مقالات

لماذا يستمرئ الناس الظلم؟ – الجزء الثالث

إذا كان العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه؛ فالظلم هو عدم إعطاء كل ذي حقه. وعلى الرغم من بشاعة الظلم وتحريمه في كل الأديان السماوية والنظريات الأرضية إلا أن الناس في حياتهم وأعمالهم لا ينتهون عن ظلم أنفسهم و لا عن ظلم الآخرين حتى أصبحنا نبيت كل ليلة على حكاية ظالمة ومظلومية شديدة من الظالمين نبيت معها غمًا وحزنًا.

ينتشر الظلم في زماننا هذا حتى أصبح الأقرباء والأخوة وأحيانًا الوالدان هم أشد الناس ظلمًا ولا مبالاة لما يفعلون، فما بالكم بالغرباء؟! فما تجرأ أحد على الظلم إلا بسكوت من حوله.

أتعجب من الظالمين كيف ينامون ويستريحون وهم مغتصبون لحقوق الناس؟! أتعجب من الظالمين كيف تمر عليهم السنون والأيام، ويستمتعون بحياتهم وهم يعلمون أنهم ظالمون وأن هناك من يدعو عليهم ليل نهار؟!

بل ويزداد تعجبي من كثرة من الناس يعلمون أن فلانًا مظلومًا ويستطيعون أخذ حقه ولكن لا يفعلون؛ بل وقد يلتقطون صورة سيلفي مع الظالم وهو يمارس ظلمه! ظلم في كل مكان ولا أحد يفتح فمه! هل أصبح الناس يستمرئون الظلم؟! هل أصبح الظلم شيئًا عاديًا في حياتنا؟!

وللإجابة عن هذه الأسئلة؛ فإن لهذه الظاهرة القبيحة المستشرية بين الناس أسبابا:

1- الفكر المادي الدنيوي

وهذا هو أهم الأسباب؛ فإن كان الناس يؤمنون حقيقة بأن هناك جانب أكثر أصالة من الجانب المادي وهو الجانب المعنوي الروحي ، والذي يتغذى وينمو يكون سببا في سعادة الإنسان بالعلم والأخلاق والتي بالطبع تتعارض مع الظلم، غير أن إيمان البعض بذلك الجانب المعنوي من طبيعة الإنسان أصبح فكرة ثقافية يتناقلها الناس على سبيل الحكاية والمعلومات الثقافية. أما أن يكون مبدأ وسلوك ينبني عليه ممارسات الفرد نفسه وان لا يُظلم أحدًا؛ فلا أحد يهتم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك
2- انتشار مفهوم الحرية بمعناه السيء

فإذا نصحت ظالمًا قال لك أنه حر، ولا أعرف ماذا يقصد بأنه حر؟! إذا كان متقيدًا بكونه إنسان ويعيش في مجتمع ويتبع أفكاره ورغباته؛ كيف يستقيم كل هذا مع اعتقاد الفرد بأنه حر لا يُقيّده شيء؟! هذا المثال هو دليل على الفوضى التي نعيشها في حياتنا فلا أعلم كيف يرى هذا الإنسان أنه حر في ظلم الناس أو إيذائهم؟! بل وتجد من الناس من يدافع عن هذا ويقر بحرية الفوضى والظلم؟!

3- تضخم الذات والأنانية

فكل يرى أن الصواب هو ما يراه وما يراه فقط وأنا ومن بعدي الطوفان ولا يهمني إلا نفسي؛ فأنا هو أصلا معيار الصواب وليست مشكلة أن أعيش حياتي وفي ملذاتي حتى لو بظلم الناس! ولو تأملنا قليلًا؛ نجد أنَّ مثل هؤلاء هم في الأساس ظالمي أنفسهم بالجهل وتغليب البعد المادي غير الباقي على البعد المعنوي الباقي، فأصبحوا تحت سيطرة تلك المادية وعبيد لها لا يعينهم أى شيء طالما هم في الأساس قد خسروا أنفسهم، فمن الطبيعي أن يكونوا دعاة النفاق والسلبية في عدم الإقبال على مساعدة المحتاج والمظلوم وعدم الشعور بهم. فالقضية عند هؤلاء ليست إقامة العدل بين الناس ولكن قضيتهم أنفسهم وأنفسهم فقط.

4- التنافس على اللذة والمنفعة

إن كان التمتع المادي هو الأصل في فكر هؤلاء فمن الطبيعي أن يكون التنافس حول تحقيق المنفعة واللذة، ولما كانت تلك الفلسفة المادية قائمة على الاستفادة القصوى من الملذات، نجد أن الظلم والجور نتاج طبيعي لمثل هذه الأفكار.

5- العجز

ولا أقصد هنا الخوف بل عدم الاهتمام وقلة الحيلة في رد المظالم، فمع مرور الوقت تتغلغل المادية في الحياة الإنسانية وطغيانها على النفس الإنسانية من جهة، وإغفال الجانب العلمي والأخلاقي الهام لتلك النفس الإنسانية، نجد من الطبيعي أن يصيبها الضعف والوهن والخوف من أى تغير قد يمنعها من ممارسة تمتعها المادي المزعوم ، والذي تظن أنه متعة وسعادة لنا كبشر بالرغم من أنه وبسبب اقتصار اهتمامنا على هذا الجانب المادي أصبح هو سبب تسافلنا الإنساني.

هذه هي أهم أسباب استمراء الظلم بين الناس خاصة ويكون العلاج بنقيض هذه الأسباب وأهمها الإيمان الحقيقي الصادق بأن لهذا العالم خالق حكيم ومُدبر أقام كل هذا الوجود بالعدل ودعانا لتطبيقه أولًا على أنفسنا ليكون المقدمة لتطبيقه بيننا كأفراد ومجتمعات.

اقرأ أيضا:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

ظلم وفقدان للعدالة

م. خالد عبده

مدرس الهندسة الميكانيكية

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة