لا تحجب شمسي بظلك
بينما كان الفيلسوف الإغريقي «ديوجين الكلبي» يستريح داخل برميله في ضوء الشمس أثناء أحد الاحتفالات، أتاه «الإسكندر الأكبر» متحمسا للقاء الفيلسوف الشهير، وقال له متباهيا: «أنا الإسكندر»، فأجابه الفيلسوف في نبرة تحد مشوبة بازدراء وعدم اكتراث: «وأنا ديوجين الكلبي!».
فسأله الإسكندر: «ألست خائفا مني؟»، فأجاب ديوجين: «هل أنت رجل صالح أم شرير؟»، قال الإسكندر: «بل أنا رجل صالح!»، فقال ديوجين: «ومن يخاف من الصالح إذن؟». ثم سأله الإسكندر: «هل تعيش في هذا البرميل فقط لكي تلفت انتباه الناس وإعجابهم بك؟»، فأجاب ديوجين: «وهل فعلا تريد أنت فتح بلاد فارس وتوحيد كل بلاد الإغريق؟ أم تفعل ذلك فقط لتنال الإعجاب؟».
ابتسم الإسكندر وقال: «هذا برميل مليء بالحكمة»، فقال ديوجين: «أتمنى لو كان لدي بدل هذا البرميل المليء بالحكمة نقطة واحدة من الحظ الجيد. للحكمة طعم مُر، وأحيانا تودي بك إلى الهلاك، بينما الحظ يفتح لك أبوابا ويحقق لك سعادة ما كنت تحلم بها!».
أعجب الإسكندر، الذي يعرف جيدا معنى الحظ، بكلام ديوجين، فسأله إن كان باستطاعته أن يمنحه أي شيء، فأجابه ديوجين في ثقة وهدوء: «نعم، أريد منك شيئا واحدا.. إنك الآن تقف أمامي وتحجب عني أشعة الشمس، لذا لا تحرمني من الشيء الوحيد الذي لا تستطيع منحي إياه؛ لا تحجب شمسي بظلك!». ورغم هذا فقد أعلن الإسكندر: «لو لم أكن الإسكندر لوددت أن أكون ديوجين!». وفي رواية أخرى، وجد الإسكندر ديوجين يحدق بكومة عظام، فسأله عما يفعل، فقال ديوجين للإسكندر: «أنا أبحث عن عظام أبيك، لكنّي لا أستطيع التمييز بينها وبين عظام العبيد».
إجابات ديوجين تختزل كل فلسفته التي تعرف بالفلسفة الكلبية، نسبة لاسم الساحة التي كان يتجمع فيها «صعاليك أثينا» مع هذا الفيلسوف الذي كان يفترش الأرض في العراء ويلبس أثواب المتسولين ويشاركهم شظف العيش وقسوة الحياة. كانت تلك الساحة/ المدرسة قد أُنشئت خصيصا للمنبوذين أو المفلسين، فلا يحق لغيرهم الالتحاق بهذا الصرح العلمي الفريد من نوعه، أما من كان شريفا أو نبيلا أو من عِلية القوم، فلا تقبل عضويته إلا بعد أن يحقق كل الشروط التي تؤهله لأن يكون مثلهم، منبوذا أو «كلبا حقيرا»، لا يعبأ بكل ملوك الدنيا!
عرف هؤلاء المنبوذون، أو لنقل الصعاليك، بفطنتهم ونباهتهم (على حد تعبير نذير الماجد في مقاله «يا صعاليك العالم اتحدوا») بأن الروح لا تتحرر إلا بإهمال كل ما من شانه أن يقترب من السيادة، أو يخلع المشروعية لنيل السلطة، إنهم يجدون حريتهم حيث لا سلطة ولا وجاهة، وحيث ثمة لا شيء يخشون خسرانه، هناك في الهامش الذي يقصي إليه كل أولئك المهمشين من المغضوب عليهم، لا شيء يستوجب المهادنة!
هناك لا مكان لأنصاف الحلول، فثمة مساحة شاسعة لا تقبل إلا الألوان الحاسمة، لأن ما سواها هي أداة السلطة. في ساحة الصعاليك هذه لا مكان للمساومة ولا للمصالح أو التحالفات أو متطلبات المرحلة التي لم تكن لصالحهم يوما! هذه الساحة مفتوحة لكل مهدور، ولكل مقهور في هذا العالم، مواطنون عالميون تجمعهم جبهة موحدة للصعاليك، شعارها «لا أملك شيئا حتى لا يتملكني شيء».
فلا تحجبوا أشعة الشمس عمن يطلبها، بظلكم وظل السلطة.. لا تحجبوا أشعة الشمس عن صعاليك هذا الزمان!
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
اقرأ أيضاً: