مقالات

أجسادنا تتكلم

الألسن الناطقة بكل اللغات تعبر عمَّا يملكه الإنسان من مشاعر وما يملكه من فكر؛ فهي خير وسيلة للتعبير عما بداخل الإنسان لأخيه الإنسان. والألسن ليست هي الوحيدة التى تقوم بهذه الوظيفة الحيوية والهامة ولكن للجسد لسانا خاصًا به وهى حركات الجسد والمسماة بلغة الجسد. وهو يُدَرَّس بالفعل للمهتمين تحت اسم لغة الجسد لما له من أهمية في التواصل ومعرفة الآخر من خلاله وتشخيصه تشخيصًا جيدًا بناءا على حركاته وسكناته.

السينما ولغة الجسد

فيلم (الفيل الأزرق) تطرق بشكل كبير لموضوع لغة الجسد؛ فيه البطل دكتور الأمراض النفسية دارسا للغة الجسد وبهذه اللغة يكشف الكاذب من الصادق عن طريق حركات عين الشخص ويديه عندما يتكلم معه، وبلغة الجسد يستطيع أن يكشف مراد الآخرين منه وما يدور بتفكيرهم ناحيته.

وإذا كانت السينما تطرقت للغة الجسد في فيلم (الفيل الأزرق) فقد سبقها في هذا المخرج السينمائي الراحل “يوسف شاهين” الذي كان يركز في كل أفلامة على عيون الممثلين وبلغة أهل السينما “بيعمل عليها زووم” بمعني تقريب الكاميرا على عيون الممثلين أثناء التصوير ويطالبهم برسم مشاعر معينة عن طريق العين.

وعند سؤال “يوسف شاهين” عن السر قال أنا أؤمن أن العيون تتحدث أكثر من اللسان وتستطيع قراءة أى إنسان عن طريق حركات عينيه.

الفنان الراحل “محمود يس” أثناء تمثيله كان معروفا عنه تحريك يديه أثناء التمثيل. هو يقول أن أحد المخرجين طَالبه بالكف عن هذه العادة أثناء التمثيل فرد عليه الفنان قائلا لا أستطيع أنا من بيئة سواحلية (هو من مدينة بورسعيد) و كل المدن السواحلية يتكلمون بهذه الطريقة للتواصل مع الغير؛ مستخدمين لغة الجسد مع النطق باللسان. وظلت على هذه الحال في جميع أدواره، ولم تفلح الجهود في إثنائة عن هذه الطريقة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

السياسة ولغة الجسد

لغة الجسد في السياسة من الأمور الهامة جدا والتي من غيرها لايكون الإنسان مؤهلا لأن يكون سياسيا بمعنى الكلمة والسياسيين لهم من يدربوهم على هذه اللغة قبل أن يعترك معترك السياسة؛ فالموضوع ليس خبط عشوائي؛ بل مدروس بعناية وبشكل علمي .

والزعماء والساسة للدول المختلفة عندما يجلسون مع بعضهم البعض يتحدثون فيما يشغل الرأي العام لدولهم تكون عيون الخبراء لهم بالمرصاد والكاميرات مسلطة على حركات أيديهم وأجسادهم وتعابير وجوههم سواء كانوا قعودا أو جلوسا أو سائرون على أقدامهم ليحكموا عليه بعد ذلك عن وضعه أهو مرتبك أو مستريح أو يشعر بالقلق وبناءا على ذلك تتحدد السياسات العامة وما يجب أن يكون .

وفي لغة التفاوض؛ فإن المفاوضين يأخذون كورسات في لغة الجسد من أجل القدرة على إقناع الفريق التفاوضي الآخر بسلامة موقفك وعدالة قضيتك وأنك غير مخادع له ولا مضلل .

في بلاد الغرب يعلمون أبناءهم أنه لكي تتفاعل مع الغير؛ جماد كان أو حيوان لا يكون إلا باستخدام لغة الجسد. لو دخل متحف للآثار؛ عليه أن يحرك جسده ويلمس هذا الأثر لكي يشعر به ويقدر قيمته وفي مختبراتهم العلمية يعلمونهم إجراء التفاعلات الكيميائية وتركيبها ويعلمونهم لكي تستطيع اختراع الشئ أو إصلاحه؛ حرِّك جسدك وقم بالفك وإعادة التركيب مرة أخرى.

لقد عرفوا أن يتواصلوا مع كل شئ بلغة الجسد ونحن أهل الشرق أهملنا لغة الجسد والتزمنا بحركة اللسان في التعبير عن البيان على الرغم من قول أبي تمام (السيف أصدق أنباء من الكتب في حدة الحد بين الجد واللعب) .

اقرأ أيضاً:

منهج الاقتصاد في التفكير

عالم ما بعد الحقيقة

بين “التنوير” الحداثي و”التنوير” الصوفي

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

على زين العابدين

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة