مقالات

وعي النباتات! .. هل النباتات تشعر وتتفاعل مع ما حولها مثل البشر؟!

تخيل معايا لو قلتلك إن الشجرة اللي جنب بيتك عارفاك وبتحس بيك، وبتستناك كل يوم وإنت معدي! وإن كل شجرة موجودة في العالم بتشترك معاها في نوع معين من الوعي والإحساس بالعالم اللي حواليها، زيهم زي أي كائن حي ذكي موجود على سطح الكوكب!

يعني تخيل إن الحشائش والأشجار، والحياة النباتية كلها على سطح كوكب الأرض هي حياة ذكية وواعية، وإنهم أثبتوا إنها فعلًا بتقدر تحس باللي حواليها وكمان بتتواصل مع بعضها عبر المسافات، ومن دون كلام أو أي إشارات عصبية زي باقي الكائنات!

كوباية شايك الحلوة والنعناع، وتعالى معايا النهارده أحكيلك قصة الاكتشاف الحديث اللي قلب كل الموازين ده، وإزاي ممكن يغير من نظرتك لشكل وصور الحياة الذكية والواعية على كوكب الأرض!

تجارب كليف باكستر .. جهاز كشف الكذب

بص يا سيدي.. القصة كلها بدأت في صباح يوم 2 فبراير من سنة 1966، لما الباحث في علوم النباتات كليف باكستر (Cleve Backster) كان قاعد بيشرب قهوته في هدوء، وبعدين خطرت له فكرة إنه يوصل جهاز البوليجراف (Polygraph)، أو اللي يعرفه الناس باسم جهاز كشف الكذب، على نبات من نوع دراسينا (Dracaena) كان عنده في البيت.

ممكن هنا يخطر في بالك سؤال هو ليه أصلًا باحث يكون عنده في بيته جهاز كشف كذب، وهقولك إن كليف في الواقع مكانش باحث عادي، بل كان ظابط في جهاز الاستخبارات الأمريكية CIA، واشتغل كمان في المباحث الفيدرالية الأمريكية المعروفة باسم الـ(FBI) لفترة، خبيرًا في الاستجوابات. وعشان كده جهاز البوليجراف اللي عنده ده كان بيستعمله في كل حاجة ليها علاقة بشغله تقريبًا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المهم بقى إنه لما جتله الفكرة الغريبة دي، قرر إنه يشوف هل النباتات فعلًا ممكن تقدر تحس بالألم أو الخطر أو بأي مشاعر بتحس بيها الكائنات الحية التانية ولا لأ. ولو فعلًا بيحسوا أو بيتجاوبوا مع المؤثرات الخارجية، فأكيد جهاز كشف الكذب هيقدر يعرفه حاجة زي دي. وعشان كده بدأ التجربة بإنه قرب عود كبريت من واحدة من أوراق النبات، وفي نيته إنه هيولع فيها، هنا بقى حصلت المفاجأة!

قدام عيونه، الإبرة بتاعت جهاز كشف الكذب قعدت تطلع وتنزل وترسم إشارات حقيقية وواضحة، بتدل على إن النبات حاسس بيه وبنيته إنه يأذيه، وبيتفاعل مع المؤثر الخارجي ده بشدة جدًا، كأنه بيصرخ أو بيستنجد، ومش عايز يموت!

النباتات تتخاطر وتقرأ الأفكار

كليف باكستر

لما كليف شاف المنظر ده بيحصل قدام عيونه، انبهر حرفيًا، والذهول استولى على كل جزء من كيانه، ومبقاش عارف يعمل إيه ولا يفهم إيه، لدرجة إنه ساب شغله في الاستخبارات كله وراه، وفضل بعدها على مر سنين طويلة يبحث في طريقة تجاوب النباتات حسيًا مع المؤثرات الخارجية، وإزاي بيشعروا وبيتواصلوا مع بعض، وكأنهم كلهم جزء من منظومة واحدة ممتدة بعرض كوكب الأرض كله.

مكانش يعرف وقتها إن الاكتشاف اللي عمله بناءً على فكرة بسيطة جتله وهو قاعد بيشرب كوباية قهوة، ممكن يكون واحد من أهم الاكتشافات المحورية في علوم البيولوجيا النباتية في القرن العشرين!

الاستنتاج اللي وصل له كليف بعد سنين طويلة من الشغل والأبحاث اللي عملها على النباتات، إنهم بيقدروا يتواصلوا مع بعض ويحسوا باللي حواليهم بنوع من التخاطر أو الـ(Telepathy)، سماه باسم الإدراك الأولي أو الأساسي (primary perception). والإدراك ده خفي ومش بيظهر ظهور ملموس، إنما بنقدر نحس بيه من خلال الإشارات اللي بتظهر في الأجهزة فقط.

اقرأ أيضاً: الهوهوباء (الذهب الأخضر)

تجارب بوز

بس الحقيقة بقى إن الشغل بتاع كليف والنتايج اللي وصل لها من خلال أبحاثه، مكانتش أول مرة يتم فيها اكتشاف أو طرح فكرة إن النباتات بتحس أو بتشعرأو حتى بتتخاطر عن بعد، عشان زمان في بدايات القرن العشرين، كان في عالم نباتات تاني هندي الجنسية، اسمه جاجاديش تشاندرا بوس (Jagadish Chandra Bose). والعالم ده في الواقع قدر يخترع جهاز أو ماكينة معينة شديدة الحساسية، بتقدر تلقط أدق وأقل الحركات اللي بتحصل في النباتات.

الجهاز ده استعمله في إثبات إن البناتات بتتحرك وبتستجيب لعدد كبير جدًا من المؤثرات الخارجية، وبناءً على الموقف اللي بتواجهه. ومن ده، قال إن النباتات في الواقع عندها القدرة على الإحساس. وبناءً على نتايج الأبحاث بتاعته، وضع فرضية بتقول إن النباتات في الواقع بتحس بالألم والخوف وحتى بتفهم مشاعر الحب أو الاهتمام اللي بيظهره ناحيتها أي شخص. بس الطريقة اللي بيعملوا بيها كده هي طريقة مختلفة كليًا عن الطريقة العقلية المعتمدة على الإشارات العصبية اللي بتحصل في البشر والكائنات الحية التانية عمومًا!

النبات يحب ويتألم ويقرأ الأفكار

كليف باكسترالاكتشافات بتاعته دي فيما بعد كانت الأساسيات العلمية اللي قام عليها كتابين كاملين من أهم ما كُتب في علم النباتات، الأول كان اسمه (Response in the Living and Non-living) سنة 1902، والكتاب التاني كان اسمه (The Nervous Mechanism of Plants) سنة 1926! وكل ده غير إنه هو كمان اللي اكتشف سبب كون فروع وجذوع النباتات بتتحرك ناحية الشمس، وأثبتها معمليًا، بعد ما كانت قبله مجرد لغز محدش فاهم سببه أو طبيعته بالظبط!

الفكرة بقى إن لما كليف باكستر نشر الأبحاث بتاعته للعالم للمرة الأولى، سببت جدل كبير بين الناس، وهاجمه علماء كتير من المجتمع العلمي وقالوا على أبحاثه إنها مش صحيحة ومش علمية، عشان كانت بتناقض واحد من الأساسيات المعتمدة في قواعد البحث العلمي، اللي هي القدرة على التكرار. يعني بمعنى أصح، لما الخبراء حاولوا يكرروا التجارب بتاعته، معرفوش يوصلوا لنفس النتايج، ولا يشوفوا اللي هو شافه. وعشان كده قالوا على التجارب بتاعته إنها مش صحيحة ومش حقيقية.

بس رد كليف على الكلام ده بقى، إن النباتات دي في الواقع متطورة جدًا وذكية وبتقدر تفهم، مش مجرد بتحس، وبالتالي بتبقى عارفة كويس وحاسه بمشاعر الإنسان اللي بيعمل عليها التجارب، وعارفه نيته، وعشان كده لو الإحساس الشعوري اللي واصلها من الإنسان ده مش قوي بما فيه الكفاية، فهي مش هتتفاعل ولا هتتجاوب معاه. وده للأسف مكانش موجود في البيئة الجامدة الخالية من المشاعر اللي كانت بتبقى موجودة جوه معامل الاختبار والأبحاث اللي اتعمل فيها التجارب دي.

تعرف على: أغرب الفرضيات العلمية .. فرضية جايا

النباتات وإدراكها

الغريب بقى إن لما كليف اتسأل عن نتايج أبحاثه من قريب، وإزاي شغله بيوضح إن في نوع غريب وخفي من الإحساس الشعوري الواعي موجود في النباتات، قال إن الإدراك الأولي أو الـ(primary perception) ده مش بس موجود في النباتات، بل هو موجود في صور الحياة الأخرى اللي زي الميكروبات مثلًا، وحتى الخلايا الحية البشرية نفسها!

أيوه زي ما قرأت، حتى خلايانا الحية البشرية موجود فيها الخاصية دي، وبتقدر تشعر وتتواصل مع بعضها بطريقة مجهولة تمامًا، كأنها بتتخاطر عن بعد! والفكرة إن في أبحاث كتير جدًا بتثبت كلامه ده، ولكنه بيقول إنه في حالة البشر، فالقدرة دي اختفت مع الوقت بسبب تنامي ذكاء البشر ونسبة وعيهم مع مرور الزمن. وإنه زمان الإنسان كانت عنده القدرة دي أكبر وأوضح، وكان بيقدر يستعملها بسهولة. لكن حاليًا مع التطور الحضاري اختفت عندنا الحاجة للتعامل مع المؤثرات الخارجية اللي زي دي، وبالتالي القدرة دي اختفت من عندنا!

بس ده ميمنعش إن في بعض الأحيان، القدرة الخارقة لحدود الزمان والمكان دي بتظهر في البشر، وبتعلن عن وجودها في ظروف غير متوقعة. عندك مثلًا الأمهات اللي بتحس إن أطفالها في خطر أو بيتألموا حتى وهما مش موجودين معاهم! أو الناس المرتبطين ببعض وبيحبوا بعض أو عندهم عاطفة قوية تجاه بعض، اللي بيحسوا ببعض عبر المسافات. وحتى التوائم مثلًا اللي في تجارب حقيقية أثبتت في بعض الأحيان إنهم بيحسوا بمشاعر بعض حتى وهما على أبعاد كبير من بعض!

نتائج الاكتشاف المثير الذي توصل إليه كليف باكستر

كليف باكسترعايز أقولك إن الأبحاث دي جه عليها فترة في الستينات والسبعينات والتمانينات، كانت منتشرة انتشار واسع جدًا وشديد السرية، وكانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية والروسية بتعمل تجارب حقيقية على الناس اللي عندهم قدرات خارقة زي التخاطر أو الاستبصار. والقدرات دي كانوا بيسموها الإدراك الفائق للحس (Extra Sensory Perception) أو اختصارًا الـ(ESP).

طبعًا هتسألني ليه أجهزة الاستخبارات وحكومات الدول وأقسامها العسكرية، بيعملوا تجارب على القدرات دي؟ والإجابة إن أثناء فترة الحرب الباردة ما بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، الأجنحة العسكرية للجيوش وأجهزة الاستخبارات كانوا بيسعوا لإنهم يوصلوا لنوع جديد من الأسلحة غير المعتادة، إنهم يدربوا العملاء والجواسيس على القدرات الخارقة للطبيعة دي، ويستعملوهم في أغراض التجسس والحرب المعلوماتية، وده بالفعل بتثبته أبحاث ووثائق كتير اتكشف عنها بعدها بسنين طويلة، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه!

اللي قاله كليف بقى كمان، إن الأشخاص لما بيكونوا متطورين ومتقدمين روحيًا جدًا على حد تعبيره، فهم بيبقى عندهم القدرة على الدخول أو الولوج لدايرة المشاعر والإحساس الفائق للعادة ده، وبيبقوا متناغمين معاها حسب كلامه، بس لما الشخص مش بيكون متطور حسيًا للمرحلة دي، فممكن يسبب ضرر لنفسه وللكائنات التانية من الأساس!

اقرأ أيضاً: هل نحن مهددون بالانقراض؟!

هل تشعر النباتات كما هو الحال مع الإنسان والحيوان؟

رغم كون كلامه ده يقترب أكتر من الروحانيات منه للعلم المثبت التجريبي، فقد اتنشر بحث علمي مذهل في دورية علمية اسمها (Biomed Central Ecology)، أثبت كلام كليف وبوس بالدليل القاطع إن النباتات بتقدر فعلًا إنها تتواصل مع بعضها باستعمال نوع غريب من الموجات الصوتية النانو ميكانيكية (nano-mechanical sound waves)!

بناءً على كلامهم، فالنباتات عندها عمليات كيميائية وحيوية بتحصل جوه الخلايا بتاعتها، وبينتج عنها نوع من الموجات الاهتزازية والصوتية. والموجات دي بتبعتها النباتات ما بين بعضها عشان تتواصل فيما بينها، وترسل لبعضها إشارات بتحوي معلومات بيئية أو مساحية عن المكان اللي هما موجودين فيه!

تخيل إنت لما النباتات اللي موجودة حواليك في كل حتة دي، تطلع فعلًا بتحس بيك وبوجودك، وبتحس حتى بأفكارك وبتتعامل معاك بناءً عليها!

يا ترى هما حاسين بإيه دلوقتي وهما شايفين اللي بيعمله الإنسان في البيئة في كل يوم؟ سواء من خلال التلوث وقطع المساحات الخضراء، أو من خلال حرائق الغابات العظيمة اللي بتدمر ملايين الفدادين من الأشجار النادرة في كل سنة؟!

تفتكر الكائنات دي لو كانت بتقدر على التعبير واتخاذ القرار فعلًا، هيكون الإنسان بالنسبة لهم حليف ولا عدو؟ وهل هيتعاملوا معانا على إننا فعلًا شركائهم في الكوكب والبيئة، ولا هنكون بالنسبة لهم مش أكتر من جرثومة بتساهم في تدمير حياتهم ومستقبلهم؟!

الله أعلم.. بس المؤكد إن العالم ده رغم كل علمنا وتطورنا واستكشافنا له، ما زال مليان بالمجهول، ولسه مخبي جواه أسرار أغرب من كل حاجة ممكن يوصلها خيالي وخيالك.

مصادر

https://www.consciouslifestylemag.com/cleve-backster-research-plants/

https://www.newscientist.com/article/mg25534012-800-the-radical-new-experiments-that-hint-at-plant-consciousness/

https://www.sciencefocus.com/news/plants-are-they-conscious/

https://gizmodo.com/are-plants-conscious-1826365668

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست