مقالاتقضايا وجودية - مقالات

لماذا الفلسفة الآن؟

هل هناك حاجة ملحة لتعلم الفلسفة في واقعنا المعيش؟

إذا دققنا النظرة في فحوى هذا السؤال وتأملناه وعرضناه على عقولنا المستنيرة، لوجدنا أن هذا السؤال هو روح البناء الفلسفي، لماذا؟ لأن الفلسفة ما هي إلا إثارة التساؤلات ومحاولة الإجابة عليها كل حسب ما يتراءى له وتهديه ملكة التأمل العقلي. فالإنسان كما قال أرسطو كائن ناطق عاقل، وبما أنه عاقل فبالضرورة مفكر حتى وإن كان تفكيره لا يرقى مراقي الفلاسفة إلا أنه عندما تعرض عليه مشكلة ما يحاول أن يقدم حلولا لها، كل حسب وجهة نظره.

 نعود إلى سؤالنا هل ثمة حاجة ملحة للتفلسف؟

العصر اليوناني

قديما منذ العصر اليوناني كان ينظر إلى الفيلسوف على أنه الإنسان الذي يعيش في برج عاجي يقضي حياته متأملا تاركا خلفه قضايا ومشكلات مجتمعه، إلى أن بدد سقراط هذه الفكرة وتصدى بفلسفته لفكر السفسطائية التي استغلت جهل الشباب الأثيني معتمدين على تفوقهم في الخطابة وقلب الحقائق ولاسيما الأخلاقية وذهابهم إلى نسبية القيم الخلقية مدشنين مقولتهم الإنسان مقياس كل شيء؛ مقياس الخير ومقياس الشر ونسبية المعرفة،

إلى أن جاء سقراط الذي ولد من رحم الشعب وتصدى لهؤلاء ودحض حججهم وأبطلها، وقدم بعض الأفكار ولاسيما في الأخلاق عندما وضح قيمة معرفة النفس وكيفية تحقيق السعادة، وحديثه عن الفضائل ولاسيما فضيلة العمل، ثم جاء أفلاطون الذي ذهب البعض إلى أنه فيلسوف مثالي، نعم ولا ننكر ذلك لكن ألم يقدم لنا محاولة لإقامة مدينة فاضلة؟ إذ أراد تطبيق فلسفته على الواقع. ثم يأتي إمام العقلانية أرسطو، الذي أقام فلسفته على العقل محاولا تطبيق ذلك على الواقع المعاش وقتها.

العصور الوسطى

إلى أن وصلنا إلى العصور الوسطى المظلمة وتحريم دراسة الفلسفة، بل ولاقى الفلاسفة ما لاقوه، فهناك من أحرقت كتبه ومن أُلقي من على سطح الكنيسة، ومن اتهم بالإلحاد والكفر والزندقة، لماذا؟ لأنهم خاضوا في الميتافيزيقا وتحدثوا عن الغيبيات وعرضوها على العقل، ما هذا الإجحاف؟ ولم لا تعرض على العقل؟ ولم لا تبحث والإله أمرنا بذلك؟

تلك هي القسمة الباطلة، ونجد على سبيل المثال عمالقة الفكر الفلسفي الإسلامي الكِندي والفارابي وابن سينا وأبو حيان التوحيدي في بلاد المشرق وكذلك ابن سِيد البطليوسي وابن باجة وابن طفيل وابن رشد في بلاد المغرب قد أثروا الحياة الفكرية بالعديد من الآراء والأفكار الفلسفية الخصبة والتي إن دلت على شيء تدل على ثراء الفكر العربي بما يدحض مقولة أن الفلسفة العربية ما هي إلا فلسفة يونانية كُتبت بأحرف عربية وكذلك الأمر بالنسبة لفلاسفة المسيحية وخصوصا القديس توما ألاكويني الذي أسس للبناء العقلاني في الفلسفة المسيحية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك
العصر الحديث وعصرنا الحالي

إلى أن وصلنا إلى بدايات العصر الحديث وبدأت العقول تتحرر من قيود السلطة الدينية والسلطة السياسية وبدأت العقول تتفتح وباتت الأفكار التي كانت تدرس في الظلام تخرج إلى النور، وظهر فلاسفة عمالقة كل له باع طويل في تنوير العقول، فها هو ديكارت رائد من رواد الاتجاه العقلاني بل مؤسسه في فرنسا وإمانويل كانط وغيرهما،

إلى أن وصلنا إلى عصرنا الحالي وحاجتنا إلى ممارسة التفلسف حيث التقدم العلمي الرهيب وما نتج عنه من ثورة معلوماتية اتصالات، انترنت، عولمة، هيمنة كونية، ومن ثم وجد الإنسان نفسه متحيرا أمام كل هذه المعطيات كم رهيب من المعلومات، كثير من القضايا الشائكة التي عرضت عليه مثل قضية الاستنساخ، مسألة الرقمنة، ما عساه أن يفعل؟ إنسان اليوم لا يختلف عن إنسان الأمس في التكوين الفسيولوجي والبيولوجي وحتى البناء العقلي لكن الذي اختلف الحداثة والمعاصرة، الطرح للقضايا، القضايا المستحدثة، ولكل عصر قضاياه.

يا سادة العالم أصبح قرية صغيرة فأصبح الإنسان عالم يعيش داخل عالم، هل يقف مكتوف الأيدي مكبل العقل أمام هذه المستحدثات؟ هل نرضى لأنفسنا ذلك؟ ومن ثم باتت الحاجة ملحة إلى تعلم الفلسفة، وصدق ازفلد كولبه عندما قال: “إن الأصوات التي نسمعها اليوم معلنة قرب انتهاءها، أو أنها من الأمور الكمالية التي لا نفع ولا طائل من وراءها إن هي إلا أصوات تصدر عن جهل بماهية الفلسفة ومعناها ورسائلها التي اضطلعت بها في عصورها المختلفة”.

ومن ثم بات لزاما علينا مدارسة الفلسفة وتعلمها وتعليمها بالطريقة العقلية القويمة في مدارسنا وجامعاتنا وتبسيطها حتى يستساغ فهمها، فالفلسفة إعمال للعقل الذي إذا وظف توظيفا صحيحا سنجد حلولا لكثير من قضايانا التي يظن البعض أنها مستغلقة كل في مجال تخصصه، المهم نأخذ الخطوة ونبدأ شكرا لحضراتكم.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضاً:

تهميش الفلسفة وسطوة اللاعقلانية في العالم العربي

في رحاب الفلسفة

كفانا من الفلسفة!

أ. د. عادل خلف عبد العزيز

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان