هل نعيش عصر الإلحاد والفوضى الأخلاقية؟!
لعل من أهم خصائص العصر الذي نعيشه الآن التناقض الحاد الموجود بين طرفي المعادلة البشرية، إذ على الرغم من أن غالبية البشر يؤمنون بالأديان ويعبدون الله ربًا مع الإقرار باختلاف تصورهم للرب باختلاف دياناتهم، فإن كثيرين منهم يعيشون حالة من القلق العقائدي، إذ يوجد على الجانب الأيمن من المعادلة أولئك المؤمنون المتعصبون المتزمتون لحد التطرف والغلو، لدرجة تكفير من عداهم من المؤمنين حتى داخل العقيدة الدينية الواحدة، وعلى الجانب الأيسر الملحدون الذين كفروا بكل هذه الديانات ولا يرون ضرورة للإيمان بالدين.. أي دين!
لماذا ينتشر الإلحاد؟
الحقيقة أن ظاهرة الإلحاد قد تنامت تناميًا لافتًا في عصرنا الراهن، إذ انتشر الإلحاد بين الشباب وارتد كثير منهم عن الإيمان بالأديان بحجة أننا نعيش عصر العلم، وأن ما حققه ويحققه الإنسان من تقدم في هذا العصر إنما الفضل فيه للتقدم، الذي حققه الإنسان في مجالات العلوم المختلفة، من خلال استخدامه للمناهج العلمية الحديثة وخاصة المنهج الاستقرائي التجريبي.
من ثم تصوروا أنه لا حاجة بنا للدين ولا الإيمان بالما وراء، ويكفينا الإيمان بالطبيعة من حولنا، وتحقيق الرفاه للإنسان بالتقدم العلمي والتكنولوجي. وقد تناسوا في ثنايا ذلك حقيقة مهمة، أن التقدم العلمي والتقني وحده مهما وصل بالإنسان لن يكون كافيًا أبدًا لتحقيق الرضا النفسي والعقلي له، إذ إن السؤال عن الحقيقة القصوى للحياة وأصل الكون وأصل الخليقة سيظل سؤالًا مؤرقًا للإنسان في عصر العلم والتكنولوجيا، ذلك العصر الذي وصل أقصى مداه بعصر الذكاء الاصطناعي أو ما أصبح يسمى الآن اصطلاحًا بعصر “ما بعد الإنسان”!
الإلحاد .. الفجوة ما بين الدين والعلم
إن عصر ما بعد الإنسان، الذي يتباهي بالوصول إليه صانعو العلم والتكنولوجيا المعاصرة، إنما هو نفسه يعد دليلًا على قدرات الإنسان المحدودة! إذ إن السؤال الذي يطرحه التقدم التكنولوجي الحاصل الآن في هذا المجال: إذا كان الإنسان سيقف عاجزًا غدًا أو بعد غد أمام آلات الذكاء الاصطناعي التي ابتدعها، فماذا سيكون موقفه أمام الله؟! والإنسان الذي ستوقفه الآلة عند حده المعلوم، فلا يستطيع بذكائه البشري العادي أن يلاحق التطور الذي ستتيحه الآلات الذكية لنفسها، إذ ستكون قادرة حتمًا على الانتصار عليه، ما باله لا يزال يكابر متجاهلًا أن من خلقه وآلاته الذكية أكبر منهما معًا؟!
إن مناقشة هؤلاء الملاحدة في أطروحاتهم بأشكالها المختلفة، وخاصة تلك المبنية على الاستناد إلى المكتشفات العلمية الحديثة، وبوجه خاص على نظرية التطور الدارونية في علوم الحياة وتطوراتها المعاصرة، تكشف أنه لا علاقة بين الاعتقاد الديني والعلم، فكل الأديان وعلى رأسها الدين الإسلامي تشجع على البحث العلمي وتهتم بتقويم نتائجه، في الوقت الذي نعرف فيه أن العلماء حينما يقدمون نظرياتهم العلمية مصحوبة بحججها وأدلتها، إنما يسلمون في نفس الوقت بأنها قابلة للدحض والتكذيب، ونظرية التطور مثلها مثل غيرها من النظريات العلمية؛ غير مسلم بها تمامًا بين العلماء المتخصصين في علوم الحياة والبيولوجيا، ويسري عليها ما يسري على كل النظريات العلمية من عدم اليقين المطلق.
فخ الحرية الشخصية
أما الطامة الكبرى في عصرنا اختلاط المفاهيم وهدم القيم بدعوى الحفاظ على حرية الفرد وحقوق الإنسان، للدرجة التي سمح فيها بزواج الشواذ! وفي ذلك ما فيه من تعد ومخالفة لفطرة الإنسان وسموه الأخلاقي، كما سمح بالحريات الجنسية لدرجة إباحة ممارسة الجنس في الشوارع!
لقد انتزع الحياء من قلوب وعقول البشر فأصبحوا والحيوانات سواء، مع الاعتذار لكثير من أنواع الحيوانات التي تتمتع بقدر من الحياء يجعلها لا تتناسل إلا في أوقات بعينها وبعيدًا عن أعين الآخرين!
إن ممارسة الحريات الشخصية لا ينبغي مطلقًا أن تكون مدخلًا لهدم إنسانية الإنسان والحفاظ على تميزه المزعوم بالعقلانية والسلوك الأخلاقي! ولعل السؤال الأكبر هنا: إلى ماذا تقودنا المدنية –ولا أقول الحضارة– الغربية المعاصرة بقيمها اللذية المادية، التي أنهكت الإنسان وجعلته يلهث وراء سراب الثراء والاستخدام المفرط للتكنولوجيات المدمرة لذاته وإنسانيته؟!
“منقول بإذن من كاتبه”
مقالات ذات صلة:
النزعة الإلحادية الجديدة ونصل أوكام
هل يقبل كبار علماء الإلحاد ذلكم التحدي؟!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا