مقالات

سؤال يسأله الجميع

الجميع في بلادنا يسأل: متى النصر؟ متى تتغير عجلة التاريخ؟ ويصعد الشرق ويهبط الغرب؟ الإجابة نعرفها من التاريخ، فالتاريخ يعيد نفسه في دورات، وكي نفهم الدورة الحالية، يمكننا النظر إلى الدورات السابقة.

في صراع فلسطين هناك نوعان من التفكير: تفكير الحق، وتفكير القوة.

تفكير الحق والحقوق

مثلًا أن يردد الصهاينة قصص التوراة وحواديتها وخرافاتها، قصص أنهم شعب متميز، وأن فلسطين من حقهم وفق حواديت في كتاب لا يؤمن به أحد غيرهم!

هذا الكتاب يحكي أن الله قد أعطى هذه الأرض لأجدادهم ملكية خالصة منذ 3000 سنة، وحواديت خارقة في كتاب يؤمن أغلب العالم أنه إما مزور وإما أَلَّفه أشخاص وهميون!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الخرافات التي لا يؤمن بها غير اليهود لا يؤمن بها أي دين آخر، ولا حتى يؤمن بها العلمانيون في الغرب والشرق ولا الملحدون ولا البوذيون ولا المسلمون ولا الهندوس!

خرافات وقصص تعتمد على طريقة تفسيرك لنصوص كتاب لا نعرف من كتب أغلب محتوياته، والأغلبية العظمى تقول إن فيه إضافات وتزوير كُتِبت على مر العصور!

تفكير القوة

العالم يقول لنا إن الحق مع القوي والغني، من يملك السلاح والمال والإعلام، إذًا متى سوف تستعيد أمتنا المال والقوة والسيطرة؟

كي نفهم حال الأمة العربية المسلمة اليوم، يمكنك التعلم من حال أوروبا العصور الوسطى، لتجد نفس الدورة، بنفس المراحل، مع تغير الظروف والأشخاص والجغرافيا، دورة الصعود والهبوط في التاريخ.

تجد الشعوب المسلمة منقسمة تحارب بعضها، متخلفة، فقيرة، ينتشر فيها الفقر والمرض، تمامًا مثل حال أوروبا الغربية في المرحلة ما بين القرن السادس الميلادي والسادس عشر الميلادي، عشرة قرون، ألف سنة، في حين أن جيرانهم المسلمين متقدمون أغنياء أقوياء، يحكمون العالم، دول عظمى متقدمة مثل العباسيين والعثمانيين ومغول الهند وفارس، دول متقدمة تتنافس وتتصارع، لكن يظل غرب أوروبا في القاع، تمامًا مثل تنافس الدول العظمى اليوم، بينما العرب والمسلمون في القاع!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العصور الوسطى الأوروبية تنقسم إلى ثلاثة أجزاء:

  1. مرحلة ما بعد انهيار الدولة الرومانية الغربية وغزو القبائل الجرمانية الهمجية لغرب أوروبا، إلى مرحلة الحروب الصليبية، قرابة 400 سنة.
  2. مرحلة الحروب الصليبية، إلى مرحلة انتشار الطباعة والكتب المطبوعة في أوروبا، قرابة 300 سنة.
  3. مرحلة الطباعة وانتشار الكتب المطبوعة في أوروبا، إلى مرحلة الاستعمار والغزو الأوروبي للعالم ومن ثم نهضة أوروبا في القرن السابع عشر، قرابة 300 سنة.

الشرق يمر اليوم بالمراحل الثلاثة، لكن يمر بها في سرعة أكبر، حتى أصبحنا نرى المرحلة تبدأ وتنتهي في بضع عشرات من السنين بدلًا من عدة مئات من السنين!

مرحلة انهيار الدولة الرومانية ولم يتبقَ منها غير جزء صغير جدًا وهو الدولة البيزنطية، تمامًا مثل مرحلة تراجع وانهيار الدولة العثمانية وسقوط العالم العربي والإسلامي ضحية التخلف والاستعمار (القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين).

مرحلة المقاومة الضعيفة الهمجية وغير المنظمة في صورة هجمات الصليبيين الهمج على سواحل الشام، وعمل دويلات صغيرة، انتهت بالفشل كلها بعد سنوات، تمامًا مثل هجمات التنظيمات والمنظمات سواء ما تسمى منظمات قومية أو ناصرية أو إسلامية أو حركات مقاومة، أيُّ أسماء، المهم تؤدي إلى ضربات مزعجة للغرب رغم أنها ضربات صغيرة.

لكن بالتدريج يستعيد الشرق والعرب والمسلمين الثقة بأنفسهم، وأنهم قادرون على المواجهة والصراع مع الدول العظمى التي كانوا يظنون أنها لا تقهر، وبدأت تهتز هيبة العالم المتقدم في عيونهم، وفي نفس الوقت يتعلمون منه نقاط القوة دون التنازل عن هويتهم ودينهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تمامًا كما ساعدت الحروب الصليبية في أن تثق شعوب غرب أوروبا المتخلفة بنفسها، وتبحث عن طرق لتعلم العلم من العالم الإسلامي دون التنازل عن الهوية المسيحية الأوروبية.

مرحلة ظهور الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي الذي يساعد على نشر الأفكار بسرعة أكبر وتغيير طريقة تفكير الشعوب، وانتشار الأفكار يصاحبه صراعات واضطرابات، كما يصاحبه تطور في العقل.

تمامًا مثل انتشار الطباعة والكتب في القرن السابع عشر وما نتج عنه من انتشار أفكار حركة الإصلاح الديني والحروب الدينية في أوروبا في القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر.

مع انتشار الإنترنت، بدأت الشعوب المسلمة تتغير، والأفكار تنتشر، وكما استفاد غرب أوروبا من اختراع العرب والصين للطباعة والورق والبوصلة والبارود، ونهض في القرن السابع عشر والثامن عشر، اليوم يستفيد الشرق والعرب والمسلمون من اختراع الغرب للإنترنت، وتتغير الشعوب العربية بسرعة، مما يؤدي إلى موجات من الفوضى الشديدة، كما نرى اليوم في الربيع العربي والحروب الأهلية وغيرها، لكنها سرعان ما ستنتهي إلى مرحلة النهضة والنضج.

في المرحلة الثالثة، كانت دويلات إيطاليا مثل فينيسيا وفلورنسا وجنوه دويلات غنية تتاجر مع العالم الإسلامي المتقدم، بينما تعاني بقية أوروبا من الفقر والتخلف والحروب، وفي نفس الوقت يرعى حكامها الفنون والثقافة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تمامًا مثل اليوم تتاجر وتتعاون دويلات الخليج العربي الغنية مع الغرب، ويرعى حكامها النشاطات الفنية والثقافية، بينما يعاني بقية العرب من الفقر والتخلف.

من هذه الحسبة لسرعة دوران عجلة التاريخ، نجد أننا في بداية المرحلة الثالثة والأخيرة، التي غالبًا ستستغرق 80 إلى 90 سنة أخرى، قبل أن يكتشف العالم العربي والإسلامي أنه دخل عصر النهضة والقوة واستعادة المكانة التي يستحقها، مكانة العالم الأول.

بينما سوف تنهار إسرائيل في بضعة سنوات، ليس بسبب قوة العرب والمسلمين، لكن بسبب المقاومة الفلسطينية، وهشاشة إسرائيل من الداخل والخارج، ومشاكل الدول الراعية لها في الغرب.

هذه هي الحسبة من دروس التاريخ وسرعة دورانه.

ملحوظة: طوال التاريخ الصين متقدمة في الصناعة لكن تظل محلية الثقافة، ليس لثقافتها قدرة على التوسع، كانت متقدمة في عهد الخلفاء الراشدين والعباسيين والعثمانيين، بل حتى القرن التاسع عشر، لكن ظلت حضارة محلية.

عجلة التاريخ تسير بسرعة تغيير أفكار ومعتقدات الشعوب، وليس الحكام، رغم أن الحكام يؤثرون في الشعوب ويتأثرون بالشعوب، فإنهم في النهاية نتاج لثقافة الشعوب.

“وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)”، سورة يوسف.

مقالات ذات صلة:

درس لنا في تحدي عجلة التاريخ

لا تصدق وجهة نظر واحدة

نظرية الوقت الشبحي

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس

مقالات ذات صلة