول الفقيرة أو التي فيها تنازع وليس فيها رأي رشيد، وقد أخذ هذا الأمر تسميات أخرى فابتعدوا عن كلمة الاستعمار أو الاحتلال إلى كلمات لطيفة ظاهرها الرحمة وباطنها الاستعباد والذل فقالوا: حماية، أو وصاية، ولم يختلف الأمر باختلاف المسميات كثيرًا ولم يبتعد عن الهدف الأصلي السافر من: السرقة والنهب وسلب الإرادة.

يظهر الاحتلال والهيمنة الممجوجة في العصر الحديث بصورته العفنة في دولة فلسطين كاملة السيادة، التي جمع الغربُ والولايات المتحدة اليهودَ عديمي الشرف والعهد من كل حدب وصوب وزرعوا كيانًا سرطانيًا وسموه إسرائيل، الذي صال وجال –وما زال– في معاداة السامية وطمس الهوية واستخدام كل ما هو محرّم لتثبيت مُلكهم الهش.

اليهود لم يقتنعوا بفلسطين وحدها، بل عينهم على سيناء المصرية ونهر النيل والعراق وما جاوره، فهم لم يتعودوا العيش بسلام كالشعوب المحترمة، لكن لا بد من المناوشات والدخول في حروب وقتال رغم أن خبرتهم ضعيفة وليس لهم في الحروب وقتال الأبطال وجهًا لوجه، فيقاتلون وهم في الدبابات والطائرات، وما قطاع غزة منا ببعيد، فبعض الرجال من المقاومة يخرجون لهم من تحت الأرض وفوقها، يأخذونهم “غسيل ومكوة”، فحولوهم إلى أشلاء ومرضى نفسيين، فضلًا عن دمار آلاتهم العسكرية باهظة الثمن.

مقالات ذات صلة:

الهيمنة المادية

كيف نجح فلان في حين فشل ملايين؟!

“التعقل ودحض الهيمنة الثقافية”

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر