ماذا إن كان الشغف يضرّك؟
هل يشغلنا شغفنا عن غايتنا
الشغف أم الغاية؟!
هل الشغف غاية؟!
ما هي الغاية ؟!
ما هو الشغف ؟!
كيف يصبح الشغف أحد الأمور الاستحسانية الذوقية التي من الممكن أن تضر صاحبها ؟
خدعوك فقالوا اتبع شغفك؛ هل ذلك صحيح؟ ماذا إن كان الشغف يضرّك؟
أليس الأولي أن نعرف قبل أن نختار؟!
العاطفة أم القلب في عملية الاختيار؟!
الشغف وليد اختيار شخصي بميل عاطفي جعل صاحبه يستحسن شيء ويشغف به، وهو مبني على رؤية صاحبه للواقع؛ فماذا إن كانت الرؤية ناقصة؟!
حوار بين الصديقين
يتحاور الصديقان هاني ومصطفي حول الشغف الذي يبحث عنه كل منهما وما يتطلعان ليكونوا عليه وما سيقومون به في المستقبل، وفي منتصف الحديث صمت مصطفي قليلاً ثم قال ماذا لو كان شغفي غير صحيح ؟
فتساءل هاني هل في الشغف هناك ما هو صحيح أو خاطئ ؟
فرد مصطفي عليه مجيبا حتمًا فلا يوجد شيء في تلك الأمور لا يحكم عليه بأنه صحيح أو خطأ أو لم يوجد من الأساس المجرمين الذين يعاقبهم القانون الذي ينص على قواعد الصواب وعقوبات مخالفيها؟!
فرد هاني إذن لابد لنا أن نتحقق من شغفنا فلنسأل غدًا معلمنا. حتمًا هو سيشرح لنا الموضوع بكل تفاصيله، وحين لقوا معلمهم أسرعوا في سؤاله، وحكوا له ما دار بينهم.
تدخل المعلم
فسأل المعلم كليهما كيف بدأ شغف كل منكما.
قل لي أنت يا هاني! فبدأ قائلاً كنت ذات مرة أشاهد التلفاز مع والدي؛ فبدأت مباراة كرة قدم لفريق يشجعه والدي فبدأت ألاحظ اهتمامه بالمباراة وانقطاعه لها فحاولت التركيز مثله فوجدت الأمر مسليًا بالأخص حينما أجد والدي يتفاعل مع اللاعبين ومن ثم يُوجه لي كلمات حماسية
ومررت بالكثير من المباريات التي كنت أشاهدها معه حتي صار الأمر ممتعًا بالنسبة لي فطلبت منه أن يقدم لي في نادي قريب من منزلنا فوافق وتحمس للأمر قائلًا؛ “عايزك تبقي زي أبو تريكة” ومن هنا بدأ شغفي الذي أريده دائمًا وهو أن أصبح لاعبًا مشهورًا وأكون في نادي كبير وأظهر في التلفزيون.
فتساءل المعلم هل إن اغمضت عينيك وتخيرت من بين أشياء هل تختار حينها الشيء الأفضل؟
فصمت الطفل قليلا ثم قال؛ أفتح عينيَّ كي أري ثم أختار ما هو أفضل.
فرد المعلم؛ أحسنت! هذا هو ما يجب فعله أن نعرف قبل أن نختار حتي لا نُسيء الاختيار.
سنكمل حديثنا بعد أن نسمع قصة صديقك مصطفي.
قصة مصطفى
فانطلق مصطفي بخياله متذكرًا أول رحلة شغفه فقال لهم كان أبي يعوّدني أن يَقص علىَّ قصة قبل النوم ويسألني في النهاية عما فهمت فإن أصبت الجواب وعدني بجائزة لليوم التالي ، وذات مرة انتهي من القصة وقال لي إن تلك الكلمات تنير في القلب نورًا داخليًا سينفعك يا صغير وقت الظلام؛ فهناك أوقات يحلك فيها الظلام ويحتاج المرء لأن يكون لديه نورًا داخليًا فقلت هل كل الكلمات التي نقرؤها كذلك ؟
فقال؛ لا! بعضها بلا فائدة وقد يكون منها ما هو ضار كذلك ، ولكن تلك التي تعلّمنا كيف نكون أفضل هي التي ستمنحنا النور.
فمنذ تلك الليلة طلبت منه أن يقدم لي كتب أستطيع فهمها، ورحت أطير في عصور مختلفة وتمنيت أن أكون ممن أضاء للناس بكلماته قلوبهم فتمنيت أن أكون كاتبًا أو مفكرًا
فسأله المعلم؛ “لماذا ستفعل ذلك؟”
فأجاب؛ لكي أتمكن من مساعدة الناس.
فسأله المعلم؛ تساعدهم في أي شيء؟
فأجاب كي يحيون بشكل أفضل.
فسأله المعلم ماذا بعد أن يعيشوا بشكل أفضل؟
فأجاب أن يحصل كل منهم على سعادة؟
فسأله المعلم وما الذي يسعدهم؟
فأجاب أن يقوم كل منهم بما يحب
فسأله المعلم أليس السارق يقوم بما يحب هل تود أن تساعده في ذلك؟
قال؛ لا لا! لابد أن يقف عن ذلك؛ فهذا خطأ
فقال المعلم؛ أحسنت!
دعونا نحكي قصة تتشابه مع كليكما.
لابد أن نري الصورة كاملة
إذا كنا نسير سويًا نحن الثلاثة في طريقنا للوصول إلي المدرسة ووجدنا سرك يقدم عروضه بساحات الشارع الذي نمر به ووقفنا نستريح سويًا، ونشاهد عرضًا من عروض ذلك السرك فوجدنا هاني متحمسًا للعرض وبدأ يندمج ويسرح مع العرض، بينما وجدنا مصطفي ينتقد ما في السرك من إهمال للنواحي الأمنية والمحافظة على سلامة العاملين به، وبما يمثله ذلك من خطورة كبيرة على حياتهم، وقبل أن ينتهي العرض؛ ذكرتكم بأننا سوف نكمل مسيرنا إلى المدرسة حيث ننتهي من ذلك العرض.
فأراد هاني أن يكمل لعرض آخر في حين أن مصطفي أراد أن يقول لأحد المسؤولين في السرك أن يهتم بعوامل الأمن والسلامة لسلامة الناس بالسرك.
وهنا دعونا نكمل أسئلتنا؛ هل لن تنتهي تلك العروض ويعود كل الناس إلي حياتهم ومنهم من هم يقدمون العروض نفسهم؟!
فرد هاني ومصطفي قائلان؛ ” بلا؛ سيعودون
فقال المعلم؛ “لماذا يعودون؟”
فقالوا؛ تلك حياتهم عليهم أن يستأنفوها.
فقال المعلم؛ أحسنتم!
وماذا عنا؟
فقالوا؛ نكمل طريقنا إلي المدرسة.
فقال؛ صحيح أحسنتم ، إذن ما الخطأ في اختيارك يا هاني؟!
فرد قائلاً؛ إنني انشغلت بالعرض، وعندما استمتعت به نسيت أننا في طريقنا إلي المدرسة!
فأجاب المعلم؛ أحسنت وماذا عنك يا مصطفي؟!
فقال؛ “إنني انشغلت بمساعدة الناس وانشغلت بذلك عن طريقنا أيضًا”
فرد المعلم قائلًا؛ “أحسنت!”
والربط هنا يا أحبابي؛ هو أننا حين نريد أن نتصرف تصرف صحيح لابد أن نري الصورة كاملة ، أي أن نعرف ما هي الحياة وما سيأتي بعدها وما يجب فعله فيها؛ فلربما تلهيني بعض الأمور التي لن تفيد كما حدث في قصتنا وانشغل كل منكما بشيء ونسي طريقه.
فمثلاً هاني أحبَّ كرة القدم ، ولا مشكلة في ذلك ولكن هو لم يعرف أنه لابد أن يعي إلي أين تأخذه تلك وما ستقدمه له من تطور، والتطور هنا ليس تطوره المادي؛ فجميعها وسائل لكي ينال هاني سعادته وكذلك أنت يا مصطفي فما يجب علينا فعله هو معرفة كيف يسعد الإنسان!
فهو ليس فقط ذلك الجسد الذي نراه بأعيننا؛ وإنما لديه روح تتغذي أيضًا ولكن لأن الروح غير مرئية فغذاؤها غير مرئي أيضًا وإن سعينا لسد حاجات جسدنا فقط وأهملنا روحنا فلن تسعدنا كافة الأمور المادية مهما كانت كثرتها؛
فدرسنا اليوم ما هو مفاده يا هاني ؟!
فقال هاني أن نحدد إلي أين المسير يا معلمنا؛ ومن ثم نختار ما يخدم تلك الواجهة التي نتوجه إليها.
ولكني يا معلم لازلت أتسأل كيف نعرف وجهتنا الصحيحة؟!
فأجاب المعلم موعدنا في قصة أخري نعلم بها كيف نتمكن من معرفة طريقنا وكيف نتأكد بأنه الطريق السليم.
وماذا عنك يا مصطفي؟
فأجاب مصطفي قائلاً؛ إنني تعلمت أن السعادة ليس فيما يختاره الناس وتستحسنه قلوبهم ، فقد نري أناس اختياراتهم خاطئة وعليهم أن يتأكدوا من صحة اختياراتهم قبل أن يختاروا، ولكني لازلت أتساءل نفس سؤال هاني وانتظر قصتك حتي تخبرنا.