قضايا شبابية - مقالاتمقالات

قضية العولمة كقضية عالمية تواجه شباب العالم .. الجزء الأول

يشهد العالم اليوم العديد من القضايا التي تشغل المفكرين، والسياسيين، والإعلامين، وغيرهم من المهتمين بحقل القضايا الدولية المعاصرة، ورغم هذا الانشغال في التوصيف والتعريف والتحليل، لم يتمكن أحد سواءً علي صعيد الأفراد أو المؤسسات من الوصول إلى حلول، تبعد تبعات هذه القضايا عن البشرية ومجتمعاتها ومؤسساتها المختلفة، حيث إن اعتبارات ظهور هذه الأزمات والقضايا رافقت وجود المجتمعات البشرية منذ ظهورها.

أولًا: مفهوم العولمة

العولمة نظام عالمي، له أدواته وعناصره، وهي ظاهرة استراتيجية تاريخية، تتمفصل وتتسرب مياهها في مسارب العالم كله.

يمكن النظر إلى العولمة من الناحية التقنية على أنها: “ديناميكية جديدة تبرز داخل دائرة العلاقات الدولية، من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات، والمكتسبات التقنية والعلمية”،

والعولمة الجديدة هي: “ظاهرة كونية مزدوجة تتعامل مع العالم بين الشمال والجنوب كقوة مسيطرة في تفكيك الصيغ المألوفة، وإعادة تركيبها من جديد على أسس غير مألوفة ألبتة”.

ويمكن أن تنصرف العولمة إلى المفهوم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي. فالعولمة إذن بهذا المفهوم: أداة للهيمنة وقمع للخصوصية، وتهدف لاحتواء العالم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

عندما يذكر مصطلح العولمة ((Globalization فإنه يجعل الذهن يتجه نحو الكونية: أي إلى الكون الذي نعيش فيه، وإلى المعمورة من الكوكب الذي نعيش فيه، ومن ثم فإن المصطلح يعبر عن حالة من تجاوز الحدود السياسية الراهنة للدول إلى آفاق أوسع وأرحب، تشمل العالم بأسره.

ما هي جوانب العولمة؟

ومن ثم فإن العولمة تأخذ جوانب عديدة، ومنها:

العولمة الاقتصادية

حرية حركة السلع والخدمات والأفكار، وتبادلها الفوري دون حواجز أو حدود بين الدول. وهي حرية شاملة: كحرية نقل وتوطين واستثمار جميع عوامل الإنتاج: من أيدي عاملة، ورأس مال، وإدارة، وتكنولوجيا، وأرض، أوموارد أرضية قابلة للاستثمار والاستغلال.

العولمة الثقافية

تُحول العالم إلي قرية كونية بفعل تيار المعلوماتية (informative): أي يصبح كل سكانه في حالة معرفة، وإحاطة فورية بما يحدث لديهم، وربما يحدث لدي الآخرين.

وبحكم ثورة المعلومات والاتصالات، والتقدم التقني الفائق، يمكن لكل منهم التأثير والتأثر في الآخرين وبالآخرين.

بل تُصاغ صياغة جديدة؛ لتأكيد مصالحها، ونفوذها إلي الدرجة التي تحتاج معها إلي سلطة كونية، قادرة علي ضبط توازنات هذه الشركات، والحيلولة دون خروجها عن القانون، أو اقترافها أي جرائم من أي نوع.

العولمة السياسية

متعددة الجنسيات ((tranationals وتلك القوميات ((superanationals كقوى عالمية: فائقة النفوذ والقوة، تسعى من أجل الهيمنة، وليس لها ولاء أو انتماء لدولة بعينها، أو لقومية محددة، بل انتماؤها بحكم مصالحها إلي العالم كله بأسره، وولاؤها بحكم مناطق نفوذها: يشمل كافة أرجاء الكون.

ظهور آليات جديدة مستقلة عن الدولة، آليات تقوم بوظائف كانت يومًا ما قاصرة علي الدول، وأصبحت بحكم قوتها وتأثيرها عضوًا في منظمات الدولية الفوقية مثل: منظمة الأمم المتحدة.

وتُجهِّز المؤتمرات العالمية، وتصوغ القرارات، وتتدخل في التوصيات، وتفرض رأيها المسموع فيها، بل إنها تكاد تشكل حكومات خفية، تملك من مرونة الحركة مالا تملكه الحكومات العلنية، وتملك من حرية الاختيار والتوجه مالا تستطيعه غيرها من الحكومات، بحيث يكاد لا يقف أمامها شيء أو مكان.

العولمة الاجتماعية

وفي اللحظة نفسها تظهر فكرة حقوق الإنسان، باعتباره إنسانًا له الحق في الحياة الكريمة، بعيدًا عن كل أصناف الإكراه، والقهر، والاستغلال والضغط، والعذاب، والتعذيب، وحقه في الحياة الجيدة!

ثانيًا: تاريخ العولمة

ما هي العولمة

لم تنشأ من التأثيرات في هذه اللحظة الراهنة لتتولد الظاهرة الجديدة، وإنما تولدت من تغييرات سبقتها. ويمكن القول بأن الوضع الدولي قبْل هذه الحقبة قد جعل توجهات بعينها تتنامي وتتصاعد أثناء الحرب الباردة بين: القطبين الأعظم.

ولما حسمت نهاية الصراع لصالح حلف الناتو؛ وبالتالي انهيار حلف وارسو لأسباب موضوعية، ومن أهمها: الثورة العلمية التكنولوجية التي وصلت إليها الدول الغربية.

فقد بات من الطبيعي أن يجني الطرف المنتصر ثمرة نصره. ومن أبرزها: تصميم الأسباب والأنماط التي ينتهجها، باعتبار أنها كانت وراء نصر كبير، وإن هذه الأساليب والأنماط الليبرالية السياسية، والاقتصادية،

وهذه الأفكار دعت بعض المفكرين بالقول: إن النهاية قد شارفت هذه اللحظة، التي سوف تستمر إلي الأبد، مكرسة، ومرسخة النظام الليبرالي الغربي كآخر المطاف في الاجتهادات البشرية، بهدف إنتاج وتحقيق نموذج مثالي.

وهكذا ظهر هذا النموذج الأفضل والنهائي في إطاره العام للحكم والنشاط الاقتصادي، والتنمية، والعلاقات الدولية.

ليس للعولمة مفهوم موحد متفق عليه عالميًا، ولكن يحاول كل طرف أن يفسرها بطريقة تتفق مع مصلحته الخاصة. وهذا يبيّن أن العولمة عملية مستمرة(Process) ما زالت في طريقها إلى البلورة والصياغة التكوينية.

أما ما تسعى إليه القوى العظمى باسم العولمة فهو: إعادة تشكيل بعض الأعراف الدولية، المستقرة حتى الآن في التعامل بين الأمم، وذلك بإعادة تعريف وتقنين المفاهيم التي سادت العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، مثل: مفهوم (الدولة)، و(السيادة) وغيرهما؛ لتتفق مع المصالح والأطماع المتزايدة لتلك القوى.

التكنولوجيا والعولمة

يستعرض -المُنظِّر والكاتب الأمريكي في قضايا العولمة- ديفيد هلد (David Held): أثر التكنولوجيا على تشكيل العولمة، فيقول: “إن هذه التطورات التكنولوجية قد ساعدت الغرب في التوسع من حدودها،

ومكّنت الفلسفات العلمانية، التي ظهرت في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر الميلاديين -ولا سيما العلمنة وفلسفة التحرر، والفلسفة الاجتماعية- من تشكيل ونشر الثقافة العلمانية إلى كل مجتمعات العالم تقريبًا.

أما الثقافة العامة المعاصرة فربما لم تتأثر اجتماعيًا بعد، ولكن المناصرون للعولمة يقولون: إن كثافة وسرعة انشار الثقافة العالمية، وحجم تشكلها أمر لا يمكن غض الطرف عنه.

اقرأ أيضاً: ضرورة الوعي بخطورة العولمة

اقرأ أيضاً: ثقافة التبعية وخلخلة المجتمع

اقرأ أيضاً: خلود جلجامش في عصر العولمة

تحديات العولمة

فَكِّر عالميًا واعمل محليًا (think globally and act locally)

(فَكِّر عالميًا واعمل محليًا) شعار مرفوع من قِبَل الذين أدركوا تحديات العولمة، وتيقنوا من ضرورة التفاعل معها. وفي إطار تحديد عواملها (Factors of Globalization)، يحاول المُنظّرون جمع المفاهيم العامة للعولمة حول ثلاثة مبادئ جامعة، يؤدي كل منها إلى الأفكار التي وراءها والغايات التي يرمي إليها أصحابها، وهي:

العولمة اللامركزية

اللامركزية (decentralization)، ويعني أن أثر العلاقات المتشابكة والمتداخلة بين الأمم (Interdependence relations between nations) لا تفسح مجالًا للدولة الواحدة بالتصرف على انفراد دون المجتمع الدولي. ويرون أن ذلك يصدق حتى في كثير من القضايا الداخلية للدولة المعنية،

مثل: تلك القضايا المتعلقة بالتجارة وبحقوق الإنسان، بل حتى السياسات التربوية باتت مجالًا للتدخل في شئون الدول بدعوى مختلفة. ومن خلال هذا المبدأ تتصرف الدول الكبرى، وتفرض إرادتها وثقافتها على الشعوب المستضعفة باسم المجتمع الدولي، كما حدث مرارًا في محنة العراق وأفغانستان.

الحدود السياسية في زمن العولمة

اللاقطرية (denationalization) ويعنون بذلك: أن الحدود السياسية المعروفة بين الدول تبدأ في الانحصار والتلاشي أمام الكثير من حقائق العولمة، وقد بدأ فعلًا بالاتصالات والتجارة الالكترونية، حيث لا حرمة لسيادة الدولة، ولا احترام لإرادتها.

وتظهر خطورة هذا المبدأ على التربية والتعليم، من حيث: نقل الأفكار الضارة بالنشء، وبالمجتمع إلى داخل الوطن؛ ومن ثم تخرج العملية التربوية عن الانضباط والسيطرة.

التنافس الاقتصادي في عصر العولمة

الحركة الحرة (Free movement) لرءوس الأموال والأرباح والبضائع (والأفراد على قدر) عبر الحدود، وتحرير السوق ليضبط نفسه بنفسه.

فمن خلال هذا المبدأ يتم غزو البلاد المستضعفة، عن طريق الشركات الكبرى؛ فيصبح استقلال الدولة، وسيادتها في خطر؛ فتضيع إرادتها السياسية وسياستها التربوية.

وهكذا يصبح قانون الحركة الحرة والتنافس الحر أهم عنصرين للعولمة؛ مما يعني -ضمنًا- إنه لا حياة للضعفاء والمتخاذلين عن ركب العولمة.

وهذه صيغة أخرى لقانون شارلس دارون في الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح، ولكن تختلف عنها في أن التنافس على الحياة في عصر العولمة، يقع في مجال العلاقات الإنسانية، التي أرشد الله عباده للتعامل فيها وفق ضوابط العقل، وقانون الشرع؛ للسمو بمقام الإنسانية عن درك الأنعام. أما قانون دارون فكان في مجال الحياة الطبيعية.

العولمة تبادل ثقافات أم سحق للخصوصية

مفاهيم اللامركزية و اللاقطرية والحركة الحرة كما هو ظاهر، عبارة عن متقابلات، أو أضداد لمفاهيم سادت إبان نظام (ثنائية القطب) في العلاقات الدولية، وبالتحديد: مفهوم المركز والأطراف، ومفهوم الدولة القطرية، ومفهوم السيادة.

والغاية من تغيير هذه المفاهيم القديمة هي: زعزعة المراكز القانونية المستقرة في العلاقات الدولية؛ لنهب الثروات، وإذلال الشعوب.

ولحماية هذا المخطط في سياسات العولمة ابتكرت وسائل وأدوات للتطبيع، بعضها في الجانب الاقتصادي، مثل: المنظمات التجارية الدولية والإقليمية: كمنظمة التجارة الدولية (WTO)، ومجموعة السبعة الكبرى، وغيرهما، والبعض الآخر في الجانب السياسي: كتكوين التحالفات والكيانات الكبرى: مثل الاتحاد الأوربي (EU)، والحلف الأطلسي، وغيرهما.

كل هذه أدوات ووسائل لتنسيق المواقف وحماية المصالح وتنفيذ الأغراض في سوق العولمة ذات المنافسة الحرة، من غير ضبط أخلاقي من قيم السماء، أو قانون الفطرة السوية.

وإلى جانبها كياناتهم القديمة التي هي بالأصل أدوات لتنفيذ مخططات الدول الكبرى، مثل: مجلس الأمن، وصندوق النقد الدولي، وأمثالهما. هذا باستثناء الشركات العالمية الكبرى المعروفة بالمتعددة الجنسيات Multi-cultural Corporations)) التي هي صاحبة القرار الحقيقي في الدول الكبرى من وراء الكواليس.

ثالثا عناصر العولمة:

ما هي العولمة

تتمثل العولمة بعناصرها التي تستند إليها وهي كما يلي :

تحرير التجارة الدولية:

ويقصد بها: تكامل الاقتصاديات المتقدمة والنامية في سوق عالمية واحدة. وهي مفتوحة لكافة القوى الاقتصادية في العالم، وتخضع لمبدأ التنافس الحر.

الثوة المعرفية:

وتتمثل في التقدم العلمي والتكنولوجي. وهي ميزة بارزة في العصر الراهن. وهذا التقدم العلمي جعل العالم كله أكثر قربًا، وسهَّل حركة الأموال والسلع والخدمات، وحركة الأفراد -إلى حد ما-.

تعميم الرأسمالية:

إن أغلب الرأسمالية على الشيوعية -حسب ادعائها- جعل تعميم مبادئها علي كل المجتمعات الأخرى؛ فأصبحت قيم السوق، والتجارة الحرة، والانفتاح الاقتصادي، والتبادل التجاري، وانتقال السلع، ورءوس الأموال، وتقنيات الإنتاج الواسع والأشخاص، والمعلومات، هي القيم الرائجة. وأمريكا تقود ذلك وتفرضها عن طريق المؤسسات العالمية التابعة للأمم المتحدة (مؤسسة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي)، وعن طريق الاتفاقيات الدولية التي تقرها تلك المؤسسات، والمنظمة العالمية للتجارة: كاتفاقية الجات وغيرها.

ثورة المعلومات والتقنيات:

مرت البشرية بعدة ثورات علمية، منها: ثورة البخار، والكهرباء، والذرة، وكان آخرها: الثورة العلمية والتكنولوجية، وخاصة في مجال التطورات السريعة، والمدهشة في عالم الحاسب الآلي، وتوصل الحاسب الآلي إلى إجراء أكثر من ملياري عملية مختلفة في الثانية الواحدة. وهو الأمر الذي كان يستغرق ألف عام لإجرائه في السابق. وأما المجال الثاني فهو المجال التقني: حيث تعلق بالتطور المثير في تكنولوجيا المعلومات.

يُتبع…

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*********

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

الغزالي رشاد محمد الغرباوي

باحث دكتوراة بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان