مقالات

مجدي يعقوب .. في ذكرى ميلاده (16 نوفمبر 1935)

في أكتوبر من سنة 2001، قالت عنه كاترين أوبراين (Katrina O’Brien) محررة التايمز: “سوف يسجل التاريخ أن مجدي يعقوب هو أحد أكثر الجراحين ابتكارًا في جيله. لقد تنافس أطباء القلب من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى فريقه، لكن لم يحظ بذلك إلا أولئك الذين يشاركونه أخلاقياته المهنية التي لا تنضب، ونهمه لإحراز التقدم. هو رجل لديه قدرة هائلة على التحمل، لا ينام أكثر من خمس ساعات في الليلة، وهو وفقًا لمن يعرفونه جيدًا عنيد، كثير المطالب، غير منظم لدرجة ميؤوس منها، مفوض عن الفقراء، لكنه مع ذلك دمث، هادئ، مثابر بشكل منطقي وجريء”.

قالت عنه روزماري رادلي سميث (Rosemary RadleySmith طبيبة بريطانية، وعضو فريق العمل معه لأكثر من ثلاثين عامًا: “رغم ما يحظى به من تبجيل، إلا أنه خجول بشكل قوي وأصيل. لم يجد زملاؤه الأكاديميين وسيلة لمنعه من مغادرة حفل أقيم خصيصًا له سوى سرقة مفاتيح سيارته لإجباره على البقاء. لقد شاهدته منذ أيام في حفل استقبال أنصار سلسلة الأمل، وهي مؤسسة خيرية للأطفال كان قد أسسها، لقد كان دخوله بلا أية ضجة أو أضواء، وقد مرت عدة دقائق قبل أن يلحظ المنتظرون له أنه قد حضر بالفعل”.

كان مجدي يعقوب انطوائيًا إلى حد كبير، كان في طفولته يقضي أيامًا عديدة دون أن يتحدث إلى أحد، حتى لقد راودت والداه فكرة عرضه على الطبيب. يقول مجدي يعقوب: “لم يفعلا ذلك، لكني أتذكر كم أرعبتني هذه الفكرة. لقد كنت أضخم بكثير من أقراني، لذا كان الناس يتوقعون مني الكثير، لقد كنت الصبي الذي يجلس في مؤخرة الفصل دون أن ينطق بشيء، إذ من أنا حتى أقول شيئًا؟ لقد كنت انطوائيًا جدًا”. فمن هو مجدي يعقوب؟

مجدي حبيب يعقوب

واحد من أشهر ستة جراحين للقلب في العالم، وثاني طبيب يقوم بزراعة قلب بعد كـريستيان برنارد (Christiaan Barnard، 1922 – 2001). أجرى أكثر من ألفي عملية زرع قلب خلال ربع قرن، وهو من أشهر المصريين الذين يرفعون اسم مصر في أوروبا والعالم. تاريخه حافل، وعبقريته غير مسبوقة في تاريخ مصر، وتواضعه جم للغاية، ويعد من أشهر أطباء مصر الذين وصلوا إلى هذا المركز بين أطباء القلب في العالم. كرمته الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا ومنحته لقب سير ووسام فارس، نال عديدًا من درجات الدكتوراة الفخرية من الجامعات الأجنبية، وبلغت أبحاثه العلمية أكثر من 400 بحث متخصص في طب القلب والصدر وجراحتهما.

ميلاده وحياته العلمية

وُلد مجدي يعقوب في 16 نوفمبر عام 1935 في بلبيس مصر، لعائلة قبطية أرثوذكسية تنحدر أصولها من أسيوط. حصل على بكالوريوس الطب من جامعة القاهرة، مستشفى القصر العيني، ثم عمل جراحًا نائبًا في قسم عمليات الصدر في المستشفى. سافر إلى إنجلترا عام 1962 لاستكمال دراساته، وحصل على درجة الزمالة الملكية في الجراحة من ثلاث جامعات بريطانية هي لندن وإدنبرة وجلاسكو. عمل في مستشفى الصدر في لندن، كما عمل باحثًا في جامعة شيكاغو الأميركية عام 1969. ولمهارته ترأس قسم جراحة القلب عام 1972، ثم عمل أستاذًا لجراحة القلب في مستشفى برومتون في لندن سنة 1986، ثم رئيسًا لمؤسسة زراعة القلب في بريطانيا سنة 1987، وأخيرًا استقر في عمله أستاذًا لجراحة القلب والصدر في جامعة لندن.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عمل يعقوب أيضًا أخصائيًا لجراحات القلب والرئتين في مستشفى هارفيلد من سنة 1969 إلى سنة 2001، ومدير قسم الأبحاث العلمية والتعليم منذ سنة 1992. عين أستاذًا في المعهد القومي للقلب والرئة سنة 1986.

اهتم مجدي يعقوب بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ سنة 1967. وفي سنة 1980 قام بعملية نقل قلب للمريض دريك موريس، والذي أصبح أطول مريض نقل قلب أوروبي على قيد الحياة حتى موته في يوليو من سنة 2005. من بين المشاهير الذين أجرى لهم عمليات كان الكوميدي البريطاني إريك موركامب (Eric Morecambe، 1926 – 1984). منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس سنة 1992. ويُطلق عليه في الإعلام البريطاني لقب ملك القلوب (King of hearts).

حين أصبح عمره 65 سنة اعتزل إجراء العمليات الجراحية، واستمر استشاريًا ومُنظرًا لعمليات نقل الأعضاء. وفي سنة 2006 قطع الدكتور مجدي يعقوب اعتزاله العمليات، ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعي. استعاد القلب المتضخم للطفلة البريطانية هـانا كلارك (Hannah Clark) حجمه الطبيعي مرة أخرى‏، ‏وعاد للعمل بكفاءة عادية‏‏ بعد عشر‏ سنوات من التوقف‏.‏ وكان مجدي يعقوب قد قام بعملية الزرع السابقة، إذ أسهم القلب المزروع في استعادة القلب الطبيعي لحجمه وتعافيه‏.‏

حصل على زمالة كلية الجراحين الملكية بلندن وحصل على ألقاب ودرجات شرفية من كلٍ من جامعة برونيل (Brunel) وجامعة كارديف (Cardiff) وجامعة لوفبرا (Loughborough) وجامعة ميدلسكس (Middlesex) (جامعات بريطانية)، وكذلك من جامعة لوند (Lunds) في السويد، وله كراسٍ شرفية في جامعة لاهور (Lahore) في باكستان وجامعة سيينا (Siena) في إيطاليا.

إنجازاته وجوائزه

مجدي يعقوبأجرى مجدي يعقوب ما يقرب من ٢٥ ألف عملية خلال مشواره الطبي الطويل، منها ٢٥٠٠ عملية زراعة قلب. وقد اهتم خلال هذا المشوار بتدريب الأطباء على مستوى العالم كله، مؤكدًا أنه بهذا ينقذ مريضًا قد لا يتحمل الانتظار حتى يأتي بنفسه لإجراء العملية. وهو يفخر في كل مكان بالأطباء المصريين الذين تتلمذوا على يديه، وأصبحوا قادرين على إجراء عمليات زراعة القلب بنجاح كبير.

ولأنه مثال للأخلاق والكفاءة العلمية والتفاني في العمل، حصل يعقوب على جائزة الشعب لعام ٢٠٠٠ التي نظمتها هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C)، إذ انتخبه الشعب البريطاني للجائزة عن عموم إسهاماته العلمية وإجرائه أكبر عدد من عمليات زرع القلب في العالم، ورغم كل تلك الجوائز والألقاب تبقى ضحكة طفل صغير بعد شفائه أو كلمة شكر يتلقاها من آباء وأمهات المرضى، الذين يساعد في تخفيف آلامهم، هي جائزة الشعب الحقيقية، التي يتلقاها، كما يردد دائمًا.

انتخب الشعب البريطاني البروفيسور يعقوب ليفوز بجائزة الإنجازات المتميزة في المملكة المتحدة. وخلافًا لأسلوب الترشيح المتبع في تنظيم الجوائز العلمية الأخرى، إذ تعمد لجان متخصصة إلى اختيار المرشحين بناءً على مؤشرات مُحددة علميًا، فإن الفائزين بجوائز الشعب يرشحون من عموم الشعب البريطاني، الذي يصوت أيضًا على الفائزين. وفي سنة 2000، شمل التصويت مجالات عدة منها الفنون والأفلام والموسيقى والرياضة والتجديد والإبداع والشجاعة، إضافة إلى الإنجازات الريادية التي يقدمها الشخص للمجتمع خلال فترة حياته. وفاز يعقوب بتلك الجائزة عن عموم إسهاماته العلمية بسبب إجرائه أكبر عدد من عمليات زرع القلب في العالم.

هكذا اختير هذا الجراح المصري للحصول على لقب سير بريطاني، على غرار اختيار الاختصاصي المعروف في الجراحة التجميلية ستيفـن هـول (Steven Holt)، ورجل الأعمال الإنجليزي المشهور صاحب شركات فيرجن (Virgin) ريتشارد برانسون (Richard Branson)، ومغني فرقة البيتلز الشهير بول ماكارتني (Paul McCartney) وغيرهم.

تم منحة جائزة فخر بريطانيا في الحادي عشر من أكتوبر سنة 2007، المقدمة على الهواء مباشرة من قناة آي تي في البريطانية (ITV) بحضور رئيس الوزراء غوردن براون (Gordon Brown، من مواليد 1951)، وتُمنح الجائزة للأشخاص الذين ساهموا بأشكال مختلفة من الشجاعة والعطاء، أو ممن ساهموا في التنمية الاجتماعية والمحلية. ارتأت لجنة التحكيم أن الدكتور يعقوب قد أنجز أكثر من عشرين ألف عملية قلب في بريطانيا، وقد ساهم بعمل جمعية خيرية لمرضى القلب الأطفال في دول العالم النامية، ولا يزال يعمل في مجال البحوث الطبية، لذا تم اختياره من لجنة التحكيم ليكون الشخصية البارزة في الحفل، وتم تسليمه الجائزة في نهاية الحفل مع حضور عشرات الأشخاص الذين ساهم الدكتور يعقوب في إنقاذ حياتهم على خشبة المسرح.

يضم سجل يعقوب إنجازات عدة في المجالات الطبية، من أبرزها إنشاء مركز هارفيلد لأبحاث أمراض القلب في بريطانيا (Harefield Heart Science Centre)، واستحداث أسلوب مبتكر للعلاج الجراحي لحالات هبوط القلب الحاد، وتأسيس البرنامج العالمي الرائد لزراعة القلب والرئة، والمساهمة في إنشاء مؤسسة الأمل للأعمال الخيرية، التي تقدم خدمات إنسانية متنوعة لمرضى القلب من الأطفال في عديد من الدول النامية. ويحوز العضوية الشرفية في أكثر من 15 مؤسسة وجمعية علمية في العالم.

في أغسطس من سنة 1989، احتفلت الأوساط العلمية والصحافية اللندنية، بوصول عدد عمليات زرع القلب والرئة إلى الألف. وكرم البابا شنودة مجدي يعقوب خلال زيارة الأول لبريطانيا في مارس 2002، وأسس يعقوب سنة 1995 مؤسسة خيرية تدعى سلسلة الأمل (Chain of Hope)، تتولى إجراء عمليات جراحية لإنقاذ حياة مرضى القلب من الأطفال في البلدان النامية. ويُسجّل له أنه أول من ابتكر جراحة الدومينو (Domino Operation)، التي تتضمن زراعة قلب ورئتين في مريض يعاني من فشل الرئة، وفي الوقت ذاته، يؤخذ القلب السليم من المريض عينه ليزرع في مريض ثان.

أجريت أول عملية لنقل القلب سنة 1967، وكان أول من أجريت له تاجر بقالة من جنوب إفريقيا اسمه لـوي واشكانسكي (Louis Washkansky)، وأجراها له الدكتور كريستيان بارنارد (Christian Barnard)، الأشهر في هذا المجال. وفي الثمانينيات بدأت تنتشر على نطاق واسع عمليات زرع الأعضاء البشرية، ولم تعد تقتصر على زرع الكلية أو القلب، بل أصبح كثير منها شديد التعقيد والطموح، مثل عملية أجريت سنة 1988 لإعادة يد مقطوعة إثر حادث، شملت بالطبع رتق كافة الأعصاب والأوعية الدموية المقطوعة. هذا بالإضافة إلى عمليات زرع القرنية وعدسة العين والكبد والبنكرياس والطحال والرئة والمبيض، إلخ. كما أصبح من الممكن زرع منظم آلي لضربات القلب، داخل التجويف الصدري، أو أجزاء آلية أخرى لأغراض محددة.

ساهم في ذيوع صيت مجدي يعقوب اهتمامه بإجراء جراحات مجانية في الدول النامية وفي بلده مصر للمرضى، وخصوصًا الأطفال الذين لا يستطيع ذويهم تحمل التكاليف الباهظة لهذه العمليات، وهو يسافر على رأس فريقه الطبي المتكامل المعروف باسم قاطرة الأمل لإجراء جراحات معقدة في قلوب أطفال مصر وغيرها من الدول. كما ساهم في تأسيس وحدة رعاية متكاملة في مستشفى القصر العيني لعلاج التشوهات الخلقية في القلب.

نجح فريق طبي مصري بقيادة مجدي يعقوب في تطوير صمام للقلب باستخدام الخلايا الجذعية، وهو الاكتشاف الذي سيسمح باستخدام أجزاء من القلب تمت زراعتها صناعيًا في غضون ثلاثة أعوام.

يقول الدكتور مجدي يعقوب أنه في خلال عشرة أعوام سيتم التوصل إلى زراعة قلب كامل باستخدام الخلايا الجذعية. وكان الفريق الطبي قد نجح في استخراج الخلايا الجذعية من العظام وزرعها وتطويرها إلى أنسجة تحولت إلى صمامات للقلب، وبوضع هذه الخلايا في بيئة من الكولاجين تكونت إلى صمامات للقلب بلغ طولها ثلاثة سنتيمترات.

من أقواله

“الحقيقة صعبة المنال، وليس في وسعنا إلا أن نسعى إليها. كثيرون أنجزوا أبحاثًا علمية متفوقة، وجميعهم اقتربوا من الحقيقة، لكن أحدًا منهم لم يدركها”.

“أفضل طريقة للاقتراب من حقيقة علمية، هي محاولة دحضها لاختبارها، بدلًا من البحث عن حُجج تدعمها”.

“إن كفاءة علماء الطبيعة الذين درسوا العلوم الإنسانية أعلى منها لدى نظرائهم”.

“العلم تواضع، فمن قال لك أنه يعرف كل شيء فثق أنه جاهل”.

“أنا لم أفكر في الاعتزال، وما دمت قادرًا على مساعدة الناس بطرق مختلفة فلن أتوقف‏،‏ خاصة في مجال إنشاء مستشفيات ومعاهد أبحاث مثل التي تم إنشاؤها في أسوان والإسكندرية وإثيوبيا وجامايكا‏”.

“بالنسبة لي حققت الأمرين اللذين طالما حلمت بتحقيقهما مذ كنت صبيًا في قرية مصرية؛ حلمت أن أصبح طبيبًا جراحًا وعالمًا. هذا ما يفسره الناس بالشهرة، أما أنا فأراه امتيازًا حظيت به”.

“بقدر ما تحقق ترى أنه عليك فعل المزيد، وبقدر ما تتعلم، تدرك أمرين: أولًا أنه ما أن تصل إلى القمة في المعرفة حتى تدرك أن هناك ما هو أكثر وأكبر لتعرفه، وثانيًا، تجعلك المعرفة تتعرف على آلام الناس ومعاناتهم”.

“من أكثر الأشياء التي تخيفني في مصر عدم اهتمام المصريين بالعلم!”.

المصادر: 

State Information Service and other sites.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. د. صلاح عثمان

أستاذ المنطق وفلسفة العلم – رئيس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنوفية