اكتشاف أجزاء من كوكب آخر مدفونة بباطن الأرض!
تخيل -ولو لبرهةٍ- أن كوكبَ الأرضِ موجودةٌ بباطنه قطع ضخمة وهائلة الحجم من كوكب آخرٍ، وهذا الكوكب قد تصادم مع عالمنا من مليارات السنين!!
وهذه القطع الكوكبية العظيمة موجودة -الآن- بباطن الأرض، تحت محيطات ضخمة من الحمم والصخور المنصهرة، ومن الملفت للنظر أن هذا الكوكب الغريب الذي تصادم مع كوكبنا، كان هو السبب في تكون القمر الذي يدور حول كوكبنا الأرضي؛ حيث نراه في سمائنا بأطواره المختلفة، وقد حدث هذا الأمر منذ زمنٍ سحيق، قبل أن يُولَد أي كائن حيِّ نعرفه، وقبل أن ننظر الأرض بعيوننا!!
والآن- اربط حزامك وجهز نفسك، بل وعد زادك وعدتك، واترك لي نفسك وسمعك وبصرك؛كي أحدثك كيف حدث هذا الأمر المبهر ، وما هي قصته؟ وما حقيقة هذا الأمر؟
وما هو معناه بالنسبة لمفهومنا عن كيفية تكون عالمنا كله -عزيزي القارئ- لقد بدأت القصة كلها منذ حوالي 4.6 مليار سنة تقريبًا، في عصر قديم جدًا من عمر الكون والفضاء؛ حيث كانت المجموعة الشمسية– آنذاك- لم تزل في مرحلة تكوينها، وكان شكلها مختلفًا تمامًا عن شكلها المألوف الذي نعرفه الآن..
كيف تكونت الشمس؟
وفي ذلك الوقت، لم يكن هناك كواكب ولا أقمار، ولا نيازك ولا كويكبات.. ولم يكن للشمس وجود –وقتئذ- والذي كان موجودًا في ذلك الوقت كان عبارة عن سحابة ضخمة من الغازات، والغبار الكوني الذي تكون في الأساس؛ بسبب انهيار نجم قريب منا، وانفجاره الذي قذف بسحابة ضخمة من هذه الغازات تجاه كوكبنا، مما ساعد في تكوينها..
ومنذ ذلك الوقت، وتحت تأثير ثقل كتلة تلك السحابة الهائلة، بدأت الجاذبية بجعلها تنهار على نفسها وتندمج مع بعضها البعض، وبدأت حرارتها تزداد بشكل ضخم جدًا، إلى أن حدثت شرارة الاندماج النووي الأولى؛ مما ساعد في تكوين الشمس الخاصة بمجرتنا ومجموعتنا الشمسية،
وبدأت في الشروق والضياء والنور لأول مرة في قلب ظلام الفضاء السحيق، معلنة عن مولد نجم جديد متوسط الحجم، شبيه بمليارات النجوم التي تسبح في أفق الفضاء، ومن نفس الغبار النجمي الذي كان محيطًا بالشمس الوليدة تلك،
بدأت الصخور الضخمة تتكون وتتخلق، وبعدها ظهرت الكواكب المعروفة في مجموعتنا الشمسية، وبدأت تتصادم مع بعضها البعض إلى أن وصلت لشكلها المألوف الآن..
تشكل وتطور المجموعة الشمسية
فالأول قد ظهر المشترى؛ لأنه أكبر الكواكب، وأضخم جسم تكون بعد ظهور الشمس، واستطاع أن يسحب ويمتص أكبر قدر من تلك الغازات الأولية بعدها، كما نجد بعد تكون المشترى وظهوره في الفضاء، أن الكواكب الأخرى بدأت تتكون الواحدة تلو الأخرى،
وبدأت تتصادم مع بعضها البعض.. ولوهلة، كانت بداية المجموعة الشمسية فوضوية وغريبة جدًا، ولم يكن بها مكان للنظام أو الانضباط كما نراه اليوم في هذا التسلسل والتتابع الخلقي العجب!!
في البداية كانت كل الكواكب في تصادم مع بعضها، وهذا لم يكن غريبًا خالص في ذلك الوقت؛ أن ترى كويكبات ضخمة تتصادم مع الكواكب الأولية.. وحتى الكواكب نفسها كانت تتصادم مع بعضها، وتنصهر مرة أخرى وتعود حممًا نارية،
وبعد ذلك تبرد وتعود في التصادم مع بعضها من جديد، وهكذا.. وقد استمر ذلك الوضع لفترة طويلة للغاية، إلى أن استقر الشكل والتتابع، ولأول مرة؛ تكون شكل واضح للمجموعة الشمسية بكل ما فيها من كواكب ونيازك وكويكبات وأقمار..
كوكب ثيا
ومن الملاحظ في البداية، أن هذا الشكل كان مختلفًا تمامًا عن شكله اليوم؛ وهذا بسبب الفوضوية غير المحدودة اللي كانت تحدث في مجموعتنا الشمسية وقتئذٍ، وقد نتجت عنها أجسام وكواكب مجهولة لعلومنا الحالية، ونحن ما زلنا لا نعرف شيئًا عن شكلها، وكيف كان حجمها؟!
وواحد من تلك الكواكب المجهولة كان يسمى كوكب (ثيا Theia)، وهو كان عبارة عن كوكب أولي أو Protoplanet كما أطلق عليه، وكان حجمه أصغر من الأرض بقليل، ويعتبر في حجم المريخ تقريبًا؛ لكنَّ كتلته وكثافته كانت أكبر من الأرض بكثير،
وهذا الكوكب في بداية المجموعة الشمسية، وحسب ما عُرِفَ عنه، كان مداره قريبًا جدًا من كوكب الأرض، وبسبب تقارب مداره من الأرض، حصلت كارثة كونية ضخمة لم يعشها أحد – آنذاك- ولو استطاع أحد ما رصدها في ذلك الزمن القديم جدًا؛ لكان صعق ومات بسبب قوة الحدث ورعبه.
آثار تصادم الكوكب ثيا مع كوكب الأرض
إن الذي حدث هو أن الكوكب تصادم مع كوكب الأرض، وقد كان كوكب الأرض في مرحلة التكوين، وكان التصادم عنيفًا وقويًا لدرجة كبيرة، وكان من الممكن أن يقضي على كوكبنا كله، ويحوله لمجموعة شظايا، لولا -رحمة الله تعالى- التي شاءت ان كوكبنا ينجو ومستمر مكملا مسيرتة في التكوين.. لكن هذا التصادم لم يمر هباءً، بل ترك آثارًا ضخمة غيرت مستقبلنا كله للأبد بعدها، ومن هذه الآثار ما يلي:
الأثر الأول الذي سببه هذا التصادم هو أن كتلة الكوكب الضخمة تلك، التي هي أكثر كثافة من كوكب الأرض نفسه، ومعظمها متكون من عنصر الحديد، اخترقت القشرة الأرضية وتجمعت حول مركز الأرض، وقد ظلت هذه الكتل في مكانها لفترة طويلة جدًا، إلى أن التحمت ببعضها، وكونت جزءًا ضخمًا واحدًا متصلًا ببعضه داخل قلب الأرض.
وكما ترى في الصورة التالية أن الشكلين الضخمين ذوا اللون الأحمر في الأسفل، فأحدهما تحت قارة إفريقيا بالضبط، والآخر تحت المحيط الهادي، والسؤال -الآن- ما هذان الشكلان؟ وما أهميتهما؟ أقول لك: وكن معي منتبهًا لحديثي؛ لأنه مبهر أكثر ممَّا تتخيل، وقد يغير لك تفكيرك ومفهومك عن تاريخ كوكب الأرض كله.
كوكب ثيا ترك تذكارا مدفونا في أعماق الأرض
إن الأشكال اللي أنت تراها أمامك الآن، هي عبارة عن أشياء يسميها علماء الجيولوجيا بالـ LLSVP، وهي عبارة عن فقاعات صخرية ضخمة متكونة من مواد غير معروفة، اكتشفوها من خلال مسح جيولوجي شامل لباطن الأرض، وقد وجدوها في قلب القشرة الأرضية للكوكب..
وحجمها ضخم جدًا جدًا يقدر بحوالي 6% من إجمالي كتلة كوكب الأرض كله، ويعتبر هو أكبر تشكيل كامل ومتصل على الكوكب كله.. وكتلتها الكلية ضعف كتلة القمر حوالي 6 مرات!!
إن سبب تسميتها بـ LLSVP، هو اختصار لكلمة Large Low Shear Velocity Provinces، وذلك لأن تلك المناطق في الحقيقة، وحسب الأرصاد الجيولوجية الخاصة بكوكبنا، تنتشر فيها الموجات الزلزالية بشكل أبطأ بكتير من أي منطقة أخرى في باطن الأرض،
بالإضافة إلى طولها الضخم جدًا الذي وصل أحيانًا لـ 1000 كيلومتر كاملين.. والسبب الوحيد الذي جعل تلك المناطق بالأخص تصبح مختلفة جيولوجيًا عن كوكبنا بهذا الشكل، هو أنها شيء غريب عن مناخنا وتكوننا، وهي ليست جزءًا من كوكبنا من الأساس، وهذا -بالظبط- ما قاله بعض العلماء والباحثين في جامعة آريزونا في أمريكا،
منذ عامٍ مضى عندما نشروا ورقة علمية بحثية قالوا فيها: إن كتل الـ LLSVP تلك، هي في الواقع أجزاء باقية من كوكب ثيا الذي تصادم مع كوكبنا منذ مليارات السنين، وإن هذا الكوكب لم يختفِ ولم ينتهِ.. بل ما زال موجودًا بداخل كوكبنا إلى هذه اللحظة.
اقرأ أيضاً:
البانسبيرميا .. هل بدأت الحياة على كوكب الأرض؟
الرجل الذي نسيه الروس في الفضاء
محاكاة تكشف التصادم الرهيب ما بين الأرض وكوكب ثيا
ويرجع السبب في أن الكتل الصخرية الباقية منه تم ابتلاعها بهذا الشكل، إلى أن أصبحت قريبة من مركز الأرض نفسه؛ هو كثافتها الشديدة الأكبر من كثافة الأرض نفسها؛ لأن متكونة بالكامل تقريبًا من الحديد..
وهو ما يجعلها تغوص وتتداخل بعمق بباطن القشرة الأرضية، إلى أن تصل في المستقبل – على حد قولهم- لمركز الأرض نفسه، وتصبح جزءًا من تكوينه.
وقد صمم هؤلاء العلماء نموذج محاكاة باستعمال أجهزة الكمبيوتر المتطورة؛ لكي يأكدوا على مدى صحتهم في بحثهم هذا؛ وكي يوضحوا فيه فكرتهم عن ماضي الأرض ومستقبله، وهذه المحاكاة كان المشهد الكوني العظيم ظاهرًا فيها بشدة،
وكل ما حدث منذ مليارات السنين، عندما حدث التصادم الرهيب ما بين الأرض وكوكب ثيا، وكل شيء قد تغير للأبد، والذي ظهر في تلك المحاكاة، ونشروه في بحثهم هو أن بسبب كون مركز كوكب ثيا غنيًا بالمعادن، وشديد الكثافة،
فهو عندما تصادم مع كوكب الأرض انهار معظمه تقريبًا، وأجزاء كبيرة منه اخترقت باطن القشرة الأرضية، واستقرت بداخلها، وعلى مدار مليارات السنين كونت الفقاعات الغريبة التي رأيتها في الصور السابقة، التي يطلق عليها الـ LLSVP..
بقايا كوكب ارتطم بالأرض
وهذا يشير بوضوح إلى أن كوكبنا يحمل بداخله قطعة من كوكب آخر، لا زالت مخترقة بباطن القشرة الأرضية منذ مليارات السنين حتى الآن، ولا أحد كان مدركًا أو متخيلًا لشيء مثل هذا، إلا عندما استطاعت تكنولوجيا الرصد الجيولوجي -بعد أن تطورت بالقدر الكافي- أن ترصده، وتشاهده بوضوح!!
تخيل معي مدى القلق ، ومدى الفضول في أن شيئًا مثل هذا الحدث العظيم يظل مختفيًا عنا طوال هذه الفترة الكبيرة، ولم نعلم عنه شيئًا، منذ فجر الزمان، ومنذ بدء التاريخ العلمي للبشر حرفيًا، ثم في ليلة وضحاها يبدأ علماؤنا في اكتشافها، ووضع حدودها ، ومعرفة أسرارها.
والسؤال هنا… هل لا زال هناك الكثير من الأشياء والأحداث والأسرار التي داهت في أعماق الكوكب، ولم نعرف عنها شيئًا؟ أو لم يأتِ وقت اكتشافها بعد؟!
وهل يا تُرى توجد مناطق خفية عنا إلى الآن، وما زالت بعيدة عن عيوننا وتكنولوجيا الرصد الحديثة؟!
الاصطدام الكارثي الذي شكل القمر وقتل الكوكب ثيا
وهذا ليس انتهاء الأمر.. بل هناك أثر آخر نتج بسبب تصادم الكوكب مع كوكبنا، وتسبب في ظاهرة كانت هي السبب في تكوين حياتنا كلها، والشكل الجيولوجي لكوكبنا إلى الآن.. شيء لم نستطع أن نعيش بدونه،
وهو أنه عندما حدث ذلك التصادم العنيف، فإن أجزاء من القشرة الأرضية نفسها تم قذفها في الفضاء في مشهد كوني مهيب، ومستحيل أن تستطيع رؤيته، ولا نقدر أن نتصوره إلا من خلال برامج المحاكاة هذه،
فالأجزاء التي كانت عبارة عن شظايا شديدة الضخامة بشكل لا يستوعب، كأن الربع العلوي من كوكب الأرض كله تحول لحطام وشظايا، تسبح في قلب الفضاء!!
مراحل تكون القمر
وهذه الشظايا ظلت في مكانها لفترة طويلة جدًا، وبدأ شكلها يتعدل ويتغير، وبسبب حجمها الضخم، فرضت عليها فيزياء جسمها وتركيز جاذبيتها الخاصة أنها تنهار على نفسها، وتاخد شكل كروي مميز، وتنطلق في مدار محدد وواسع حوال كوكب الأرض، و بمرور الزمن والعصور الكونية، تحولت كتلة الشظايا الضخمة هذه، التي نتجت عن دمار مطلق وشامل لكوكب آخر؛
لشيء عظيم تراه كل ليلة يسبح في الفضاء، فهو ينير لك طريقك، أو يثير بداخلك الشجون والخيالات، وهو ما يتغزل به الشعراء من أزمان طويل، ويصفوا به معشوقاتهم.. إنه الضياء الذي يزيح العتمة عن نفوس البشر القدماء،
عندما يسيرون تحت نوره في وسط الغابات والوحوش الضارية، وينيرلهم طريقهم، ويحفظهم من الأذى والهلاك.. إنه القمر، القمر الذي خلق من ضلع الأرض، كما خلقت حواء من ضلع آدم،
ومن الممكن تخيل الموضوع ويكأن الأرض وكوكب ثيا تصادما مع بعضهما، ونتج عن صدامهما ذلك طفل صغير، فضل يكبر مع الوقت، إلى أن تحول لقمر كامل يشع بضوئه الخافت وسط عتمة الفضاء السحيق،
إنه شيء رومانسي لو فكرت فيه وتأملته وأنت تنظر إلى لونه الفضي اللامع، في وسط سماء الليل المظلم، وفي ذات ليلة تحلم فيها أنك تنظر وتلمس قطعة تراب حقيقية من كوكب آخر، فليس هذا ببعيد، كل ما عليك هو أن تمعن النظر داخل قلب كوبنا ذاته، ستجد مبتغاك..
المصادر
https://phys.org/news/2021-03-theory-large-blobs-material-earth.html
https://www.space.com/35526-solar-system-formation.html
https://www.science.org/content/article/remains-impact-created-moon-may-lie-deep-within-earth
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
*************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا