ما تنتهي إليه مساعينا هو في الحقيقة معنوي
الطبع
هو ذلك السمت الذي يُعرف به الشخص من أفكار ودوافع وعادات وسلوكيات. ومن هنا نَعي ما يعنيه التطبع؛ وهو انتهاج سلوكيات وتبنِّي أفكار وتطويع وتربية دوافع الشخص حتي تصبح من طبعه وشخصيته.
مثال؛ المشي
يبدأ الإنسان حبوا ثم يقف؛ فيقع ثم يقف مرة أخرى ويمشي خطوة فيقع ثم يقف أخري ويمشي خطوتين ويقع ثم ثلاثة ثم أكثر ثم يجري ثم يصبح المشي شيء طبيعي لا يحتاج فيه إعمال العقل.
فليس -هناك- منا من يقوم من مجلسه ثم يفكر كيف يمشي بل هو يقف ويسير دون أي تفكير في ذلك، وذلك لاكتسابه ما يسمي بالآلية فهو سيقوم بالسلوك بتلقائية وبدون تفكير.
وما يوضحه مثالنا هنا هو أن الاستمرار في فعل الشخص لسلوك معين ينقله إلي ما يسمي بالعادة وما يلبث إلا قليلاً حتي يصبح ملكة شخصية لا تستوجب من صاحبها أي مجهود عقلي لفعلها، وذلك لا يتوقف عند السلوكيات والأفعال فقط بل كذلك يصل بنا إلى القيم والأخلاق والرؤية، فكما أن انتهاج الشخص لسلوكيات معينة تترسخ في نفسه وتصبح جزء من شخصيته؛ كذلك تلك القيم والأخلاق وطريقة التفكير، ولكن هل للسلوك علاقة بالتفكير أو القيم؟
طبيعة الجسد والروح ومدى ارتباطهما ببعضهما
الروح للقوة والجسد للفعل. والذي يعنيه ذلك أن الروح ما هي سوي وجود معنوي خارج نطاق ذلك العالم المادي فهو في الحقيقة لا يقوي على فعل وهنا تأتي وظيفة الجسد، فالروح تملك قوي كالشهوة والغضب والعقل وكلها قوي روحية لا قدرة لها على الفعل إلا بامتزاجها بذلك الجسد المُعَد في صورة مثالية للحركة والفعل.
وبما أن تلك الروح لا قدرة لها في ذاتها على الفعل فهي لا تزداد من قيمها أو تنقص وهنا يأتي دور الجسد والسلوك الذي من وظيفته أن يزيد من قيم الروح أو ينقصها .
كيان متكامل في عالم دقيق يعيننا على اكتساب القيم من خلال المعرفة و الأفعال.
وقد يبدو ذلك واضحًا في العملية التربوية التي يقوم بها الآباء وهي حين يعلم طفله قيمة كالأمانة أو الصدق أو العدل؛ فإنه يجعلها يمارسها سلوكيًا أنه يعيد ما استأمنه صديقه عليه أمام ابنه أو يصدق في الحديث مع الآخرين أو يعدل حتي وإن كان العدل على حساب منفعته المادية ومن ثم يجعله هو نفسه يمارسها في حياته ويستشعر لذتها وحقيقتها في نفسه
فهنا هو قد جعله يدرك تلك القيم ويتعرف علي حقيقتها ويتحرك وفقها سلوكيًا ويستشعر ذلك في روحه وما تتركه فيه تلك القيم .
الملكة الأخلاقية هي منتهي سعي الإنسان
من المعروف أن جسد الإنسان؛ يبدأ عمره ضعيفا ويعود ضعيفا في آخر عمره ثم يموت، ومن المعروف عقلا أيضًا بعيدًا عن أي دين أن الخالق إن خلق مخلوقًا ما ثم أفناه؛ فهنا يصبح الأمر نقص بجهل الخالق وهذا محال و لا يقبله العقل كذلك فالخالق هو الكمال عينه.
فهنا يصبح الإنسان في حقيقته خالد، ولكن كما أننا نعلم أن الحياة هي رحلة البناء وما نجنيه فيها هو ما يحدد المصير؛ فهنا الأمر ليس بالشكل المادي الذي نراه وتقيسه علومنا بأنه مع مرور الزمن ينقص ويضعف ثم ما يلبس إلا وينتهي به المطاف إلى الموت، فما يحصل الإنسان سوي على ما جنته روحه من معني داخلها في رحلتها القصيرة تلك.
فإن تكامل الإنسان هو القدر الذي انطبع في نفسه من القيم الإنسانية والأخلاق وكل ما هو معنوي وهذا ما سيجعلنا في نهاية المطاف نعي قدر تلك القيم ومدي كونها أمور نفيسة وضرورية، حتي مساعينا الحياتية هي في الحقيقة لنيل تلك القيم ولكننا لا نمعن النظر ولا نتفكر في ذلك، فكل إنسان في الحقيقة يبحث عن سعادته وهي قيمة معنوية في ذاتها أو أي شعور داخلي يتلذذ به المرء هو في حقيقته شيء معنوي.
” الملكات الأخلاقية لبنات النفس التي نخلد بها بعد الموت ” فما تكون عليه هو ما تجنيه في الحياة وذلك هو نصيبها من رحلتها وأول وأهم جزائها؛ لأنها قيم من ذات الله نفسه وبقدر استقاء النفوس منها هي درجة قربهم من الخالق سبحانه مصدر الكمالات.