مقالات

لماذا يكذب الإعلام؟ .. الجزء الثالث

ليس السؤال: هل الإعلام موجه أم غير موجه؟ بل هل الإعلام موجه بهدف تضليل الناس أم لا؟! فالإعلام الموجه إعلام شريف ما لم يكن موجهًا بهدف التضليل، أما الإعلام الموجه بهدف توعية الناس والارتقاء بهم ونشر الحقيقة والمعرفة ومواجهة الجهل فهو يلبي الحاجة الحقيقية للإعلام ويؤدي رسالته الأهم، إذًا المشكلة في الإعلام المضلل وليست في الإعلام الموجه.

يقول الباحث فرانسوا جيريه: “يعتمد التضليل الإعلامي على مشروع منظّم ومخطط يهدف إلى تشويش الأذهان والتأثير على العقل والعواطف والخيال، وهو يعمل على المستويات جميعها من أصحاب القرار وحتى المواطنين العاديين. كما يجعل من وسائل الإعلام أداته لنشر وتعميم الرسالة التضليلية باتجاه الرأي العام”.

هل سمعت من قبل عن مصداقية الكذب؟!

أنا عن نفسي لم أسمع بهذا المصطلح قبل الآن، لكني لم أجد وصفًا أدق منه للطريقة المعروفة التي يلجأ فيها الإعلام إلى تبييض وجه الكذب الذي يكذبه، وإضفاء المصداقية عليه باستخدام شخصيات مقبولة عند الناس، مثل الفنانين ونجوم كرة القدم والشخصيات الأدبية الموثوق بها لتظهر على شاشة التليفزيون لتردد الكذب الإعلامي، ولأن لهذه الشخصيات رصيدًا من الحب عند الناس فسوف يكتسي الكذب على لسانها بالمصداقية والجاذبية والإقناع.

اختفاء الأسس العلمية للإعلام

عندما توفي العالم الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وجدت المذيعة في قناة “عربية” شهيرة تستضيف بالهاتف شخصًا ليعلق على الخبر وتقول له بلهجة تحريضية: “حدثنا عن الراحل وعن تأييده للكيانات المتطرفة”، فراح بالفعل ينفذ لها رغبتها وينعته بالتطرف وما إلى ذلك، وسواء أَتفقت أم اختلفت مع الشيخ القرضاوي، فإن هذا نوع من الإعلام يحتكر الرأي بدلًا من البحث عن الحقيقة، التي هي أساسًا وظيفة الإعلام وسبب وجوده، فالإعلام علمًا لا يجب أن ينحو هذا النحو مهما كان، بل يفترض أن يعرض الرأي والرأي الآخر عن طريق اتجاهين مختلفين مثلًا يتحاوران لتظهر الحقيقة، فإذا علمنا أن المذيعة هنا تصرفت وفق الاتجاه السياسي المعروف للقناة الفضائية نفسها كمصدر إعلامي، فإن هذا يطرح سؤالًا حول تبعية الإعلاميين، وهل هي للمرتب الذي يتقاضونه أم للحقيقة وللضمير المهني. وغني عن الذكر بأن المشاهد في عصر الإعلام المفتوح والإعلام البديل صار أكثر وعيًا ونضجًا وصار يفهم بسهولة حقيقة كل قناة أو صحيفة وما هو الخط الفكري أو السياسي الذي تتبناه وتروج له، وعليه فهو يعرف على سبيل المثال لماذا مارست القناة الفلانية التعتيم على خبر ما أو لماذا ضخمت من خبر آخر أو تلاعبت بخبر ثالث لتوجهه في الاتجاه الذي تريد، وهكذا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إعلام التفاهة

Doc P 768504 637417116849491204 1024x496 - لماذا يكذب الإعلام؟ .. الجزء الثالث

ليست مصادفة أن تنتشر في كثير من بلاد العالم البرامج التليفزيونية القائمة على التريند والتهييج وتسليط الضوء على التفاهات، هي في الواقع خطة سياسية مقصود بها تبديل اهتمامات الناس، من الأمور السياسية والفكرية والجادة والرغبة في الحرية والبحث عن العدالة وغير ذلك إلى إغراقهم في بحور من التفاهة، بحيث يتصور الناس مع الوقت أن التفاهة شيء جميل ومهم، وقد ثبت نجاح هذه الطريقة في صرف الناس عن التفكير في أمور السياسة، وانظر إلى مقدار الإقبال المنقطع النظير على برامج فيديوهات التفاهة، مثل شاب يرقص ببطنه الضخم، أو مطرب جاهل يغني كلمات مبتذلة، مقارنة بالإقبال على المواد الإعلامية الجادة والمفيدة ثقافيًا وإنسانيا.

التضليل الإعلامي لجذب المشاهدات

هناك نوع من الكذب الإعلامي ليس سياسيًا أو أيديولوجيًا، بل يهدف فقط جذب عدد أكبر من القراء أو المشاهدين، رأيت مرة خبرًا بعنوان حريق بالتليفزيون، لا بد أنه خبر خطير، لكن عندما قرأت التفاصيل وجدت الحريق “في مقلة لب”، والخسائر بعض اللب، والحريق بدأ بماس كهربائي بجهاز التليفزيون في المحل ومن هنا جاء العنوان “حريق بالتليفزيون”، هذا عن الصحافة، وستجد الأمر أشد هزلًا في القنوات الفضائية، إذ صارت البرامج تركز على الإثارة أيًا كان نوعها لجذب المشاهدات، مثل استضافة نجوم يوتيوب ومحتوياتهم التافهة من أجل تحقيق نسبة مشاهدة أعلى، وعلى يوتيوب وغيره من مواقع الإنترنت، وصلت المهزلة لدرجة أن تجد خبرًا عن وفاة شخص شهير في الفن أو السياسة أو غيرها وهو في الحقيقة حي يرزق، أو أن تجد عنوانًا مثيرًا وتفتح الفيديو أعلاه فتجد موضوعًا لا يمت للعنوان بصلة، لكنه نجح بهذا الكذب في استدراجك لفتح الفيديو حتى يحقق مستوى من المشاهدة يدر عليه ربحًا ويساعد على نشر قناته، فوضى شاملة اجتاحت الإعلام التقليدي والإعلام البديل.

استغلال الخبر

AJI - لماذا يكذب الإعلام؟ .. الجزء الثالث

من أساليب الكذب الإعلامي كذلك إذاعة خبر حقيقي مع توجيهه في اتجاه آخر، مثل أن يحدث انفجار في شارع فيضاف إلى الخبر أن الانفجار حدث على بعد شارعين من السفارة الفلانية أو غير بعيد عن وزارة الخارجية، وذلك بهدف تحقيق مزيد من الإثارة أو جذب نسبة مشاهدة أعلى أو تحميل الخبر بما لا يحتمل لتحقيق غرض سياسي ما.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إعلام نصف الحقيقة

تكون الجهة الإعلامية مثلًا متبنية لموقف سياسي، فتُسخِّر الخبر لتروج للموقف حتى لو اضطرت إلى ذكر نصف الخبر وإخفاء نصفه، مثل في حرب غزة تصور للمشاهد دمار غزة ومعاناة غزة لتثبت حمق المقاومة وفساد حساباتها، ولا تذكر لك خسائر إسرائيل الهائلة من النواحي العسكرية والاقتصادية والنفسية، كما تتجاهل أن مقاومة المحتل حق مشروع، وأنه ليس أمام الفلسطيني سبيل آخر إلا استخدام القوة لتحرير الأرض بعد استنفاد الطرق الأخرى كلها دون طائل، وأن ما تفعله إسرائيل من قتل للمدنيين ليس انتصارًا بل جرائم حرب فضحتها في العالم كله، كما فضحت عجزها عن الانتصار على الأرض.

وللحديث بقية…

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا تصدق كلمة قصيرة تقول لك: الأبحاث تقول كذا!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف

مقالات ذات صلة