مقالات

هل تم اكتشاف آثار حياة في كواكب المجموعة الشمسية؟!

هل هناك آثار حياة قديمة ومنسية على كوكب الزهرة والمريخ؟!

في الشهور اللي فاتت علينا في وسط انشغالنا بالأحداث العالمية الكتير اللي بتحصل ورا بعض هنا على الكوكب، علماء الفلك والفضاء في مؤسسات ووكالات الفضاء في العالم كله بقالهم كتير بيكتشفوا حاجات غريبة ومذهلة على الكواكب التانية اللي جنبنا وفي نفس مجموعتنا الشمسية!

تخيل لو قلتلك إن العلماء دول اكتشفوا آثار لمساحة ضخمة من غاز الفوسفين العضوي في سحب كوكب الزهرة! والغاز دا ممكن جدًا يكون أول أثر حقيقي يتم رصده لحياة عضوية حقيقية موجودة على سطح كوكب تاني غير الأرض!

مش بس كدا، دا على سطح كوكب المريخ كمان قدروا يرصدوا مواد وعينات عضوية غريبة، ممكن تكون أول مؤشر حقيقي بيدل على إن في الماضي البعيد، كان في حياة حقيقية موجودة وعايشة على سطح الكوكب الأحمر! دا غير إنه كمان تم اكتشاف وجود بحيرات من المياه المالحة زي اللي عندنا على الأرض، بس تحت سطح الكوكب الأحمر، وممكن جدًا بردو يكون جواها حياة، بالظبط زي اللي في البحيرات الأرضية!

كوباية شايك الحلوة والنعناع، وتعالى معايا النهاردا أحكيلك عن الاكتشافات المذهلة دي كلها، وحضر نفسك معايا لرحلة أغرب من الخيال، هتكشفلك أسرار كتير مستخبية عن عيون البشر كلهم بقالها ملايين السنين!

في البداية، خلينا نبدأ حكايتنا النهاردا، بإننا نتكلم عن الكشف المذهل اللي تم رصده في سحب كوكب الزهرة من سنتين كدا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في سنة 2020، مرصد (ALMA) الموجود في دولة تشيلي في أمريكا الجنوبية، ومرصد جيمس كليرك ماكسويل (James Clerk Maxwell Telescope) اللي في هاواي، قدروا مع بعض يرصدوا حاجة غريبة وشديدة الغموض، تفسيرها الوحيد مبهر ومذهل بمعنى الكلمة، المراصد دي قدرت إنها ترصد مساحة شديدة الضخامة من جزيئات الفوسفين (Phosphene)، موجودة في قلب الغلاف الجوي لكوكب الزهرة!

طيب إيه الفوسفين دا؟ وإيه علاقته باحتمالية وجود حياة عضوية؟!

اقرأ أيضاً: أسطورة الكوكب X .. هل هي حقيقة أم خيال؟

شوف يا صديقي، الفوسفين في الواقع بيعتبره علماء الكيمياء وخبراء علم البيولوجيا الفضائية (Astrobiology) واحد من أكبر الأدلة على وجود تفاعلات كيميائية عضوية، لا يمكن أن تنتج (بالكمية الضخمة دي) إلا بسبب وجود آثار حياة عضوية كما نعرفها، يعني حياة عضوية مكونة من الكربون أو (Carbon based life) زي ما بيسموها! نوع من الحياة الميكروبية مثلًا، أو بكتيريا أو حياة أحادية الخلية أو أي حاجة شبيهة بكدا!

الفكرة إن أصلًا من زمان، وسحب كوكب الزهرة دي واحدة من ضمن أكتر الأماكن المرشحة لوجود حياة عليها، ولو مش فاهم إزاي، خليني أشرحلك أكتر.

من زمان جدًا وعلماء البيولوجيا بيقولوا إن سطح كوكب الزهرة غير صالح لوجود حياة، بسبب كون الغلاف الجوي بتاعه تقيل جدًا وبيسبب ضغط جوي عملاق على سطح الكوكب، وبيخلي حرارته أشبه بحرارة الجحيم، تقريبًا 698 درجة كلفينية! بس الفكرة إن نفس العلماء دول بردو قالوا إن الظروف المناخية والجوية في الغلاف الجوي للكوكب، وفوق السحب نفسها، مرشح جيد جدًا لاستقبال حياة عضوية أو وجودها!

يعني مثلًا يوم 16 سبتمبر سنة 1967، العالم الفلكي العظيم كارل ساجان، بالاشتراك مع عالم تاني اسمه هارولد مورويتز، نشروا بحث في دورية نيتشر (Nature) بيتخيلوا فيه وجود حياة عضوية حقيقية عايشة على السحب في كوكب الزهرة، وإزاي نقدر إحنا البشر نبني مستعمرات بشرية كاملة فوق السحاب هناك! وسبب دا إن الظروف الجوية والبيئية في سحب الزهرة، شبيهة جدًا بالظروف الجوية هنا في كوكب الأرض، وهتلاقي لينك البحث هنا:

https://www.nature.com/articles/2151259a0

الأغرب من دا، إن كوكب الزهرة نفسه في بداياته، مكانش الكوكب الجحيمي ذو الظروف المناخية الكابوسية اللي فيه دلوقتي، بل في الواقع كان شبه الأرض، وغلافه الجوي كان قريب جدًا من الغلاف الجوي الأرضي، وكمان الحرارة عليه كانت مناسبة لوجود المياه في صورة سائلة، اللي هي أساس أي وجود حيوي أو عضوي أو حياة!

بل في الواقع كمان، كوكب الزهرة بعد ما تكوّن، ولمدة أكتر من ٤ مليارات سنة تقريبًا، كان حسب تصورات علماء الفلك والفيزياء الفضائية، شكله قريب جدًا من الأرض، وكان عليه محيط كبير من المياه يمكن أكبر من محيطات الأرض كمان، وحسب دراسات العلماء، فالكوكب دا فضل شكله كدا وعليه بحار ومحيطات لحد فترة قريبة، مثلًا 700 مليون سنة ولا حاجة، بس حصلت عليه كارثة مناخية شبيهة بالكوارث اللي بتحصل هنا على الأرض، بس أعظم وأكبر.

الكارثة المناخية دي في الأغلب كانت بسبب البراكين اللي على سطحه أو بسبب تفاعلات شمسية أو غيرها، الموضوع مش مؤكد، بس النتيجة كانت إن نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي زادت لدرجة مرعبة، مقدرتش معاها صخور الكوكب إنها تمتصها مرة تانية، وعشان كدا حصل تغير مناخي سريع في الغلاف الجوي بتاعه أدى لإنه يتحول لقطعة الجحيم اللي إحنا بنشوفها النهاردا!

اقرأ أيضاً: هل بدأت الحياة على كوكب الأرض؟

المهم إن اكتشاف جزيئات الفوسفين دي في الغلاف الجوي للكوكب شيء يكاد إنه يؤكد ظن علماء الفضاء والبيولوجيا اللي كانوا بيقولوا إن سحب الزهرة عليها نوع من الحياة الميكروسكوبية، بكتيريا مثلًا أو ما شابه!

حاليًا، ورغم إن في بعض الأبحاث اللي نُشرت من وقتها بتنفي وجود الفوسفين، وبتفسر الظروف المناخية للكوكب بشكل مختلف، فبردو فرق العلماء في العالم كله مستنيين المهمات الفضائية اللي هيتم إطلاقها لسحب الكوكب قريب، عشان تقدر تأكد أو تنفي بشكل نهائي وقاطع، ما إذا كانت في هناك حياة ميكروسكوبية أو لأ.

بس دي مش كل حاجة، لسه عندك كمان اللي بيحصل وبيتم اكتشافه على كوكب المريخ كمان!

بص يا سيدي، في منتصف يوم 15 سبتمبر من سنة 2022، وكالة ناسا أعلنت رسميًا في مؤتمر صحفي إنهم قدروا يجمعوا عينة من تربة المريخ، فيها أكبر تجمع وتركيز من المواد العضوية تم اكتشافه على الإطلاق.

العينات دي تم استعمال المركبة الفضائية (Perseverance Rover) في جمعها، ودي عبارة عن مركبة فضائية تابعة لناسا، هبطت على سطح المريخ في فبراير من سنة 2021، ولو هتسألني بقى ليه العينات دي مهمة أوي للدرجة دي، هقولك إن الإجابة تكمن في المنطقة اللي اكتشفوا فيها العينات دي من الأساس، اللي هي عبارة عن منطقة كانت نقطة التقاء ما بين بحيرة ونهر مريخي قديم، كان موجود من 3.5 مليار سنة تقريبًا! واسمها (Jezero Crater).

الفكرة إن دي مش أول مرة يكتشفوا فيها مواد عضوية زي دي على سطح المريخ، بل في سنة 2013، كان في مركبة فضائية تانية بتمشي على سطح الكوكب، وتابعة لناسا بردو، اسمها (Curiosity Rover)، والمركبة دي اكتشفت آثار لمواد عضوية بردو في مجموعة من الصخور المتفتتة، وحتى مركبة (Perseverance) نفسها اكتشفت عينات عضوية قبل كدا في نفس المنطقة.

لكن العينات الجديدة دي مختلفة لسبب مهم جدًا.

سبب كون العينات الجديدة دي مختلفة ومهمة بالشكل دا، وقلبت الدنيا في أوساط علماء الفلك والأستروبيولوجي في العالم كله، إن المنطقة دي بالذات بسبب ظروفها البيئية القديمة الاستثنائية، كانت زمان زي ما قلنا موجودة في قلب منطقة غنية بالمياه، ودا معناه إن المواد دي ممكن جدًا تكون عبارة عن بصمة قديمة ومنسية لحياة نباتية أو ميكروسكوبية قديمة جدًا كانت موجودة هناك من مليارات السنين!

الحقيقة إن العينات العضوية اللي لقوها دي لو شفتها، هتلاقيها قريبة جدًا من الحفريات والعينات اللي بنلاقيها هنا على الأرض، في وسط الأبحاث والحفر اللي بيحفره الجيولوجيين عشان يستكشفوا التاريخ القديم للأرض، ويكتشفوا أنواع الحياة العضوية القديمة اللي كانت عايشة على الكوكب، لكن الفرق كله إن المرة دي الكشف دا حصل في المريخ لأول مرة في التاريخ تقريبًا!

المركبة (Perseverance Rover) جمعت جواها تقريبًا 12 عينة علمية من الحفريات العضوية دي، وقريب جدًا هتبدأ مهمة فضائية ضخمة اسمها (Mars Sample Return campaign)، هتتم رسميًا في أواخر العشرينات من القرن الحالي، وتحديدًا سنة 2027 و2028، وهدفها إعادة العينات دي لسطح الأرض عشان يتم اختبارها هنا، والتأكد بشكل قاطع أخيرًا، ولأول مرة في التاريخ، من حقيقة وجود حياة قديمة ومنسية على سطح الكوكب الأحمر!

اقرأ عن: اكتشاف الأكسجين

المبهر أكتر من كل دا، إن من فترة طويلة، وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) بعتت مركبة فضائية لمدار كوكب المريخ، اسمها (Mars Express Spacecraft)، المركبة دي كان عليها رادار متطور جدًا، يعتبر من أكتر الرادارات المتطورة اللي البشر قدروا يبتكروها، واسمه رادار المريخ المتقدم للأصوات الجوفية وأصوات الأيونوسفير (Mars Advanced Radar for Subsurface and Ionosphere Sounding)، أو اختصارًا مارسيس (MARSIS).

مارسيس دا يا صديقي كان بيصور الكوكب باستعمال تقنية رادار متطورة، في الفترة ما بين سنة 2010 لحد سنة 2019، وبعدين في سنة 2018، العلماء دول نشروا بحث بيقولوا فيه إنهم لقوا بحيرة عملاقة مساحتها أكتر من 20 كيلومتر، تحت سطح المريخ، وتحديدًا القطب الجنوبي المريخي، بنحو كيلومتر ونص، ولما نشروا البحث دا ساعتها، ناس كتير شككت فيه وقالوا إن ممكن تكون الحاجات اللي الرادار رصدها دي حاجة تانية، رغم إن العلماء قعدوا ما بين سنة 2012 لحد 2015 بيتأكدوا من الأدلة.

بس في سنة 2020، العلماء طلعوا أكدوا مرة تانية بما لا يدع مجال للشك إن سطح المريخ مش تحته بحيرة بس، لأ دا في سلسلة من البحيرات المالحة المتصلة والمنفصلة، موجودة تحت بقاع كتير من سطح الكوكب! والتأكيد دا جه بعد ما استعملوا وسيلة متطورة بتستعملها الأقمار الصناعية الأرضية في استكشاف المياه اللي تحت الأنهار الجليدية اللي في القطب الجنوبي!

البحيرة الأساسية الكبيرة دي، بيحوطها بحيرات تانية أصغر، بتفصل ما بينهم مساحات من الأرض الجافة، وعشان طبعًا البعد الشديد بتاع المريخ، وعدم قدرة موجات الرادار على اختراق الصخور بدقة من على البعد دا، مش قادرين يحددوا إذا كانت البحيرات دي متصلة ولا لأ.

الفكرة إنك لو كنت بتتكلم عن إنك اكتشفت شوية جليد على السطح، كنا هنقول ماشي دي حاجة تكونت في ظروف استثنائية، لكن إنهم يكتشفوا سلسلة كاملة من البحيرات، دا معناه إنهم بيتكونوا بطريقة معتادة وكتير، وإنهم على الأرجح كانوا موجودين بكميات أكبر بكتير في فترة قديمة من تاريخ المريخ! وبسبب كون البحيرات دي شديدة الملوحة، فعشان كدا هي بتقدر تفضل سائلة ومبتتجمدش بسبب حرارة الكوكب المنخفضة!

الدراسة المفصلة اللي بتتكلم عن الكشف اتنشرت في مجلة (Nature) العالمية، وهتلاقي اللينك بتاعها هنا:

https://www.nature.com/articles/s41550-020-1200-6

حاليًا، ناسا بتحضّر مهمات لاستكشاف البحيرات دي، جنبًا إلى جنب مع المهمات اللي هتتعمل قريب لاستكشاف سحب كوكب الزهرة، وساعتها لأول مرة هنعرف هل إحنا الكوكب الوحيد اللي نشأت عليه حياة في الكون ولا لأ.

تخيل إن إجابة السؤال اللي كل البشر كانوا بيسألوه لنفسهم على مر العصور وهما بيتفرجوا على النجوم في قلب الليل، لأول مرة في التاريخ في احتمال حقيقي إنها تتعرف أخيرًا في وقت وجودك أنت بالذات على كوكب الأرض، حاجة لازم ولا بد تخليك تتحمس وتستنى، وتعد الأيام والشهور لحد وقتها.

في النهاية، لو أنت كان عندك اعتقاد إنك سيئ الحظ، وإنك اتولدت في وسط وقت صعب بيمر على الكوكب كله، ففكر تاني، عشان الحقيقة اللي مفيش عليها جدال إن أنت جيت في واحد من أهم العصور اللي مرت على الحضارة البشرية طوال تاريخها تقريبًا.

عصر هيغير تفكيرنا واستيعابنا للكون وموقعنا فيه للأبد.

مصادر:

https://www.nature.com/articles/d41586-020-02751-1

https://www.independent.co.uk/…/mars-water-bodies-nasa…

https://phys.org/…/2020-09-salty-lake-ponds-gurgling…

https://www.inverse.com/science/mars-salty-underworld/amp

http://astrobiology.com/…/phosphine-detected-in-the…

https://www.space.com/planet-venus-could-have-supported…

https://www.staradvertiser.com/…/sign-of-life-on-venus…/

https://www.nasa.gov/…/nasa-s-perseverance-rover

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست