كمائن الموت
عندما تحتل أرضك دولة أو مجموعة من اللاجئين المرتزقة، الذين لا ديار لهم ولا مأوى ويعيشون في الوهم والأساطير ويعتقدون أنهم على شيء، فلا بد إذًا لأصحاب الأرض من التفكير في حِيل مُبتكرة ومتجددة لتدمير هذا العدو الجبان، منها صناعة الكمائن.
الكمين: تكتيك وطريقة عسكرية لا يحسب لها العدو أي حساب، فيحدث له ارتباك يفقده صوابه ويختل توازنه ولو لفترة حتى يعيد خططه ويستفيق.
عند رجال الشرطة يُعرف الكمين بالخطة التي يسيطر بها على المجرمين والخارجين عن القانون، أو مجموعة شرطية تقف في الطريق للتأمين وفحص هويات السائقين أو المشتبه فيهم.
الإنسان الحر لا ينتظر وصاية أو مواعظ أو حتى تعاطفًا من أحد أو قرارًا من مجلس لا يخرج قراراته إلا للأقوياء، كما لا يُعير اهتمامًا للمُرجفين من أهل جلدته المثبطين الذين ركنوا إلى الدنيا وفرحوا بها وتركوا استباحة الأرض والعِرض كلأً مباحًا.
لا بد إذًا من تفكير جديد غير مألوف للفئة المقاوِمة، تفكير خارج الصندوق يؤلم عدوهم ويُكبدهم خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، إلى أن يطفح الكيل ويأخذ أذياله في أسنانه ويفلت بجلده (ضربنا أمثلة مُفصّلة في مقال سابق لأمريكا في أفغانستان والعراق).
على مر العصور رأينا وقرأنا عن إبداعات أصحاب الأرض وما صنعوه من كمائن وقبور مميتة مختلفة وفق الإمكانات والقدرات، أذاقت عدوهم أليم العذاب وذلك بإعداد المصايد والشباك المُحكمة.
في الحرب العالمية الأولى استخدم الألمان كمينًا جويًا وذلك بالزج بقوة وإدخالها للاشتباك (لتشتيت العدو وإلهائه)، والقوة الأخرى تهجم من ناحية الشمس للاختفاء في ضوئها وعدم كشفها.
ولنا في غزوة بدر العِبرة، فعندما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه: “أشيروا عليّ في المنزل”، فقال الحُباب بن المنذر: “أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله؟ فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟” فقال: “بل هو الرأي والحرب والمكيدة”، قال: “فإنّ هذا ليس بمنزل، انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم”، ثم أخبره حتى يشربوا ولا يشرب الأعداء.
والخندق من الكمائن المعروفة في التاريخ الذي حُفِر حول المدينة برأي الصحابي الجليل سلمان الفارسي، وهذه الاستراتيجية في الحرب كانت مستخدمة عند الفرس في المعارك، وبذلك لا يصل الأعداء ويكون من الصعب اجتيازه، فيصبح حتمًا من عوامل الانتصار.
وبصفة مستمرة تقوم كتائب القسام وفصائل المقاومة في فلسطين يوميًا بنشر كمائن قاتلة مفاجئة ومحكمة، وهذه الأكمنة تأخذ ترتيبًا وتجهيزًا وإيمانًا وصبرًا، فتُكبّد المحتلين خسائر محققة في الأرواح والآليات، لأنه وبكل بساطة أهل مكة أدرى بشعابها.
تستخدم فصائل المقاومة في فلسطين أكمنة متنوعة، مثل خروجهم من بين الأنقاض التي هدمها المحتل، أو زرع عبوات ناسفة في الطرق فتؤدي إلى تدمير الجنود والعتاد، أو تقوم بتفخيخ فوّهات الأنفاق وتتحكم في تفجيرها عن بُعد بعد استدراج القوة المغفلة إلى مصيرها المحتوم، أو وضع عبوة على ناقلة جند أو دبابة بكل ثبات وأريحية، ونذكر مثلًا الدبابة التي كانت تتباهى بها إسرائيل قبل الحرب وقامت بعمل تعديلات عليها وكانت تروّج لها في سوق السلاح العالمي، ويطلقون عليها فخر الصناعة الإسرائيلية (ميركافا)، التي تتكلف ستة ملايين دولار، حولتها المقاومة إلى كتلة حديد لا تساوى عدة مئات من الجنيهات بعبوات بسيطة محلية الصنع.
إنّ المحتل عمومًا وإسرائيل خصوصًا يعيشون في الوهم، كالجيش الذي ملأ الدنيا ضجيجًا وصراخًا بأنه لا يُقهر ولا تستطيع قوة على وجه الأرض هزيمتهم، فإذا بالمصريين الأشدّاء في حرب أكتوبر يجتازون كمائنهم بكل مهارة، ويصنعون لهم كمائن تقضي عليهم لدرجة الصراخ والاستنجاد بالأم المدللة المتغطرسة أمريكا، كحالها اليوم بعد غرقها في مستنقع غزة، التي ضربت مثالًا للبطولة وهاجسًا يقض مضجع الطغاة في العالم.
اقرأ أيضاً:
لماذا يدعم الغرب الكيان الصهيوني المحتل؟
قضية الشعب الفلسطيني من زاوية ثقافية
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا