مقالات

لماذ يكذب الإعلام؟ .. الجزء الثاني

إعلام الإنجازات والأمجاد

لعلنا نتذكر كذبة فوز منتخب كوريا الشمالية بكأس العالم لكرة القدم، ففي يوليو من عام 2014 أذاع تلفزيون كوريا الشمالية خبرًا يؤكد بلوغ منتخب بلاده المباراة النهائية في كأس العالم لمواجهة البرتغال، وأكد التلفزيون أن المنتخب تمكن من التأهل للمباراة النهائية بعد الفوز على كل من المنتخب الياباني بنتيجة 7-0 والمنتخب الأميركي 4-0 والصيني 2-0. بل وأذاع مقطع فيديو مفبركًا استعرض فيه رحلة منتخب البلاد خلال البطولة باستخدام مادة فيلمية لبعض المباريات القديمة. كل هذا ومنتخب ​كوريا الشمالية​ لم يتأهل أصلًا لبطولة كأس العالم في تلك النسخة، لكن كيف أقدم الإعلام الرسمي للدولة على مثل هذه الكذبة الحمقاء غير المنطقية على الشعب؟

هذا يؤكد أولًا أن الإعلام في الدول القمعية لا يفعل ذلك من تلقاء نفسه، لأن هذا المستوى من الكذب مسؤولية كبيرة، ولا يمكن أن يحدث إلا بأوامر عليا، أما الشعب الذي تلقى هذه الأخبار فهو معزول تمامًا عن وسائل الإعلام خارج حدود الدولة، التقليدية منها مثل التليفزيون أو الحديثة مثل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، هذا المثال يفسر أحد أسباب الكذب في البلاد القمعية؛ تضخيم الإنجازات من أجل تمجيد الحاكم والإيحاء بأنه لم ولن يمر على البلاد حاكم في كفاءته وعبقريته، بالطبع ليست كل الدول المتخلفة اقتصاديًا وحضاريًا وفكريًا تستخدم نفس هذه المستويات المرتفعة من الكذب على الشعب، لكنها تستخدم نفس أنواع الكذب بمستويات مختلفة.

يقول جوزيف غوبلز وزير الدعاية السياسية في عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية:

“اكذب ثم اكذب واكذب أكثر، وأخيرًا سيضطر الناس لتصديقك”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“أعطني إعلامًا بلا ضمير أُعطك شعبًا بلا وعي”.

“كلما كبرت الكذبة سهل تصديقها”.

حقًا لقد كان “جوبلز” مؤسس فن “غسيل الأدمغة”، وقد أصبح التعريف العصري للإعلام الناجح: الإعلام الناجح في غسيل الأدمغة.

الكذب الإعلامي أشد أسلحة الحرب خطورة

سلايدر 10 - لماذ يكذب الإعلام؟ .. الجزء الثاني

تقرأ خبرًا مثل: “جامعة كندية تفصل موظفة شاركت في تحقيقات الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، وأثبتت أنه لم يكن هناك حالات اغتصاب وقت الاقتحام الفلسطيني للمستوطنات الإسرائيلية”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بخبر كهذا نتأكد من أن الكذب الإعلامي قد صار سلاحًا استراتيجيًا معتمدًا في الحروب، وما قامت به تلك الموظفة أنها أبطلت ذلك السلاح الخطير في تلك الواقعة، فكان لا بد من معاقبتها بقسوة، كما تثبت لنا هذه الواقعة إصرار كندا على تبني الكذب الإسرائيلي رغم أنها ليست طرفًا واضحًا في الصراع، ويؤكد لنا هذا أن الحرب ليست فلسطينية – إسرائيلية كما يتوهم البعض، بل حرب الأمم كلها ضد العرب والمسلمين، وأن الحرب الإعلامية لا تقل خطورة عن العمليات العسكرية على الأرض، ومن الخطأ أن ننسى مقولة بوش الابن عند غزو العراق بأنها حرب صليبية، والذي فعله هنا أنه استخدم الكذب الإعلامي في الحشد الصليبي، ليوهم العالم الغربي بأنها ليست حربًا عادية بل هي حرب مصيرية لأتباع الصليب في أنحاء الأرض، وهي لغة غير دبلوماسية من رجل يفترض أنه على قمة الهرم الدبلوماسي في أكبر دولة في العالم، لكن الحقيقة أن الدبلوماسية محض قناع يمكن خلعه وقت اللزوم، إلا أنه أكد بذلك ولمن كان متشككًا أن الحروب الصليبية لم تنته، ومن ناحية أخرى اندلعت الحرب نفسها على كذبة إعلامية أساسية وهي أن العراق لديه أسلحة نووية، في هذه الحالة استُخدِم الكذب الإعلامي سلاحًا هجوميًا.

حتى وسائل التواصل والإعلام البديل يسيطر عليها الغرب بانحياز كامل إلى إسرائيل، فأنت على فيسبوك مثلًا إن ساندت إسرائيل المحتلة وهي تخوض حرب إبادة ضد أصحاب الأرض فأنت في أمان، أما إذا ساندت نضال المقاومة الفلسطينية صاحبة الحق في الدفاع عن النفس والأرض وفق القوانين الدولية بل والعدالة الإنسانية والفطرية، فأنت محظور وقد يغلقون حسابك، إنه زمن الحرب باستخدام آلة الإعلام الخطيرة، ومن يملك هذه الآلة يملك أخطر أسلحة الحرب، وهي نفس الآلة التي شوهت صورة الإسلام والمسلمين عبر الزمان.

يقول الشاعر الأمريكي الثوري ألين جينسبيرج: “من يتحكم في الإعلام والصور يتحكم في الثقافة. كما يقول الشاعر والمغني الأمريكي جيم موريسون: “من يتحكم في وسائل الإعلام، يتحكم في العقل”.

في حرب غزة الحالية رأينا كيف فبركت إسرائيل الصور لأسلحة وجدتها داخل مستشفى الشفاء بغزة لتبرر للعالم لماذا قصفت المستشفى وقتلت الأطفال والمرضى بالمئات، هي تعلم أن أفعالها الوحشية أثارت الغضب ضدها في أنحاء العالم، وعلاج ذلك الضرر الإعلامي في نظرها بسيط، وهو اللجوء إلى الكذب الإعلامي المضاد للحقيقة، واستخدام الكذب هنا وسيلة دفاعية تمامًا كما تُستخدم مضادات الطيران الأرضية في ميدان المعركة، يشجعها على ذلك الصورة النمطية الكاذبة لدى الغرب التي تقدم الإسلام على أنه مصدر الإرهاب، كما أنها استخدمت الكذب الإعلامي سلاحًا هجوميًا حين ادعت أن الفلسطينيين ذبحوا أربعين طفلًا، لكنها لم تستطع تعزيز هذه الكذبة بأي دليل مادي، ثم خرجت فيديوهات المستوطنين الإسرائيليين أنفسهم لتؤكد عكس ما أشيع، وتثبت أن مقاتلي غزة كانوا يتجاوزون الأطفال وأمهاتهم بل ويمازحونهم ويقولون اطمئنوا فنحن مسلمون لا نقتل الأطفال، وبنفس الطريقة ثبت كذب ادعاءات جرائم الاغتصاب فلم تثبت ولو حالة واحدة، وكذلك في حادثة قتلى الحفل الجماعي الذين ثبت أن إسرائيل نفسها هي التي قتلتهم بالخطأ نتيجة قصف جوي، قد تسقط الأكاذيب الإعلامية لأن الكذب ليس له رجلان، لكن يظل يصدقه من يصدقه وفق الميل والهوى.

من أسباب كذب الإعلام إلقاء اللوم في المشكلات التي تعاني منها الشعوب على الأنظمة السابقة، وقد نتعجب عندما نعلم أن أسلوب الإعلام في إلقاء اللوم على النظام السابق أسلوب قديم قدم التاريخ، وعلى سبيل المثال لا الحصر كانت من عمليات التضليل الإعلامي قيام كهنة معبد الشمس في جنوب العراق بكتابة تاريخ إنشاء المعبد على أنه في عهد الملك “مانيشا توشو” مع أن هذا الملك توفي قبل البدء بالبناء، وذلك لتبرير النفقات الباهظة التي صُرِفت وإقناع الناس بأن الحاكم الحالي غير مسؤول عن الفساد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وللحديث بقية…

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال

كيف يغير الإعلام صورة الواقع؟

الإعلام والأجورا الرقمية!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف

مقالات ذات صلة